سفر الخروج
سفر الخروج أو كتاب الخروج (بالعبريَّة:שְׁמוֹת) هو أحد الأسفار المقدسة لدى الديانة اليهودية والمسيحية، يصنف هذا السفر كثاني أسفار العهد القديم التناخ؛ ولا يوجد خلاف حوله بين مختلف الطوائف المسيحية أو اليهودية حول قيمته المقدسة. يتحدّث هذا السفر عن كيفيَّة نجاة بني إسرائيل من استبداد وظلم وبطش فرعون مصر واستعباده إياهم، وذلك بقدرة وإرادة الله الذي خصّهم بالرسالة، وأرسل إليهم نبيه موسى ليعظهم ويُعلمهم، فقادهم في رحلةٍ طويلة عبر البراري حتى وصلوا جبل الطور في سيناء، حيث وعدهم الله أرض كنعان (أرض الميعاد)، وأخذ ميثاقهم، ثمَّ أنزل الشريعة على موسى، ليُعلمهم الدين.
سفر الخروج | |
---|---|
رسم رقمي للوحي الشريعة وعليها الوصايا العشر. | |
العنوان الأصلي | שמות |
الكاتب | موسى (حسب التقليد) |
تاريخ الكتابة | القرن الخامس عشر قبل الميلاد - القرن الخامس قبل الميلاد. |
اللغة الأصلية | العبرية التوراتية |
التصنيف | التوراة، تناخ |
الأسلوب | أحكام الشريعة اليهودية، سرد قصصي.[1] |
ويكي مصدر | سفر الخروج |
أسفار أخرى | |
نسب سفر الخروج في التقاليد اليهودية والمسيحية إلى موسى، ويدعى إلى جانب أول أربعة أسفار في العهد القديم باسم أسفار موسى الخمسة أو التوراة أو الشريعة، حيث أن كلمة توراة في العبريّة تفسر بمعنى الشريعة.[2] بينما يرى الباحثون الحديثون أن السفر كان في البداية نتاج فترة النفي البابلي (القرن السادس قبل الميلاد)، وتم تكوينه على أساس التقاليد المكتوبة والشفهية السابقة، مع حدوث المراجعات النهائية في الفترة الفارسية ما بعد النفي (القرن الخامس قبل الميلاد).[3][4]
تقول الباحثة كارول مايرز في تعليقٍ لها على السفر، أنَّه أكثر أسفار الكتاب المُقدس أهميَّة، فهو على حدّ تعبيرها: يُمثّلُ التفاصيل التوضيحيَّة للهويَّة اليهوديَّة، فيعكس ذكريات ماضٍ مليء بالشقاء والهروب، وميثاق أخذه الله على بني إسرائيل وفضَّلهم بعده على العالمين، وتعاليمه التي بعث بها موسى ليُعلّمهم أسس بناء مُجتمع جديد وكيفيَّة الحفاظ على ديمومته.[5]
يلتقي سفر الخروج مع القرآن في كثير من الأحداث والشرائع، بل إن أغلب الروايات الواردة في سفر الخروج ذكرت في القرآن،[6][7][8][9] وكذلك يوجد تشابه في الشرائع، كالتوافق في شرائع الزنى، ومن القصص المشتركة عصا موسى التي تحولت لأفعى، وعبور بنو إسرائيل للبحر الأحمر، وسواهما.[10]
وفقاً للباحثين، محتوى السفر ليس تاريخياً،[11] لأنه لا يوجد أدلة تاريخية على صحة قصة الخروج.[12][13] يتم تقديم كل شيء في السفر على أنه عمل من أعمال الله (والذي يظهر بشكل شخصي في كثير من الأحيان)، والظروف التاريخية المذكورة ليست سوى رسم ضبابي للغاية.[14] الغرض من السفر ليس تسجيل أحداث حدثت بالفعل، ولكن يعكس قصة مجتمع المنفى في بابل وفي وقت لاحق القدس، في مواجهة الأسر من قبل قوى أجنبية والحاجة إلى الاتفاق حول فهمهم لله.[15]
مؤلف السفر
كان التقليد اليهودي والمسيحي ينظر إلى موسى على أنه مؤلف سفر الخروج وكل أسفار موسى الخمسة، ولكن بحلول نهاية القرن التاسع عشر، أدى الوعي المتزايد بالاختلافات والتناقضات والتكرار وغير ذلك من الملامح في أسفار موسى الخمسة إلى دفع العلماء إلى التخلي عن هذه الفكرة.[16] ربما بدأت العملية التي أنتجت سفر الخروج وأسفار موسى الخمسة حوالي سنة 600 قبل الميلاد عندما تم جمع التقاليد الشفوية والكتابية الموجودة لتكوين كتب يمكن التعرف عليها كتلك التي نعرفها، ووصلت إلى شكلها النهائي كنصوص مقدسة غير قابلة للتغيير حوالي عام 400 قبل الميلاد.[17]
يجب التمييز في التوراة عمومًا وسفر التكوين وسفر الخروج على وجه الخصوص، بين الجانب التاريخي والجانب الأسطوري الرمزي،[18] في حين يرى قاموس الكتاب المقدس:
فهناك على سبيل المثال تشابه بين قصة طفولة موسى المذكورة في السفر وطفولة سرجون الأكادي: وحملت بي أمي، ووضعتني في سلة من الحناء قصيرة ورمتني في الماء الذي لم يغرقني ، وحملني الماء إلى آكي ساقي الماء، فانتشلني ورباني وصرت له ولدًا.[20] وهو ما يدفع بعض الباحثين للقول بأن السفر بالشكل المتعارف عليه اليوم لم يتم كتابته إلا في أعقاب السبي البابلي، حيث أتيح لليهود التمازج مع الثقافات الفارسية والبابلية، ولا يرى المسيحيون واليهود الآن في ذلك انتقاصًا من قدسية السفر ومكانته، فغاية السفر الممثلة في الخلاص تجلت من خلال الأسطورة.[21] إذ أن المسيحيّين يعتقدون أن للنصوص المقدسة خمس معانٍ، معنى تاريخي وعقائدي ونبوي وفلسفي وصوفي. ويعتبر إكليمندس الإسكندري هو أول من أرسى هذه القواعد في القرن الثاني.[22] ورأى أوريجين في منتصف القرن الثاني أن الكتاب المقدس يوحي بحقائق يتيسر فهمها، وليس بحقائق تاريخية، قائلاً:
صحيحٌ أننا لا نتصوره مؤلفًا للأسفار بالمفهوم الحديث، لكن ليس ثمة دافع لنرتاب في أن له دورًا فريدًا مهمًا في الأحداث التي تصفها تلك التقاليد ولا سيما دوره كمشرع. |
—النسخة الأمريكية الجديدة للكتاب المقدس. |
أما أوغسطين فيقول: «إن غلاف التوراة المنفر بوسعه أن يشتمل خلف الصور على حقائق جوهرية.[24]» بيد أنهم يشيرون إلى إمكانية وقوع هذه الأحداث أيضًا.
يستخدم السفر عبارة ألوهيم للإشارة إلى الإله، وهي صيغة جمع لأيل، وربما استخدمت للتفخيم، واستخدمت بشكل كثيف في الأسفار الخمسة الأولى كما استخدمت في بعض المزامير. ويرى المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون أن كلمة ألوهيم كانت تعني الإله الأعلى، في وقت كان الاعتقاد بتفرد الإله سائدًا في المجتمع اليهودي،[25] كما كان يطلق عليه اسم بعل وهو إله كنعاني أصبح مرادفًا لكلمة الله في الديانة اليهودية،[26] إلى جانب ورود لفظ يهوه والذي لم يتحول إلى اسم الجلالة الرسمي والأكثر شيوعًا حتى العودة من سبي بابل.
قصة السفر وأحداثه
أسفار موسى الخمسة |
---|
يعتبر سفر الخروج من الأسفار الطويلة في الكتاب المقدس، وهو يروي في حلقات متتابعة طفولة النبي موسى، وهربه من مصر، ثم عودته إليها ليقود أسباط يعقوب خارجًا من حكم الفرعون،[27] والأحداث التي رافقت المرحلة الأولى من خروج الشعب، الذي شكل الحدث الأساسي، ومنه استقى السفر اسمه.
المقدمة
يبدأ سفر الخروج بذكر أسماء بني يعقوب الذين استقروا في مصر، عندما طلب يوسف إحضار إخوته وأبيه إليها،[28] أي أنه يبدأ من المكان الذي توقف عنده سفر التكوين،[29] وهو ما يؤيد نظرية كون الكاتب واحدًا. ويذكر السفر أن يوسف وإخوته الأحد عشر قد توفوا جميعًا في مصر، لكن ذريتهم تكاثرت حتى ملأت البلاد،[30] فتخوف الفرعون أن تؤدي هذه الزيادة الضخمة في أعداد بني يعقوب إلى انقلاب في حكم مصر إذا ما أصبحوا أكثر من المصريين،[31] أو أن يتعاملوا وقت الحرب مع أعداء مصر،[32] لذلك أمر الفرعون بإجهادهم في عمل السخرة، وإذلالهم خلال العمل.[33] ويصف السفر حياة بني إسرائيل ذلك الوقت بالعبودية القاسية،[34] لكن فرعون لم يستفد شيءًا من هذه السياسة، إذ استمر عدد اليهود بالتزايد، لذا طلب من القابلات اليهوديات قتل الذكور واستبقاء الإناث.[35] لكن القابلات رفضن طلب فرعون سرًا،[36] وعندما اكتشف فرعون ذلك أمر أن يرمى صغار بني يعقوب الذكور في نهر النيل.[37]
قصة موسى
بدءًا من الفصل الثاني يذكر السفر قصة موسى، فهو من سبط لاوي،[38] أخفاه أهله ثلاث أشهر ثم اضطروا أن يضعوه في النهر،[39] حتى وجدته ابنة الفرعون فربته وأسمته موسى لأنها انتشلته من الماء،[40] ورغم تربيته المصرية ظل موسى مخلصًا لشعبه الأصلي.[41] اضطر موسى للهرب إلى مديان حيث تزوج ابنة كاهن القرية،[42] وبعد سبعة سنوات، ظهر له ملاك الرب في وسط عليقة تشتعل فيها النار ولا تحترق،[43] ثم ظهر الله له في العليقة فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله،[44] ويذكر هنا مصطلحين سيكون لهما عميق التأثير في الديانة اليهودية وهما يهوه، والتي تعني «أنا هو»،[45] ومصطلح إله الآباء: إله إبراهيم وإسحق ويعقوب.[46]
بحسب السفر، فقد عيّن الله موسى لكي ينقذ شعب إسرائيل من العبودية، وقد فعل موسى كما طلب الله منه،[47] وبحسب السفر أيضًا فقد جعل الله عصا موسى تتحول إلى أفعى، كلما ألقاها موسى على الأرض،[48] لكي تكون دليلا لبني إسرائيل على حقيقة دعوة موسى.[49] وعين هارون أخاه لمساعدته، وبالفعل التقى موسى وهارون بفرعون، لكنه رفض إطلاق سراح الشعب، بل شدد من قسوته عليهم،[50] وعندما التقى موسى وهارون مرة جديدة بفرعون، اجترح موسى عجيبة العصا التي تحولت إلى أفعى.[51] لكن فرعون رفض إطلاق سراح بني إسرائيل من مصر فأخذت المصائب تتتالى عليه وعلى شعبه: فتحولت مياة الأنهار إلى دماء،[52] ثم غزا الذباب والضفادع جميع أماكن مصر،[53] تلى ذلك غزو الجراد لمحاصيل مصر وإتلافها،[54] وكذلك البرد،[55] وأخيرًا ماتت جميع بكور المواشي والأبناء في مصر. وهنا يذكر السفر أن الرب قد ميّز بين مواشي وأبناء بني يعقوب ومواشي وأبناء المصريين،[56] وعندها فقط وافق فرعون على إطلاق سراح بني يعقوب من مصر.
خروج الشعب
بين موافقة الفرعون وخروج الشعب من مصر، يضع سفر الخروج على لسان الله، عددًا من التشريعات فينظم السنة العبرية،[57] وطرق الاحتفال بعيد الفصح اليهودي،[58] وحمل الفصح.[59] ويذكر أن خروج بني إسرائيل من مصر قد تم بعد أربعمائة سنة من استطيانهم فيها.[60] وخلال سيرهم في الصحراء، كان الرب يقودهم من خلال الترائي أمامهم في عمود من سحاب نهارًا وعمود من نار ليلاً،[61] وقد وعدهم بأنهم بعد خروجهم من مصر سيمنحهم أرض فلسطين ملكًا لهم.[62]
لكن فرعون أراد استرجاع بني يعقوب مجددًا لخدمة المصريين، لذلك قام بملاحقتهم مع جيشه،[63] حينها يذكر السفر أن الرب أمر موسى أن يضرب مياه البحر الأحمر، فانشق الماء وظهرت اليابسة في وسطه،[64] فدخل بنو إسرائيل إلى البحر ومشوا على اليابسة والماء سور لهم من اليمين واليسار.[65] وعندما وصلوا إلى الضفة المقابلة، كان المصريون قد وصلوا إلى نصف البحر فعادت المياة إلى حالتها الطبيعية فغرق الفرعون وجيشه.[66]
الفصل الخامس عشر من السفر يروي ابتهاج بني إسرائيل بنصرهم هذا وخروجهم، وينتقل في الفصل السادس عشر إلى ذكر المنّ والسلوى، الطعام اليومي المرسل من السماء للشعب أثناء عبورهم في الصحراء،[67] في حين يذكر الفصل السابع عشر، محاربة بني إسرائيل للعماليق وانتصارهم عليهم بمعجزة.[68] ثم ينظم عملية القضاء في حل المشاكل التي تنشأ بين الشعب.[69]
الوصايا والشريعة
بعد ثلاث أشهر من خروجهم، وصل بنو إسرائيل إلى برية سيناء، عندها أوصى الرب موسى بسلسلة من الطقوس الخاصة بتقديس وتطهير الشعب استعدادًا لنزول الشريعة على جبل سيناء، وفي اليوم المحدد تجمع الشعب في سفح الجبل وصعد موسى وحده، فاستلم لوحي الوصايا العشر، التي اشتملت إلى جانب أمور أخرى في التوراة: وحدانية الله وعدم الاعتراف بغيره إلهًا، تقديس يوم السبت وأحكامه، إكرام الوالدين والنفس البشريّة وأملاكها. يلحق بالنص الأصلي للوصايا العشر أحكام السنة السبتية، والزواج بما فيه المتعدد، وعقوبات القتل والسرقة والزنى، وأحكام الغرباء، والقروض، والتجديف، والنميمة، وأحكام خاصة بالفقراء، والرشوة، والأعياد اليهودية، التعامل مع الأوثان، تنظيم السنهدرين أي مجلس اليهود، وتنظيم الذبائح؛ بعض هذه الأحكام وردت أيضًا في عدد آخر من أسفار التوراة. وبكل الأحوال، فإنّ بعد أربعين يومًا نزل موسى من الجبل ومعه لوحي الوصايا فحسب، وفي اليوم التالي صعد مجددًا إلى الجبل مع الشيوخ السبعين وجلسوا في حضرة الله وعاينوا مجده.[70]
تنظم الفصول الأخيرة من السفر أحكام تابوت العهد، وخيمة الاجتماع حيث يوضع تابوت العهد، وأحكام الكهنة وأدوات الطقوس، والذبح مجددًا، وقد ظل موسى أربعين يومًا وهو ينقش مبادئ الشريعة، فلما تأخر عن الشعب، أخذوا بعبادة العجل الذهبي، فلما رآهم موسى حطم لوحي الشريعة وطحن العجل وذرّه في الماء،[71] ويروي السفر مراسم توبة بني إسرائيل،[72] وكيف نحت موسى لوحي شريعة جديدين،[73] أما الفصول بين الخامس والثلاثون حتى الأربعون تتكلم عن تنفيذ بني إسرائيل لشريعة الرب. ويرى بعض الباحثين أن العجل الذي عبده بنو إسرائيل هو عجل آبيس الذي كان يعبده قدماء المصريين.[20]
الغاية والأهمية
الغاية الأساسية من السفر، التذكير بأنّ الخلاص يأتي من الله وحده: «لا تخافوا انظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم» (14/ 13)، وأنه كلّي القدرة وصانع للمعجزات: «لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يخبر باسمي في كل الأرض» (9/ 16)؛ «فمن مثلك يا الله معتزًا في القداسة مخوفًا في التسابيح صانعًا العجائب». (15/ 11).
وينحو العديد من المفسرين حديثًا، بأخذ بعض أحداث السفر بشكل رمزي؛ سوى ذلك، فإن أغلب التشريعات الواردة فيه لم تعد تأخذ على حرفيتها لدى غالبية الطوائف المسيحية واليهوديّة. ففي حين تمسكت بعض الفرق البروتستانتية واليهود الأرثوذكس، بجميع الشرائع، ترى سائر الطوائف، بأن هذه الشرائع تتكلم عن مرحلة تاريخية معينة، وأنه بتطور الأزمان تتطور معها الشرائع، فلا يوخذ النص بحرفيته وإنما يؤخذ بغايته.[74]
في اليهودية
اعتبر سفر الخروج أهم أسفار التوراة، فخروج بني إسرائيل من مصر شكل الحدث الذي «خلق» فيه الأسباط الإثني عشر، وعلى الرغم من كل الأحداث اللاحقة، كدخول الأرض المقدسة مع يشوع أو إقامة الملكية مع داود، فإن حدث الخروج من مصر وفلق البحر الأحمر، ظل دومًا مرتكز الحياة اليهوديّة عمومًا حتى إن عبارة «الذي أخرجنا من أرض مصر» باتت أحد ألقاب الله الرئيسية في التراث العبري إن لم نقل أحد أسمائه.[75] وهذا ما يترجم في صلوات عيد الفصح اليهودي حيث يرد إرشاد بأنه «على كل إمرؤ، على مدى لأجيال، أن يعتبر نفسه قد خرج من مصر».[76]
يظهر تأثير سفر الخروج أيضًا في الصلوات والطقوس اليهودية اليومية، إذ تترافق صلاة المساء مع ذبائح المساء اليومية،[77][78] وفي البركات التسعة عشر التي تترافق مع جميع الصلوات اليهودية تعتمد البركة الأولى على ما ورد في السفر (3/ 15)، وتدعى هذه البركة بآبوي والتي تعني الآباء، إذ يذكر بها الآباء الأقدمون للشعب اليهودي.[79] كما أنّ له أهمية في تنظيم العشور والصدقات وضريبة خيمة الاجتماع، ومن ثم هيكل سليمان،[80] كذلك فإن السفر يعتمد عليه في تحديد أيام الصوم اليهودي،[81] والاحتفالات بالأعياد اليهودية،[82] إضافة إلى الحج.[83] إلى جانب ذلك فإن اليهود في صلواتهم اليومية يفتخرون بالتوراة وسفر الخروج جزءًا منها، وترد أدعية تفيد ذلك ويلقب الله في بعض الأحيان بمعطي التوراة.[84]
في المسيحية
في المسيحية، فقد وصف سفر الخروج بكونه «إنجيل العهد القديم»، لأنه على غرار الإنجيل، يعلن بشارة تدخل الله في حياة الناس ليحررهم،[85] وتظهر علاقة سفر الخروج بالعهد الجديد بشكل خاص في سفر الرؤيا، إذ إن الرؤيا تشيد بالمسيح بوصفه حمل الفصح (رؤ 5/ 6)، والنكبات التي تصيب عبدة الوحش مأخوذة من ضربات مصر (رؤ 15/ 5-21)، والمنتصرون في المجيء الثاني للمسيح على الوحش ينشدون هم أيضًا نشيد موسى (رؤ 15/ 3)؛ وأخيرًا فإن زوال البحر، وصف لظهور العالم الجديد الخالد. (رؤ 21/ 1).[86]
كما أن يسوع نفسه قد اعتمد على سفر الخروج في تعاليمه أو بعض نقاشاته كما ذكرتها أناجيل العهد الجديد،[87] كما في متى 12/ 1-8؛ وإشارة يسوع إلى واجب إكرام الوالدين في متى 15/ 4 يمكن مقابلته مع الخروج 20/ 12؛ أيضًا فمن المواضع الهامة التي أشار بها يسوع إلى السفر كانت في جداله مع الصدوقيين حول قيامة الموتى (متى 22/ 32؛ خروج 3/ 6). بل إن يسوع دعي في التقليد المسيحي «موسى الثاني»،[88] يعود ذلك لبعض أوجه التشابه، فكلاهما صاما أربعين يومًا وليلة (لوقا 34/ 28؛ خروج 34/ 28)، وكلاهما تعرضا لحادث تجلي (لوقا 9/ 29؛ خروج 34/ 29)؛ كما يحوي إنجيل يوحنا مقارنتين بين موسى ويسوع في 1/ 17؛ و5/ 46. كما يوجد تشابه بين بعض وصايا يوحنا المعمدان وسفر الخروج. (لوقا 3/ 14؛ وخروج 23/ 1).
يستشهد أيضًا بسفر الخروج في مجمع أورشليم الأول الوارد ذكره في سفر أعمال الرسل (أعمال 15/ 20؛ خروج 20/ 3-4)؛ وفي الرسائل تأتي بعض الاقتباسات في إطار الوعظ (الرسالة الأولى إلى كورنثس 5/ 7؛ خروج 12/ 21)؛ أو التذكير بأحكامه (الرسالة الأولى إلى كورنثس 7/ 3؛ خروج 21/ 10) أو إعادة تفسيرها على ضوء المعتقدات المسيحية. (الرسالة إلى روما 9/ 15؛ خروج 33/ 19).
كذلك، فإن تأثير السفر في الليتورجيا المسيحية واضح، ومنها قراءة عبور البحر ونشيد موسى (خروج 14-15) من ضمن صلوات الفصح ضمن كلا الطقسين البيزنطي والروماني، واستخدم حمل الفصح والمن والسلوى والصخر الذي انبجس منه الماء في عظات آباء الكنيسة وتفسير بعض الحركات الطقسية مرّات كثيرة، فالعبور بالبحر مثال للمعمودية، والمن والسلوى مثال للإفخارستيا؛[89] وكذلك فإنّ الوصايا العشرة، التي أوحيت إلى موسى حسب المعتقدين اليهودي والمسيحي، في الألواح، مثلت على الدوام ركنًا بارزًا من التعليم المسيحي، بناءً على وصية يسوع نفسه.[86][90]
السياق التاريخي
الدراسات التاريخية الحديثة، سيّما في القرن العشرين بعد تقدم العلم، يمكن مقارنتها مع ما ورد في سفر الخروج. وقد ورد في نصوص ساميّة مختلفة ذكر لقوم ملقبين عبير أو عبيرو القريبة من مصطلح عبرانيين في الزمن الحاضر.[91] وفيما يتعلق بتحديد تاريخ موسى، هناك تردد بين القرن الخامس عشر قبل الميلاد أي عهد السلالة المصرية الثامنة عشر فيكون الفرعون المقصود تحتمس الثالث؛ أو القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أي عهد السلالة المصرية التاسعة عشر وأن الفرعون المقصود هو سيتي الأول أو رمسيس الثاني أو مرنبتاح. غير أن أغلب المؤرخين، يفضلون الترتيب الذي يقال له «القصير» وهو الخاص بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد.[91]
كذلك فإنه من الثابت، وجود عمالة سامية في مصر خلال تلك الفترة، ولعلها من بقايا الرعاة الهسكوس الذين طردوا في القرن السادس عشر قبل الميلاد، علمًا أن القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وهي الفترة المفترضة لخروج موسى وقومه، اتسمت بالضعف المصري، بسبب الأزمات الدينية المتلاحقة والتي كان أقواها أزمة العمارنة، وما تأسيس السلالة التاسعة عشر على يد القائد حورمحب، إلا محاولة إصلاحيّة للضعف الحاصل، سيما بعد هجمات الحثيين.[92]
موازاة مع القرآن
أغلب القصص الواردة عن موسى وقومه في سفر الخروج، وردت لاحقًا في القرآن. يمكن أن يستثنى الفصول 25-30 المتعلقة بتنظيم خيمة الاجتماع وقبة الشهادة، وهي تنظيم وقتي زال مع بناء الهيكل. القصص القرآنية ترد موزعة على عدد من السور أغلبها مكيّة، وهي غير مرتبة زمنيًا كما في سفر الخروج؛ كما أنها لا تدخل في التفاصيل الدقيقة التي ترد في السفر.
الحدث | سفر الخروج | القرآن | ملاحظات |
إذلال قوم فرعون لبني إسرائيل | 1/ 8-14؛ 5/ 6-18 | القصص 4؛ إبراهيم 6؛ الأعراف 141؛ البقرة 49. | |
ميلاد موسى | 2/ 1-10 | القصص 7-13؛ طه 38-40 | |
موسى يقتل رجلاً مصريًا | 2/ 11-15 | القصص 4-21؛ طه 40. | |
حديث الشجرة المشتعلة | 3/ 2 - 18 | القصص 29-30؛ النمل 7-9؛ طه 9-16. | لا يذكر يوم القيامة صراحة في سفر الخروج ضمن حديث الشجرة المتحرقة خلافًا للقرآن؛ لكن 3/ 6 درج التقليد الفريسي والمسيحي على اعتبارها إشارة إلى يوم القيامة. انظر مثلاً متى 22/ 23- 32. |
ربّ الآباء | 3/ 6 | الشعراء 26 | الآباء في التقليد العبري هم آدم، ونوح، وبشكل خاص إبراهيم، واسحق، ويعقوب. |
موسى يهرب إلى مدين ويتزوج | 2/ 15- 25 | القصص 22- 28؛ طه 40. | يذكر سفر الخروج الأسماء، فحمو موسى هو يثرون، وزوجته الأولى صفورة. |
أعجوبتي عصا موسى ويده | 4/ 1- 8 | القصص 31 - 32؛ النمل 9؛ الأعراف 107-120؛ الشعراء 30-45؛ طه 17-23. | |
موسى يتشدد بأخيه هارون | 4/ 10- 17 | القصص 34-35؛ طه24-37 | |
مواجهة فرعون وطلب إطلاق بني إسرائيل | 5/ 1- 5 | الشعراء 17؛ الأعراف 104-105 | |
ضربات مصر | 7/ 15- 11/ 6 | الزخرف 98؛ النمل 12-14؛ الإسراء 101؛ الأعراف 133-136 | ضربات مصر التسعة هي الدم والضفادع والبعوض والذباب وقتل المواشي والغبار والبَرد أي المطر والجراد وأخيرًا قتل الأبكار. ذكرها القرآن دون أن يفصلها. |
حفظ تذكار النجاة من فرعون | 12/ 1 - 13/ 16 | - | صوم المسلمين في يوم نجاة قوم موسى من فرعون وهو يوم عاشوراء،[93] دون استذكار حمل الفصح أو الخبز الفطير. |
الرّب يطعمهم المنّ والسلوى | 16/ 1- 26 | طه 80-81؛ الأعراف 160؛ البقرة 57 | |
موسى يفجر نبع ماء من الحجارة | 17/ 1- 7 | الإسراء 90؛ الأعراف 160؛ البقرة 60. | |
تعيين نقباء الأسباط | 18/ 13- 27 | الأعراف 160 | |
موسى يعتكف على الجبل أربعين نهارًا وليلة | 24/ 18 | الأعراف 142- 143 | |
تجلي الإله لموسى | 19/ 14-21 | الأعراف 142- 143 | يوضح في سفر العدد أنه عاين "شبه مجد الرب". |
نقش لوحي الشريعة | 20/ 1 - 23/ 19 | الأعراف 145 | الألواح لم تذكر في القرآن إلا لمامًا، غير أن التشريع القرآني بحد ذاته مشابه لها: رفض الأصنام (20/ 4)، والأمر بالعدالة بين النساء (21/ 10؛ النساء 3)، وقتل القاتل (21/ 12؛ البقرة 178)، وقاعدة العين بالعين والسن بالسن (21/ 24؛ المائدة 45). |
اختيار الشيوخ السبعين | 24/ 1 | الأعراف 155 | |
اتخاذ العجل | 32/ 1- 30 | طه 86- 98؛ الأعراف 148- 154. | |
انظر أيضًا
- توراة.
- العهد القديم.
- موسى.
- سفر التكوين، سفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية: وهي الأسفار المنسوبة تقليديًا مع سفر الخروج لموسى.
مراجع
- مقدمة في سفر الخروج الأنبا تكلا، 19 أيلول 2011. نسخة محفوظة 26 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- موسوعة المعرفة المسيحية، أسفار الشريعة أو التوراة، مجموعة من المؤلفين بموافقة بولس باسيم النائب البابوي في لبنان، دار المشرق، طبعة أولى، بيروت 1990، ص.5.
- Johnstone, p. 72.
- Finkelstein, p. 68
- Meyers, p. xv.
- e.g. Gerald Hawting, interviewed for The Religion Report, Radio National (Australia), 26 June 2002.
- Clinton Bennett (2010)، Studying Islam: The Critical Issues، Continuum International Publishing Group، ISBN 9780826495501، مؤرشف من الأصل في 08 ديسمبر 2019.
- Juan Eduardo Campo (2009)، Encyclopedia of Islam، Infobase Publishing، ISBN 9781438126968، مؤرشف من الأصل في 31 مارس 2019.
- Norman Solomon؛ Richard Harries؛ Tim Winter (2006)، Abraham's Children: Jews, Christians, and Muslims in Conversation، Continuum International Publishing Group، ISBN 9780567081612، مؤرشف من الأصل في 26 نوفمبر 2015.
- Elwood Morris Wherry؛ George Sale (2001)، A Comprehensive Commentary on the Quran: Comprising Sale's Translation and Preliminary Discourse with Additional Notes and Emendations، Routledge، ج. Volume 1، ISBN 9780415245272، مؤرشف من الأصل في 08 ديسمبر 2019.
{{استشهاد بكتاب}}
:|المجلد=
has extra text (مساعدة) - Fretheim, p. 7.
- Slackman, Michael (03 أبريل 2007)، "Did the Red Sea Part? No Evidence, Archaeologists Say"، The New York Times (باللغة الإنجليزية)، ISSN 0362-4331، مؤرشف من الأصل في 17 مايو 2019، اطلع عليه بتاريخ 10 أبريل 2019.
- "Exodus: History and myth, then and now"، Tel Aviv University (باللغة الإنجليزية)، مؤرشف من الأصل في 10 أبريل 2019، اطلع عليه بتاريخ 10 أبريل 2019.
- Houston, p. 68.
- Fretheim, p. 8.
- Meyers, p. 16.
- McEntire 2008، صفحة 8.
- العبادات في الديانة اليهودية، عبد الرزاق الموحي، دار الأوائل، طبعة أولى، دمشق 2004، ص.25
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.115
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.116
- تفسير الكتاب المقدس، سفر الخروج موقع الأب بولس فغالي، 30 أيلول 2010. نسخة محفوظة 06 ديسمبر 2007 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- الكنيسة والعلم، جورج مينوا، دار الأوائل، طبعة أولى، دمشق 2005، ص.91
- الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.97
- الكنيسة والعلم، مرجع سابق، ص.146
- العبادات في الديانة اليهودية، عبد الرزاق الموحي، دار الأوائل، طبعة أولى، دمشق 2004، ص.23
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.24
- من هو فرعون موسى؟ أهل القرآن، 1 تشرين أول، 2010. نسخة محفوظة 02 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
- خروج 7/1
- تكوين 20/50
- 6-7/1
- خروج 8/1
- خروج 10/1
- خروج 12/1
- خروج 14/1
- خروج 15/1
- خروج 17/1
- خروج 22/1
- خروج 1/2
- خروج 3/2
- خروج 10/2
- خروج 11/2
- خروج 21/2
- خروج 2/3
- خروج 6/3
- خروج 14/3
- خروج 3/ 14-15
- خروج 15/3
- خروج 3/4
- خروج 1/4
- 6-7/5
- خروج 7/ 9-13
- خروج 7/ 19-24
- خروج 6/8
- خروج 12/10
- 22/9
- خروج 4/9
- خروج 1/12
- خروج 12/ 15-23
- خروج 22/ 43-51
- خروج 41/12
- خروج 21/13
- خروج 5/13
- خروج 10/14
- خروج 21/14
- خروح 22/14
- خروج 27/14
- خروج 12/16
- خروج 11/17
- خروج 18/ 25-26
- عدد 8/12
- خروج 32
- خروج 33
- خروج 34
- سفر الخروج موقع الكلمة، 19 أيلول 2010 نسخة محفوظة 21 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.31
- موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.33.
- خروج 29/ 38-42 نسخة محفوظة 29 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.50
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.59
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.70-71
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.82
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.83
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.96-97
- العبادات في الديانة اليهودية، مرجع سابق، ص.55
- موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.28
- موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.34
- التفسير التطبيقي للعهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين، دار تاندل للنشر، لندن بريطانيا العظمى، طبعة أولى 2004، ص.52
- تأملات في حياة موسى، أوثوذكس أون لاين، 15 أكتوبر 2012. نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- سفر الخروج أعمال الأب بولس فغالي، 29 أيلول 2010 نسخة محفوظة 2020-04-12 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- قارن متى 18/19 وخروج 20/ 12-17
- موسوعة المعرفة المسيحية، مرجع سابق، ص.35
- موسوعة معرفة الكتاب المقدس، مرجع سابق، ص.36
- فقال «فأنا أحق بموسى منكم» كما جاء في حديث ابن عباس قال: «قدم النبي المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا" ؟ قالوا: "هذا يوم صالح، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى"، قال: "فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه»، رواه البخاري رقم الحديث 1500.
وصلات خارجية
- النص الكامل لسفر الخروج باللغة العربية بالتشكيل والترميز (من موقع الكنيسة)
- التفسير الكامل لسفر الخروج
- الخروج من العبودية
سبقه سفر التكوين |
العهد القديم
|
تبعه سفر اللاويين |
- بوابة الأديان
- بوابة الإسلام
- بوابة الإنجيل
- بوابة المسيحية
- بوابة اليهودية
- بوابة تاريخ الشرق الأوسط
- بوابة كتب
- بوابة مصر القديمة