جماعية

الجماعية أو الجموعية أو الإشَاعِيّة[1] (Collectivism) هو المصطلح المستخدم لوصف أي وجهة نظر أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية تشدد على أهمية التواكل المتبادل بين أفراد المجتمع.[2][3][4] والجماعيون بشكل عام يرغبون بإعطاء أولوية لأهداف المجتمع كافة فوق أهداف الفرد. فالمجتمع -بنظرهم- ذو قيمة أكبر من الأفراد الذين يكونونه. بمعنى آخر، الجماعية عكس الفردية، أي أن ثقافات المجتمعات قد تكون جماعية أو فردية.

تشتهر الثقافات الآسيوية والأفريقية والعربية واللاتينية بأنها ثقافات جماعية. بينما الثقافات الاجتماعية في دول كأمريكا وألمانيا هي ثقافات فردية.

يعد كتاب جان جاك روسو العقد الاجتماعي مثالا جيدا على الفلسفة الجماعية السياسية، والتي تطالب بقيام الحكومة أو الناس في مجموعات بامتلاك الأراضي، والمصانع، وسائر وسائل الإنتاج. ولقد «نشأت أشكال عديدة من الجماعية خلال أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ ومن ذلك السنديكالية؛ أي النقابية، التي طالبت أن يمتلك العُمال المصانع ويديرون شؤونها، ومنها أيضًا التعاونيات التي كانت أعمال تجارية يمتلكها الأشخاص الذين يستفيدون من خدماتها. ولعل أوضح الأمثلة على الجماعية تتمثل في الشيوعية والاشتراك».

الأصول والاعتبارات التاريخية

وصف عالم الاجتماع الألماني فرديناند تونيز أحد النماذج المبكرة للجماعية والفردية بتوظيف مصطلحي «الجماعة» و«المجتمع.»[5] ساد الاعتقاد بأن العلاقات المجتمعية، التي تحظى فيها الطائفية بالأولوية، تتسم بها المجتمعات القروية الريفية الصغيرة. أعاد عالم الأنثروبولوجيا، ريدفيلد (1941)، طرح هذه الفكرة في عمل تباينت فيه الجماعات الشعبية مع الجماعات الحضرية.[6]

ناقض ماكس ويبر (1930) النظرية الجماعية والفردية من المنظور الديني، معتقدًا أن البروتستانت أكثر فردية واعتمادًا على الذات مقارنة بالكاثوليك، الذين أيدوا العلاقات الهرمية المترابطة بين الناس.[7] كان غيرت هوفستيد (1980) مؤثرًا إلى حد كبير في إيذانه بحقبة من البحوث العابرة للثقافات التي تُجري مقارنات بين الجماعية والفردية. وضع هوفستيد إطارًا مفاهيميًا للجماعية والفردية كجزء من سلسلة متواصلة، مع تمثيل كل بناء ثقافي لقطب معاكس. وصف المؤلف الأفراد الذين يؤيدون درجة عالية من الجماعية بأنهم مندمجون في سياقاتهم الاجتماعية ويمنحون الأولوية للأهداف المجتمعية على حساب الأهداف الفردية.[8]

الماركسية اللينينية

مثّلت الجماعية جزءًا أساسيًا من الأيديولوجية الماركسية اللينينية في فترة الاتحاد السوفيتي، وكان لها دور رئيسي في تشكيل المواطن السوفيتيي الحديث، والتضحية بحياته طوعًا من أجل صالح الجماعة. غالبًا ما وُظفت مصطلحات مثل «جماعي» و«جماهيري» في اللغة الرسمية ومدحتها وسائل الدعاية البارزة، كفلاديمير فلاديميريوفيتش ماياكوفسكي في عمله الذي حمل عنوان من يحتاج 1، وبيرتولت بريخت في أعماله القرار، والإنسان مساوٍ للإنسان.[9][10]

الأناركية الجماعية

تتعامل الأناركية الجماعية مع العمل الجماعي ضمن نظام أناركي لا مركزي، حيث يتلقى الأشخاص أجرًا مقابل فائض قيمة العمل. تتناقض الأناركية الجماعية مع الأناركية الشيوعية، حيث تُلغى الأجور ويأخذ الأفراد ما يحتاجونه من مخزن السلع بحرية تماشيًا مع شعار «من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته.» ترتبط الأناركية الجماعية أكثر من غيرها بميخائيل باكونين، والأقسام المعادية للسلطوية في جمعية الشغيلة العالمية، والحركة الأناركية الإسبانية المبكرة.[11][12][13][14][15]

المصطلحات والقياس

يوصف تأسيس الجماعية في الأدب التجريبي تحت عدة أسماء مختلفة. أكثرها شيوعًا هو استخدام مصطلح التكافل الذاتي المترابط.[16] من العبارات الأخرى المستخدمة لوصف مفهوم الجماعية- الفردية هي التوزيع- التخصيص،[17] والاعتماد الجماعي-الاعتماد على الذات،[18] فضلًا عن أنواع فرعية من الجماعية-الفردية (بمعنى الأشكال الفرعية الرأسية والأفقية).[19] يُعتقد أن عدم اتساق المصطلحات يُعزى إلى بعض الصعوبة في توليف المؤلفات التجريبية المتعلقة بالجماعية توليفًا فعالًا.[20]

النماذج النظرية

في أحد النماذج الرئيسية للجماعية، يصف ماركوس وكيتاياما[21] الاتكال المتبادل (أي الجماعية) بأنها مرتبطة أساسًا بالسياق الاجتماعي. على هذا النحو، فإن إحساس المرء بنفسه يعتمد على من حوله ويُحدّد جزئيًا ويتجلى في المقام الأول بموجب السلوك العام. بالتالي، يُستوحى تنظيم الذات باستخدام الآخرين مرجعًا. أي أن الفرد المتكافل يستخدم الأفكار والمشاعر والمعتقدات المختبئة مع شخص آخر تربطه علاقة به، فضلًا عن سلوكيات الشخص الآخر، لاتخاذ القرارات بشأن سماته وأفعاله الداخلية.

ساهم ماركوس وكيتاياما في الأدب من خلال تحدي نموذج هوفستيد أحادي الأبعاد الجماعية والفردية.[21] تصور المؤلفان هذين البنيتين من الناحية البيولوجية، بطريقة يمكن تأييد كل من النظرية الجماعية والفردية بشكل مستقل وربما بنفس المستوى. أعاد طرح هذا المفهوم واضعو نظريات بارزون في هذا المجال.[22][23][24]

انظر أيضًا

المراجع

  1. إدوار غالب، الموسوعة في العلوم الطبيعية (ط. الثانية)، دار المشرق، بيروت، ج. الأول، ص.87، يُقابله Collectivism
  2. House, Robert J.؛ Hanges, Paul J.؛ Javidan, Mansour؛ Dorfman, Peter W.؛ Gupta, Vipin (2004)، Culture, Leadership, and Organizations، Sage Publications, Inc.، ص. 12، مؤرشف من الأصل في 30 ديسمبر 2018.
  3. Kim, M. S., & Leung, K. (1997)، A revised Self-Construal Scale، Honolulu: University of Hawaii at Manoa.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  4. Huang, M. (1999)، "A comparative study of the value outlook of Chinese adolescent students"، Journal of Southwest China Normal University (Philosophy and Social Sciences)، 25: 83–88.
  5. F. Tönnies (1957)، Community and association، Harper Torchbooks.
  6. Redfield, Robert (1941)، The folk culture of Yucatán، University of Chicago Press.
  7. M. Weber (1930)، The Protestant ethic and the spirit of capitalism، New York: Routledge.
  8. Hofstede, G. (1980)، Culture's consequences، Beverly Hills: Sage.
  9. Overy, Richard (2004)، The Dictators: Hitler's Germany, Stalin's Russia، ص. 301، ISBN 978-0-393-02030-4، مؤرشف من الأصل في 2 أغسطس 2020.
  10. Horn, Eva (2006)، "Actors/Agents: Bertolt Brecht and the Politics of Secrecy"، Grey Room، 24: 38–55، doi:10.1162/grey.2006.1.24.38، S2CID 57572547.
  11. Blonna, Alex (1977). Marxism and Anarchist Collectivism in the International Workingman's Association, 1864-1872. Blonna.
  12. Esenwein, George Richard (1989). Anarchist Ideology and the Working-class Movement in Spain, 1868-1898. University of California Press. p. 110. (ردمك 978-0520063983).
  13. Martin, Benjamin (1990). The Agony of Modernization: Labor and Industrialization in Spain. Cornell University Press. p. 88. (ردمك 978-0875461656).
  14. Ackelsberg, Martha A. (1991) [2005]. Free Women of Spain: Anarchism and the Struggle for the Emancipation of Women. AK Press. p. 61. (ردمك 978-1902593968).
  15. Turcato, Davide. Making Sense of Anarchism: Errico Malatesta's Experiments with Revolution, 1889-1900. Palgrave Macmillan. (ردمك 978-0230301795).
  16. Markus, H. R., & Kitayama, S. (1991)، "Culture and the self: Implications for cognition, emotion, and motivation"، Psychological Review، 98 (2): 224–253، CiteSeerX 10.1.1.320.1159، doi:10.1037/0033-295x.98.2.224.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  17. Triandis, H. C. (1983)، Allocentric vs. idiocentric social behavior: A major cultural difference between Hispanics and mainstream (Technical reports)، Champaign: Department of Psychology, University of Illinois.
  18. Trafimow, D., Triandis, H. C., & Goto, S. G. (1991)، "Some tests of the distinction between the private self and the collective self"، Journal of Personality and Social Psychology، 60 (5): 649–665، doi:10.1037/0022-3514.60.5.649.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  19. Triandis, H. C., Bhawuk, D. P. S., & Gelfand, M. J. (1995)، "Horizontal and vertical dimensions of individualism and collectivism: A theoretical and measurement refinement"، Cross-Cultural Research، 29 (3): 240–275، doi:10.1177/106939719502900302، S2CID 143852368.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  20. Taras؛ وآخرون (2014)، "Opposite Ends of the Same Stick? Multi-Method Test of the Dimensionality of Individualism and Collectivism"، Journal of Cross-Cultural Psychology، 45 (2): 213–245، doi:10.1177/0022022113509132، hdl:11693/12980، S2CID 9349054، مؤرشف من الأصل (PDF) في 14 أبريل 2021.
  21. Markus, H. R., & Kitayma, S. (2010)، "Cultures and selves: A cycle of mutual constitution"، Perspectives on Psychological Science، 5 (4): 420–430، doi:10.1177/1745691610375557، PMID 26162188، S2CID 7533754.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  22. Oyserman, D. (1993)، "The lens of personhood: Viewing the self, others, and conflict in a multicultural society"، Journal of Personality and Social Psychology، 65 (5): 993–1009، doi:10.1037/0022-3514.65.5.993، hdl:2027.42/89930.
  23. Singelis, T. (1994)، "The measurement of independent and interdependent self-construal"، Personality and Social Psychology Bulletin، 20 (5): 580–591، doi:10.1177/0146167294205014، S2CID 145568190.
  24. Triandis, H. C. (1994)، INDCOL (Unpublished research scale on individualism and collectivism)، Champaign: University of Illinois.
  • بوابة شيوعية
  • بوابة فلسفة
  • بوابة السياسة
  • بوابة الاقتصاد
  • بوابة علم الاجتماع
  • بوابة لاسلطوية
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.