تدبر القرآن

في الإسلام، تدبُّرُ القُرآنِ الكريمِ هو إحدى العبادات التي يتعبد بها المسلمون ويتقربون بها لله من خلال التفكر والتأمل في القرآن الكريم.

التعريف

في اللغة، يعود الجذر «د ب ر» إلى أواخر الأمور وعواقبها وأدبارها. فالتدبُّر هو: النظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه.[1][2] قال الجرجاني في تعريف التدبر: «... وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكرَ تَصَرُّفُ القلبِ بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب».[3]

يقول السعدي في معنى التدبر: (التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك [من العمل والاتباع]).[4] ويقول ابن القيم: (المقصودُ مِنَ القِراءةِ فَهْمُهُ وتَدبُّرُهُ، والفِقهُ فيهِ والعَمَلُ بهِ، وتلاوتُهُ وحِفْظُهُ وسيلَةٌ إلى معانيهِ).

الأماني في الكتاب

يُعتَقدُ أن التدبرَ شُرعَ لمنع دخول ثقافة الأماني في المسلمين. يقول قال ابن عاشور في الآية: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ٧٨ [البقرة:78] أنّ: (قيل: الأماني القراءة، أي لا يعلمون الكتاب إلا كلمات يحفظونها ويدرسونها لا يفقهون منها معنىً، كما هو عادة الأمم الضالة؛ إذ تقتصر من الكتب على السرد دون فهم).[5]

ولأنّ العملَ من لوازم التدبر، فقد حذّر القرآن من حمل العلم دون تطبيقه وذمّ من يفعل ذلك: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥ [الجمعة:5] وذكر: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ١٧٥ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦ [الأعراف:175–176]

مكانته لدى المسلمين

قال ابن القيم: (ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته)[6]، وقال السعدي: (تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته. فإنه يعرِّف بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال؛ وما ينزه عنه من سمات النقص، ويعرِّف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملاً فيه ازداد علماً وعملاً وبصيرة).[7]

الاستدلالات

من القرآن الكريم

دعا القرآن إلى التدبر في مواضع كثيرة، وحثَّ عليه. وأبان أنَّ عِلَّةَ إنزال القرآن التدبرُ.

بينما جاء الأمر بالتدبر بألفاظٍ أخرى قريبة، مثل:

  • ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٠ [آل عمران:190]
  • ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ١١١ [يوسف:111]
  • ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ٥٤ [طه:54]
  • ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ١٢٨ [طه:128]

وقد يأتي الأمر بالتفكر والتعقل في مواقع خاصّة مثل آيات الأمثال: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ٢١ [الحشر:21] وكذلك في الآيات الكونية: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ٢٦٦ [البقرة:266]

من السنة

  • عَنْ عُثْمَانٍ بنِ عَفَّانٍ عَنْهُ عَن النَّبِيّ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِم.
  • وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولِ اللهُ: «الذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَة، وَالذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ لَهُ أَجْرَانِ». رَوَاهُ البُخَارِي.
  • وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولِ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ من بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشَيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدِهِ».

الكتب

  • الخلاصة في تدبر القرآن الكريم، لخالد عثمان السبت.
  • فتح من الرحيم الرحمن في بيان كيفية تدبر كلام المنان، لأحمد بن منصور آل سبالك.
  • تدبر القرآن الكريم - عبد اللطيف التويجري
  • مفاتيح تدبر القرآن والنجاح في الحياة لخالد اللاحم
  • التدبر في القرآن - لمحمد الشيرازي.
  • قواعد التدبر الأمثل للقرآن الكريم لعبد الرحمن الميداني
  • تدبر القرآن لعمر السنيدي
  • معارج التفكر ومعالم التدبر لحبنكة الميداني
  • المعين على تدبر الكتاب المبين لمجد مكي
  • تعليم تدبر القرآن الكريم. للدكتور هاشم الأهدل
  • الحياة من جديد (دعوة لتدبر القرآن) أسماء الرويشد

انظر أيضاً

مراجع

  1. الزجاج، زاد المسير: 305
  2. معجم مقاييس اللغة: ( 2 / 266 )، وانظر: العين: 8 / 31.
  3. التعريفات للجرجاني، ص 54.
  4. تفسير السعدي 1/189-190.
  5. التحرير والتنوير 1/358.
  6. مدارج السالكين 1/451.
  7. تفسير السعدي 1/189-190

وصلات خارجية

  • بوابة الإسلام
  • بوابة القرآن
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.