مشكلة التمييز

مشكلة التمييز أو مشكلة الفصل (بالإنجليزية: Demarcation problem)‏ في فلسفة العلم ونظرية المعرفة، تدور حول كيفية التمييز بين العلم واللاعلم،[1] وبين العلم والعلم الزائف، وغيره من منتجات التفكير البشري، مثل الفن والأدب والمعتقدات.[2][3] تستمر المناظرة بعد ألفي سنة من الحوار بين فلاسفة العلم والعلماء في مجالات عديدة، على الرغم من الاتفاق على أسس المنهج العلمي.[4][5]

الوضعية المنطقية

صيغت الوضعية المنطقية في عشرينيات القرن الماضي، وترى أن العبارة تحمل معنى فقط إذا كانت معبرة عن حقيقة أو علاقات منطقية بين المفاهيم. تُسمى كل العبارات الأخرى التي لا تحمل معنى «ميتافيزيقا» (انظر نظرية البرهنة عن المعنى).

طبقًا لألفرد آير، يقيم الميتافيزيقيون عبارات تدعي «احتواءها على معرفة [متعالية] عن العالم الظاهري».[6] يرى آير، عضو حلقة فيينا والوضعي المنطقي الإنجليزي الشهير، أن أي عبارة عن العالم بمعزل عن حواس المرء مستحيلة.[7] وعلى ذلك فإن مسلمات الميتافيزيقي ومقدماته الأولى ستبدأ من ملاحظات عبر الحواس-المدركات.[7]

يرى آير أن التمييز يتسم بانتقال العبارة إلى مظلة «الدلالة الحقيقية». ولكي تكون للعبارة «دلالة حقيقية»، يجب أن تكون العبارة قابلة للبرهنة. ولكي تكون قابلة للبرهنة، يجب أن تتحقق العبارة في العالم الخاضع للملاحظة، أو تعبر عن حقيقة يمكن استدلالها من «التجربة السابقة». يُشار لذلك بشرط «القابلية للتحقق».[7]

يُعتبر هذا الفصل بين العلم، -الذي ترى حلقة فيينا أنه ينطوي على عبارات قابلة للبرهنة تجريبيًا- و«الميتافيزيقا» -التي تفتقر لمثل هذه العبارات- جانبًا معبرًا عن مشكلة التمييز.[8] تُناقش الوضعية المنطقية غالبًا في سياق مشكلة التمييز بين العلم واللاعلم أو العلم الزائف. «توفر المقترحات البرهانية حلًا لمشكلة تمييز مختلفة، بالتحديد بين العلم والميتافيزيقا».[9]

قابلية الدحض

رأى كارل بوبر مشكلة التمييز مشكلة مركزية في فلسفة العلم. يصيغ بوبر المشكلة كالآتي:

ك«هي مشكلة العثور على شرط يمكننا من التمييز بين العلوم التجريبية، والرياضيات والمنطق و[الميتافيزيقا] على الجانب الآخر، وأسميها مشكلة التمييز».

يقترح بوبر قابلية الدحض شرطًا للفصل بين العلم واللاعلم، في مقابل البرهنة: «لكي تُدرج العبارات أو الأنساق في العلم، يجب أن تكون قادرة على التعبير عن ملاحظات ممكنة ومدركة».[10]

ضد البرهنة

رفض بوبر حلول المشكلة المبنية على الاستقراء، وبالتالي رفض إجابات الوضعية المنطقية على مشكلة التمييز. يطرح بوبر أن الوضعيين المناطقة يريدون إنشاء تمييز بين الميتافيزيقي والتجريبي؛ لأنهم يعتقدون أن القضايا التجريبية لها معنى، بينما ليس للقضايا الميتافيزيقية معنى. يصرح بوبر بأن شرطه ليس متعلقًا بالمعنى، على عكس حلقة فيينا:

يُنتقد شرط التمييز الذي طرحه بوبر، لاستبعاده علومًا شرعية... ولترقية بعض العلوم الزائفة إلى مصاف العلم. طبقًا للاري لاودان (1983,121)، سيكون لها «عواقب غير محبذة بتأييد كل الدعاوى وصبغها [بالعلمية]، حتى إذا تكونت تلك الدعاوى من عبارات خاطئة». كان التنجيم من الأمثلة الواضحة على العلوم الزائفة بالنسبة لبوبر، وقد اختُبر ودُحض بالفعل... وكذلك ينطبق الأمر على التحليل النفسي، أحد الأهداف الرئيسة لهذا النقد. إذ لا ينبع الخطأ فيه من عدم قابلية دعواه للاختبار، ولكن من فشل الاختبارات التي أقيمت عليه. -موسوعة ستانفورد للفلسفة، «العلم والعلم الزائف»، سفين أوفه هانسون

يطرح بوبر أن الاستقراء البشري مشكلة تُظهر غياب أي طريقة لصياغة عبارات عمومية ذات معنى بناءً على أي عدد من الملاحظات التجريبية.[11] وبالتالي، فإن العبارات التجريبية ليست «مبرهنة» عن العبارات الميتافيزيقية بأي حال من الأحوال.

ينشئ هذا الطرح مشكلة تدور حول الحد الذي رسمه الوضعيون بين التجريبي والميتافيزيقي. إذ يرى بوبر، بقراءته لـ «شرط البرهنة»، أن العبارات التجريبية ستكون ميتافيزيقية في نهاية المطاف، وسيتلاشى الحد الفاصل بين الاثنين.

انظر أيضًا

مراجع

  1. Resnik, David B. (2000)، "A pragmatic approach to the demarcation problem"، Studies in History and Philosophy of Science Part A، 31 (2): 249–267، doi:10.1016/S0039-3681(00)00004-2.
  2. Laudan, Larry (1983)، "The Demise of the Demarcation Problem"، في Cohen, R.S.؛ Laudan, L. (المحررون)، Physics, Philosophy and Psychoanalysis: Essays in Honor of Adolf Grünbaum، Boston Studies in the Philosophy of Science، Dordrecht: D. Reidel، ج. 76، ص. 111–127، ISBN 90-277-1533-5
  3. Lakatos, I.؛ Feyerabend, P.؛ Motterlini, M. (1999)، For and Against Method: Including Lakatos's Lectures on Scientific Method and the Lakatos-Feyerabend Correspondence، University of Chicago Press، ص. 20، ISBN 9780226467740، LCCN 99013581، مؤرشف من الأصل في 20 فبراير 2020، The demarcation problem may be formulated in the following terms: what distinguishes science from pseudoscience? This is an extreme way of putting it, since the more general problem, called the Generalized Demarcation Problem, is really the problem of the appraisal of scientific theories, and attempts to answer the question: when is one theory better than another?
  4. Gauch, Hugh G., Jr. (2003)، Scientific Method in Practice، ص. 3–7، ISBN 978-0-521-81689-2.
  5. Cover, J. A.؛ Curd, Martin, المحررون (1998)، Philosophy of Science: The Central Issues، ص. 1–82، ISBN 978-0-393-97175-0.
  6. Watling, John (يناير 1967)، "Classics of Analytical Philosophy. By Robert R. Ammerman. (McGraw-Hill. 1965. Pp. 413. Price £2 12s.)"، Philosophy، 42 (159): 95، doi:10.1017/s0031819100000954، ISSN 0031-8191.
  7. Ayer, A.J. (1936)، Language, Truth, and Logic، ص. 13–29.
  8. Grayling, AC., Wittgenstein: A Very Short Introduction, Oxford University Press, 2001, pp. 67-68. نسخة محفوظة 20 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  9. Hansson, Sven Ove (2008)، Zalta, Edward N. (المحرر)، "Science and Pseudo-Science"، The Stanford Encyclopedia of Philosophy (ط. Fall 2008)، 4.1 The Logical Positivists، مؤرشف من الأصل في 18 مارس 2019.
  10. Hansson, Sven Ove (2008)، Zalta, Edward N. (المحرر)، "Science and Pseudo-Science"، The Stanford Encyclopedia of Philosophy (ط. Fall 2008)، 4.2 Falsificationism، مؤرشف من الأصل في 18 مارس 2019.
  11. Hume, David (04 سبتمبر 2018)، An Enquiry Concerning Human Understanding، ISBN 9788027246601، OCLC 1055285629.
  • بوابة علوم
  • بوابة الأديان
  • بوابة فلسفة العلوم
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.