معاهدة فرساي
معاهدةُ ڤرساي (بالإنجليزية: Treaty of Versailles)، (بالفرنسية: Traité de Versailles)، (بالألمانية: Versailler Vertrag) أو "صلح ڤرساي" -أو "معاهدةُ السلامِ بينَ الحلفاءِ والقوى المرتبطة وبينَ ألمانيا" بحسبِ الاسمِ الرسمي-، هي المعاهدةُ التي أسدلتِ الستارَ من جانب القانونِ الدوليِّ على أحداثِ الحرب العالمية الأولى. وُقِعَ عليها بعدَ مفاوضاتٍ شاقّةٍ وعسيرةٍ استمرَّت ستةَ أشهرٍ هي وقائعُ مؤتمرِ باريسَ للسلامِ (دخلتِ الهدنةُ العامةُ مع ألمانيا حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة ضحى يوم 11 /11 /1918). وقَّعَ الحلفاءُ المنتصرونَ في الحرب اتفاقيَّاتٍ منفصلةً معَ دولِ المركزِ الخاسرةِ وهي الرايخ الألمانيّ، والإمبراطورية النمساوية-المجرية، والدولة العثمانية، ومملكةُ بلغاريا.[1] سُلمَتِ الصياغةُ النهائيةُ للنصّ الذي تمَّ الاتفاقُ عليهِ إلى الحكومةِ الألمانية في 7 مايو/أيار 1919 للموافقةِ عليِهِ من قِبلِها، وجرتْ مراسمُ التوقيعِ في 28 يونيو/حزيران 1919م. تضمّنَتِ المعاهدةُ الاعترافَ الألمانيَّ بالمسؤوليةِ الكاملةِ عنِ الحرب ما أثارَ حنقاُ واسعاً داخلَ ألمانيا فقدِ اعتبرَ تنازلاً عن الكرامةِ الوطنيّةِ،[2] فألمانيا وإنْ كانَ عليها نصيبُها من المسؤوليّةِ إلا أنَّه ليستِ المسؤوليّةُ كاملةً. لقدْ كانَ بنداً مثيراً لكثيرٍ منَ الجدلِ: "إقرارُ ألمانيا وحلفائِها بمسؤوليّتِها عنِ التسببِ في جميع الخسائرِ والأضرارِ" التي وقعتْ أثناءَ الحربِ (تضمنتِ المعاهداتُ معَ دولِ المركزِ الأخرى موادَّ مماثلةً). أضحت هذهِ المادةُ (المادة 231) تُعرفُ باسمِ "بندِ ذنبِ الحربِ".
معاهدة ڤرساي | |
---|---|
(بالفرنسية: Traité de Versailles) | |
النسخة الإنجليزية من المعاهدة | |
التوقيع | 28 يونيُو/حزيرانَ 1919م |
المكان | قاعةُ المرايا في قصرِ ڤرساي، پاريس، فرنسا |
تاريخ النفاذ | 10 يناير/كانون الثاني 1920م |
الموقعون | الولايات المتحدة، والإمبراطورية البريطانية، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، وجمهورية فايمار |
الإيداع | الحكومة الفرنسية |
|
|
تمخّضتِ المعاهدة عن تأسيسِ عصبة الأمم التي أريدَ منها الحيلولةُ دونَ وقوعِ صراعٍ مسلّحٍ بينَ الدولِ كما حدثَ في الحرب العالمية الأولى، ونزعِ فتيلِ النزاعاتِ الدوليةِ قبلَ انفجارها. ألزمتِ المعاهدةُ ألمانيا بخسارةِ بعضٍ من أراضيها وتقديمِ تنازلاتٍ إقليميّةٍ واسعةٍ، وتقاسمتِ الدولُ المنتصرةُ الرئيسيةُ مستعمراتِها في إفريقيا والمحيط الهادي. وخسرتِ الدولة العثمانية -كذلك- أراضٍ شاسعةً في آسيا وانتهت نهائيّاً كإمبراطوريّةٍ، وتوزعت ممتلكاتُ الإمبراطورية النمساوية المجرية على عدةِ بلدانٍ في وسطِ القارةِ وشرقها وذلكَ بموجبِ معاهداتٍ لاحقةٍ لمعاهدةِ ڤرساي.
فيما يتعلقُ بالقيودِ العسكريَّةِ على ألمانيا فقد فرضتِ المعاهدةُ ضوابطَ وقيوداً صارمةً جداً على الآلةِ العسكريةِ الألمانيةِ بغيةَ منعِ الألمانِ من إشعالِ حربٍ ثانيةِِ، فنصّت على تجريدِ الجيشِ الألمانيّ من السلاحِ الثقيلِ، وإلغاءِ نظامِ التجنيدِ الإلزاميِّ المعمولِ به، والاحتفاظِ بمئةِ ألفِ (100,000) جنديٍّ فقط.[3] وعدمِ بناءِ قوّةٍ جويّةٍ، والالتزامِ بـخمسةَ عشرَ ألفَ (15,000) جنديٍّ في البحريَّةِ، وتحديدِ عددِ السفنِ الحربيَةِ بعددٍ محدودٍ ومنعِها من بناءِ غوّاصاتٍ حربيَّة.[4] وفُرِضَ عليها ألاّ يحقَّ للجنودِ البقاءُ في الخدمةِ العسكريةِ أقلَّ منْ اثنيْ عشرَ (12) عاماً وللضبّاطِ خمسةٍ وعشرينَ (25) عاماً بحيثُ يغدو الجيشُ الألمانيُّ قائماً على الكفاءاتِ العسكريّةِ غيرِ الشابّة.[5]
ثمَّ جاءَ دفعُِ التعويضاتِ لبعضِ البلدانِ. حُدّدت هذهِ التعويضاتُ بمبلغِ تسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ، ثمَّ خُفّضَ عدةَ مراتٍ فيما بعدُ، وبحسبِ خبراءٍ اقتصاديّينَ فإنها -رغمَ التخفيضاتِ- بقيت مغالىً فيها.[6] ونتجَ عن ذلكَ أنْ أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المنهَكَ بسببِ الحربِ وتبعاتِها مما رفعَ درجةَ الغضبِ والغليانِ الشعبيِّ، وأسهمَ في النهايةِ باندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ.
كانَ الاقتصاديُّ البريطانيُّ اللامعُ جون مينارد كينز (1883-1946م) -عضوُ الوفدِ البريطانيِّ إلى مؤتمرِ پاريسَ للسلامِ- بعيدَ النظرِ عندما وصفَ معاهدةَ ڤرسايَ بعبارتهِ الشهيرةِ: "سلامٌ قرطاجيٌّ" (إشارةً لمّاحةً منهُ إلى تدميرِ الرومان قرطاجةَ كليّاً، لقد حققوا السلامَ، ولكن على أنقاضِ دولة)، واعتبرَ أن من شأنِها أنْ تدمرَ ألمانيا اقتصاديّاً، وأنها ذاتُ نتائجَ عكسيّةٍ. وقد بقيَ هذا الأمرُ موضوعَ أخذٍ وردٍّ دائمٍ من قبلِ المؤرخينَ والاقتصاديّينَ على حدٍّ سواء.
من ناحيةٍ أخرى رأت شخصياتٌ بارزةٌ من الحلفاءِ المعاهدةَ من وجهةِ نظرٍ أخرى، فقد انتقدها الماريشال الفرنسيّ فرديناند فوش (1851-1929م) -القائدُ الأعلى لجيوش الحلفاءِ الذي وقَّعَ على الهدنةِ مع الألمانِ- لأنها تعاملُ ألمانيا بشكلٍ متساهلٍ للغاية، ووصفها بقولهِ: "هذا ليسَ سلاماً، إنّهُ فقط هدنةٌ لمدةِ عشرينَ عاماً"، ما اعتبرَ -فيما بعدُ- نبوءةً غيرَ مسبوقةٍ. ويُروى أنَّ صحافيّاً سألَ جورج كلمنصو رئيسَ الوزراءِ الفرنسي (1917-1920م) عن سببِ عدائِهِ للألمانِ (وقد اشتهرَ بتصلبهِ الشديدِ أثناءَ المفاوضاتِ)، وقالَ له: "هلْ ذهبتَ يوماً إلى ألمانيا ورأيتَ الألمانَ؟"، فأجابَ: "لا، ولكني خلالَ حياتي رأيتُ الألمانَ مرتينِ يأتونَ إلى فرنسا" (إشارةً منه إلى الحربِ الفرنسيةِ-الپروسيةِ (70-1871م)، والحرب العالمية الأولى)، وسواءً كانتِ الروايةُ صحيحةً أو صيغت على سبيلِ "المضحكِ-المُبكي" فإنها تصورُ الروحَ التي جرت فيها المفاوضاتُ التي أدّت إلى معاهدةِ ڤرساي.
سمّيتِ المعاهدةُ بمعاهدةِ ڤرسايَ على اسمِ المكانِ الذي جرت فيه مراسمُ توقيعِهَا النهائي وهو قاعةُ المرايا الشهيرةُ في قصر ڤرسايَ التاريخيِّ في ضواحي پاريس، لكنَّ معظمَ المفاوضاتِ جرت في پاريس، وعُقدتِ اجتماعاتُ "الأربعةِ الكبارِ"؛ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولاياتِ المتحدةِ بشكلٍ عامٍّ في مقر وزارةِ الخارجيةِ الفرنسيّةِ (بالفرنسية: Quai d'Orsay).
المساق التاريخي
الهدنة
خريفَ العام 1918 شرعت دول المركز في الانهيار.[7] بدأت معدلات الفرار داخل الجيش الألماني بالازدياد، وخفضتِ الضربات على المدنيين بشكلٍ كبير من الإنتاج الحربي.[8][9] على الجبهة الغربية شنت قوات الحلفاء هجوم "مئة اليوم" وهزمت جيوش الغربِ الألمانيّةِ بشكلٍ حاسمٍ.[10] تمرد بحارة البحريةِ القيصريةِ الألمانيّةِ في كيل والذي تطور إلى اندلاعِ انتفاضاتٍ في ألمانيا ما أصبح يُعرف باسم الثورة الألمانية.[11][12] أُعلنتِ الجمهورية فيما القيصر في زيارةٍ إلى هولندا، وأرسل له رئيس الوزارة طالباً منه التنازل، وسقطت القيصرية. حاولتِ الحكومة الألمانية التوصل إلى تسويةٍ سلميّةٍ على أساس نقاط ويلسونَ الأربع عشرة، وأكدت أنها تستسلم على هذا الأساس. بعد المفاوضات وقعت قوات الحلفاء وألمانيا هدنةً دخلت حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني بينما القوات الألمانية ماتزال متمركزةً في فرنسا وبلجيكا.[13][14][15]
شهدتِ الهدنة بعد انتهائها في (13 /12 /1918) ثلاثة تمديداتٍ حتى دخول معاهدة ڤرساي حيز التنفيذ؛ الأولى (13 /12 /1918 - 16 /1 /1919)، والثانية (16 /1 /1919 - 16 /2 /1919)، والثالثة (16 /2 /1919 - 10 /1 /1920). فرضتِ الهدنة إطلاق جميع الأسرى وعودة الجيش الألماني في الشرق إلى حدودِ ما قبل الحرب وتسليم معداتٍ حربيةٍ وإلغاء معاهدتَيْ برست ليتوفسك وبوخارست لعام 1918، كما اشترطت إخلاءً فورياً للقوات الألمانيةِ من بلجيكا ولوكسمبورچ والأراضي الفرنسية المحتلة في غضون خمسةَ عشرَ يوماً.[16] علاوةً على أن قواتِ الحلفاء ستحتل منطقة الراينلاند. أواخرَ العامِ 1918 دخلت قوات الحلفاء ألمانيا وبدأتِ احتلالها وأسست "مفوضية راينلاند العليا المتحالفة".[17]
الحصار
اعتمدت ألمانيا وبريطانيا على واردات المواد الغذائية والمواد الخام التي توجب شحن معظمها عبر الأطلسي. كان حصار ألمانيا (14-1919) عمليةً بحريةً قام بها الحلفاء لوقف توريد المواد الخام والمواد الغذائية لدول المركز. كانت عمليات بحريّةِ القيصريّةِ الألمانيّةِ مقتصرةً بشكلٍ أساسيٍّ على الخليج الألماني، واستخدمتِ المغيرين التجاريين [الإغارات على السفن التجارية] والحرب بواسطة الغواصات غير المقيدة [لأنها تستطيع تجاوز نطاق الحصار] لعمل حصارٍ مضاد. صرح المجلس الألماني للصحة العامة في ديسمبر/كانون الأول 1918 أن 763 ألف مدنيٍّ ألمانيٍّ ماتوا أثناء حصار الحلفاء، على أن دراسةً أكاديميّةً عامَ 1928 قدرت عدد الموتى بـ424 ألفاً.[18]
دام الحصار ثمانية أشهرٍ بعد توقيع الهدنةِ في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وفي العام 1919 جرى التحكم في واردات المواد الغذائية من قِبَلِ الحلفاء حتى وقعت ألمانيا معاهدة ڤرساي.[19] في مارس/آذار 1919 أبلغ ونستون تشرشل -وزير شؤون الحرب والطيران- مجلسَ العموم أن الحصارَ المتواصل كان ناجحاً وأن "ألمانيا قريبة جداً من المجاعة".[20] من يناير/كانون الأول 1919 إلى مارس/آذار 1919 رفضت ألمانيا مطالبَ الحلفاء بتسليم سفنها التجارية إلى موانئ الحلفاء لنقل الإمدادات الغذائية. اعتبر البعض أنه -بما أن الهدنة وقفٌ مؤقتٌ للحرب- فإن اندلاع القتال مرةً أخرى سيؤدي للاستيلاء على الأسطول الألماني.[21] أضحى الوضع يائساً شتاءَ العام 1919 حتى وافقت ألمانيا أخيراً على تسليم أسطولها التجاري في مارس/آذار، ثم سمح الحلفاء باستيراد مئتين وسبعين (270) ألف طنٍّ من المواد الغذائية.[22]
جادل المراقبون -من ألمانٍ وغيرهم- بأن أشهر الحصار هذه كانتِ الأكثرَ رَهَقاً على المدنيين الألمان[23] على الرغم من استمرار الخلاف حول مدى ومن هو المخطئ حقاً.[24][25][26][27][28] وفقاً للدكتور "ماكس روبنر" لقيَ مئة ألف مدنيٍّ ألمانيٍّ حتوفهم بسبب استمرار الحصار بعد الهدنة.[29] كما أصدر عضو حزب العمال والناشط المناهض للحرب "روبرت سميلي" في المملكة المتحدة بياناً في يونيو/حزيرانَ 1919 يدين استمرار الحصار زاعماً أن مئة ألفِ مدنيٍّ ألمانيٍّ شهدوا نهاية حياتهم نتيجة ذلك.[30][31]
شروط السلام
صوّت الكونجرس الأمريكي على إعلان الحرب على ألمانيا في السادس من أبريل/نيسان من العام 1917،[32] وقام الرئيس وودرو ويلسون بصياغة شروط السلام إلى حدٍّ كبيرٍ. كان يهدف إلى فصل الحرب عن الخلافات والطموحات القومية، وفي الثامن من يناير/كانون الثاني 1918 أصدر ويلسون النقاطَ الأربعَ عشرةَ، حيث وُضعتِ الخطوط العريضة لسياسة "التجارة الحرة"، والاتفاقيات المفتوحة، والديمقراطية، وفي حين لم يُستخدم مصطلح "تقرير المصير" (بالإنجليزية: self-determination) إلا أنه جرى افتراضه، كما دعتِ النقاط الأربعَ عشرةَ إلى إنهاء الحرب عن طريق التفاوض، ونزع السلاح الدولي، وانسحاب دول المركز من الأراضي المحتلة، وإنشاء دولةٍ بولنديةٍ، وإعادة ترسيم الحدود في أوروپا على أسسٍ عرقيةٍ [أي قوميةٍ]، وتشكيل عصبة الأمم لضمان الاستقلال السياسي وسلامة أراضي جميع الدول.[33] دُعيَ إلى سلامٍ عادلٍ وديمقراطيٍّ غير قابلٍ للتسوية في موضوع ضمِّ الأراضي. استندتِ النقاط الأربع عشرة إلى البحث الاستقصائي حول الموضوعات التي من المحتمل أن تثار في مؤتمر السلام المتوقع أجراه فريق دُعي "لجنة التحقيق" برئاسة مستشار السياسة الخارجية للرئيس ويلسون "إدوارد إم هاوس".[34]
شُكلتْ لجنة التحقيق (بالإنجليزية: The Inquiry) كمجموعةٍ بحثيةٍ في سبتمبر/أيلول من العام 1917م من قبل الرئيس ويلسون لإعداد تصوراتٍ لمفاوضات السلام عقب الحرب. تألفتِ المجموعة من خمسين ومئة (150) أكاديميٍّ برئاسة المستشار الرئاسي إدوارد هاوس، وإشراف الفيلسوف سيدني ميزس، ورئيس البحوث والتر ليبمان (استبدل به لاحقاً "آيسايا بومان"). اجتمعتِ اللجنة في مكتبة نيويورك العامة، ولكن اجتماعاتها جرت فيما بعد في مكاتب "الجمعيّة الجغرافيّة الأمريكيّة" في نيويورك بعد انضمام بومان.[35]
انضم عشرون وواحد (21) من أعضاء لجنة التحقيق إلى "اللجنة الأمريكيّة الكبرى للتفاوض على السلام"؛ الوفد الأمريكي إلى مؤتمر باريس للسلام في يناير/كانون الثاني من العام 1919م.[35]
الجائحة
نهايةَ العام 1917 وبدايةَ 1918 رُصد مرضٌ سريع العدوى للغاية سرعان ماتحول لما دُعي بـ"جائحة إنفلونزا 1918" (بالإنجليزية: 1918 Influenza Pandemic)، وقُدّر ضحاياه ما بين 50-100 مليون [36] موزعين على أربع موجاتٍ (بين فبراير/شباط 1918 ومارس/آذار 1920) كان أكثر من نصفهم بين 20-40 سنة، و99 ٪ منهم دون الخامسة والستين[37] [38] ما جعله أفتك وباءٍ في التاريخ،[هامش 1] وخفّض متوسط العمر المتوقع حول العالم (في الولايات المتحدة بـ12 عاماً لسنة 1918). حسبَ دراسةٍ عامَ 2007 للمجلات الطبية من تلك الفترة فإن الڤيروس لم يكُ أشدَّ فتكاً من سلالات الإنفلونزا السابقة، لكن تبعاتِ الحرب من ضعف المناعة -بسبب التوتر النفسي والتعرض للغازات الكيميائية وسوء التغذية-، والمشافي والمخيمات الطبية المزدحمة، وحظائر الخنازير -التي تحول الڤيروس فيها منتقلاً من الطيور- لإطعام الجنود بالقرب من المعسكراتِ المكتظة أصلاً، وسوء النظافة الصحية عززت سرعة العدوى ومنها العدوى الجرثوميةِ الإضافيةِ التي أودت بمعظم الضحايا.[39][40]
وتعتبر بعض المراجع الوباء أحد الأسباب في ترجيح كفة قوات الحلفاء وعاملاً في نجاحهم في المناطق الوسطى وفوزهم في الحرب.[41] ذلك كله بينما كان السياسيون يتنافسون في إظهار براعاتهم الخطابية والجدلية بدلاً من التعجيل في إقرار السلام والاستقرار.
المفاوضات
بدأت المحادثات بين الحلفاء لتأسيس موقفٍ تفاوضيٍّ مشتركٍ في 18 يناير/كانون الثاني 1919 في قاعة Salle de l'Horloge بوزارة الخارجية الفرنسية في باريس.[42] شارك في البداية سبعون مندوباً من عشرين وسبع (27) دولٍ في المفاوضات،[43] واستبعدت روسيا بسبب توقيعها على اتفاق سلامٍ منفصلٍ (معاهدة بريست ليتوفسك)، وانسحابها المبكر من الحرب. علاوةً على ذلك استُبعد المفاوضون الألمان لحرمانهم من فرصة تقسيم الحلفاء دبلوماسياً.[44]
اجتمع "مجلس عشرةٍ" Council of Ten في البدء رسمياً لتقرير شروط السلام (تألف من مندوبَيْن عن كلٍّ من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان)، ثم استبدل به "مجلس الخمسة" الذي تشكل من وزراء خارجية هذه البلدان لمناقشة القضايا الفرعية. كوّن رئيس الوزراء الفرنسي جورج كلمنصو، ورئيس الوزراء الإيطالي ڤيتوريو إيمانويل أورلاندو، ورئيس الوزراء البريطاني ديڤيد لويد جورج، ورئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون "الأربعة الكبار" (في وقتٍ ما أصبحوا "الثلاثة الكبار" بعد الانسحاب المؤقت لڤيتوريو أورلاندو). اجتمع هؤلاء الأربعة خمساً وأربعين ومئة (145) جلسةٍ مغلقةٍ لاتخاذ جميع القرارات الرئيسية، والتي صادق عليها المجلس بأكمله لاحقاً. حضرتِ القوى الصغرى "المؤتمر العام" الأسبوعي الذي ناقش القضايا في منتدىً عامٍّ، لكنها لم تتخذ قراراتٍ. شكل هؤلاء الأعضاء أكثر من خمسين لجنةٍ قدمت توصياتٍ مختلفةً أُدمج العديد منها في النص النهائي للمعاهدة.[45][46][47]
الأهداف البريطانية
عانت بريطانيا من أعباءٍ ماليةٍ باهظةٍ مع دمارٍ ماديٍّ ضئيلٍ أثناء الحربِ،[48] وكانَ الائتلاف البريطانيُّ زمنَ الحربِ قد أعيدَ انتخابُهُ من خلال ما دعي بقسيمة الائتلافِ (بالإنجليزية: Coupon election) نهايةَ العامِ 1918م، معَ التأكيدِ على سياسةِ الضغطِ على الألمانِ "حتى آخر قطرة".[49][50] فضّلَ الرأيُ العامُّ البريطانيُّ "سلاماً عادلاً" من شأنهِ أنْ يُجبرَ ألمانيا على دفعِ تعويضاتٍ إضافةً إلى عدمِ القدرةِ على تكرارِ عدوانِ الحربِ، وذلكَ بالرغمِ من أنَّ "الرأيَ العامَّ الليبراليَّ" كانَ أكثرَ ميلاً نحو فكرةِ "ويلسونَ" عن سلام المصالحة.[51]
عارضَ رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ لويد جورج فكرةَ الانتقامِ، وحاولَ التوفيقَ بينَ مطالبِ كلمنصو ونقاطِ ويلسونَ الأربعَ عشرةَ، لأنهُ سيتعينُ على أوروبا في النهايةِ التصالحُ معَ ألمانيا.[52] أرادَ لويد جورج شروطاً للتعويضِ لاتشلُّ الاقتصادَ الألمانيَّ كي تبقى ألمانيا قوةً اقتصاديةً قابلةً للحياةِ وشريكاً تجارياً.[48][49][52] ثمَّ ومن خلالِ المطالبةِ بإدراجِ معاشاتِ الحربِ البريطانيّةِ وتعويضاتِ الأراملِ في التعويضاتِ الألمانيّةِ ضمنَ لويد جورج أنَّ مبلغاً كبيراً سيذهبُ إلى الخزينةِ البريطانية.[53]
كانَ لويد جورج يهدفُ إلى الحفاظِ على توازن ميزان القوى الأوروبي [وهوَ هدفٌ تقليديٌّ للسياسةِ البريطانيةِ في القارةِ] وذلكَ لإحباطِ أيِّ محاولةٍ فرنسيةٍ لترسيخِ فرنسا كقوةٍ أوروبيةٍ مهيمنةٍ، وبهذا المعنى فإن إحياءَ ألمانيا سيكونُ بمنزلةِ ثقلٍ موازنٍ لفرنسا ورادعٍ لروسيا البلشفية. أرادَ لويد جورج أيضاً تحييدَ البحريةِ الألمانيةِ لإبقاءِ البحريّةِ الملكيّةِ أكبرَ قوةٍ بحريةٍ في العالمِ، وتفكيكَ الإمبراطوريةِ الاستعماريةِ الألمانيةِ مع محاولةِ حيازةِ العديدِ من مستعمراتِها باسمِ نظامِ الانتداب تحتَ مظلةِ عصبة الأمم، وهوَ النظامُ الذي عارضته دولُ الدومينيون.[52]
الأهداف الفرنسية
فقدت فرنسا نحوَ ثلاثمئةِ ألفٍ ومليونِ جنديٍّ كان ربعهم (25 ٪) من الرجالِ ممّن تراوحَت أعمارهم بينَ الثامنة عشرةَ والثلاثين عاماً، وأربعمئةِ ألفِ مدنيٍّ. تعرضت فرنسا كذلكَ لخسائرَ ماديّةٍ أكثرَ من أي دولةٍ أخرى (دُمرتْ ما تدعى بالمنطقةِ الحمراءِ؛ وهيَ المنطقةُ الأكثرُ تصنيعاً ومصدرُ معظمِ الفحمِ وخامِ الحديدِ في الشمالِ الشرقيِّ، وفي الأيامِ الأخيرةِ من الحربِ كانت المناجمُ قد غُمرت بالفيضاناتِ، كما دُمرتِ السككُ الحديديةُ والجسورُ والمصانعُ).[54] هدفَ كلمنصو إلى ضمانِ أمنِ فرنسا من خلالِ إضعافِ ألمانيا اقتصادياً وعسكرياً وإقليمياً، والحلولِ محلها كمنتجٍ رئيسيٍّ للصلبِ في أوروپا.[54] لخصَّ عضوُ الوفدِ البريطانيِّ المفاوضِ في ڤرسايَ الاقتصاديُّ الشهير جون مينارد كينز هذا الموقفَ بأنه يحاولُ "إعادةَ عقاربِ الساعةِ إلى الوراءِ، والتراجعِ عمّا حققه تقدمُ ألمانيا منذ العامِ 1870م".[55]
قالَ كلمنصو لويلسون: "أمريكا بعيدةٌ، محميةٌ بالمحيطِ.. وحتى نابليون نفسُه لايمكنه أن يمسَّ إنجلترا.. كلاكما محميٌ. نحن لسنا كذلك".[56] أرادَ الفرنسيونَ حدوداً على نهر الراين لحمايةِ فرنسا من الغزوِ الألمانيِّ، وكذلك تعويضِ التدنّي السكاني والاقتصادي الفرنسي".[55][57] رفضَ الأمريكيونَ والبريطانيونَ الادّعاءَ الفرنسيَّ، وبعدَ شهرينِ منَ المفاوضاتِ وافقَ الفرنسيونَ على تعهدٍّ بريطانيٍّ بعقد تحالفٍ فوريٍّ معَ فرنسا إذا ماهاجمتها ألمانيا ثانيةً، ووافقَ ويلسون على تقديمِ اقتراحٍ مماثلٍ إلى مجلسِ الشيوخِ الأمريكي، وكانَ كلمنصو قد أخبرَ مجلسَ النوابِ في ديسمبرَ/كانونَ الأولَ 1918 أنَّ هدفَهُ الحفاظُ على تحالفٍ معَ كلا البلدين. قبلَ كلمنصو العرضَ مقابلَ احتلالِ الراينلاند لخمسةَ عشرَ عاماً، وعلى أن تقبلَ ألمانيا بمنطقة الراينلاند كمنطقةٍ منزوعة السلاح.[58]
طالبَ المفاوضونَ الفرنسيونَ بتعويضاتٍ لإرغامِ ألمانيا على دفعِ تكاليفِ الدمارِ الذي تسببت بهِ طيلةَ الحربِ، ولتقليصِ القدرةِ الألمانية.[58] أرادَ الفرنسيونَ أيضاً خامَي الحديدِ والفحمِ في وادي السار ("حوض السار" أوِ "السارلاند") من خلالِ ضمّهِ إلى فرنسا.[58] كان الفرنسيون على استعدادٍ لقبولِ مبلغٍ أقلَّ مما قد يتنازلُ عنه الأمريكيونَ من تعويضاتِ، وكانَ كلمنصو مستعداً لمناقشةِ قدرةِ ألمانيا على الدفعِ معَ الوفدِ الألماني قبلَ صياغةِ التسويةِ النهائيّة. في أبريلَ/نيسانَ ومايو/أيارَ من العام 1919 عقدَ الفرنسيونَ والألمانُ محادثاتٍ منفصلةً حولَ ترتيباتٍ مقبولةٍ للطرفينِ بشأنِ قضايا مثلِ التعويضِ وإعادةِ الإعمارِ والتعاونِ الصناعيِّ. كما عارضت فرنسا جنباً إلى جنبٍ مع دولِ الدومنيونِ البريطانية وبلجيكا نظامَ الانتدابِ وفضلوا ضمَّ المستعمراتِ الألمانيةِ السابقة[59] ضماً مباشراً.
الأهداف الأمريكية
قبلَ دخولِ أمريكا الحربَ تحدثَ ويلسونُ عن "سلامٍ بلا نصر". تذبذبَ هذا الموقفُ بعدَ انهماكِ الولاياتِ المتحدةِ في الحرب في السادسِ من أبريلَ/نيسانَ 1917م. تكلمَ ويلسونُ عن المعتدينَ الألمانِ الذين لايمكنُ أن يكونَ ثمةَ سلامٌ معهم.[60] في الثامنِ من ينايرَ/كانونَ الثاني 1918م ألقى ويلسون خطاباً شهيراً -يُعرفُ "بالنقاطِ الأربعةَ عشرَ"- أعلنَ فيه أهدافَ السلامِ الأمريكيةِ: "إعادةُ بناءِ الاقتصادِ الأوروبيِّ، وتقريرُ المصيرِ للجماعاتِ العرقيةِ الأوروبيةِ والشرقِ الأوسطيةِ، وتعزيزُ التجارةِ الحرةِ، وإنشاءُ انتدابٍ مناسبٍ للمستعمراتِ السابقةِ[هامش 2]، وقبلَ كلِّ شيءٍ إنشاءُ عصبة أمم قويةٍ تضمنُ السلام.[61] كانَ الهدفُ من هذا المطلبِ الأخيرِ توفيرُ منتدىً لمراجعةِ معاهداتِ السلامِ حسبَ الحاجةِ، والتعاملِ معَ المشاكلِ التي نشأت وتنشأ نتيجةً للسلامِ ولظهورِ دولٍ جديدة.[62]
أحضرَ ويلسون معه كبارَ المفكرينَ كمستشارينَ لوفدِ السلامِ الأمريكي، وردّدَ جميعهم الموقفَ الأمريكيَّ العامَّ "النقاطُ الأربعَةَ عشرَ". عارضَ ويلسونُ بشدةٍ معاملة ألمانيا بقسوةٍ،[61] وفي حين سعى البريطانيونَ والفرنسيونَ -وبحماسةٍ كبيرةٍ- لضمِّ الإمبراطوريةِ الاستعماريةِ الألمانيةِ، رأى ويلسون في ذلكَ انتهاكاً للمبادئِ الأساسيةِ للعدالةِ وحقوق الإنسان للسكانِ الأصليينَ، وفضّلَ لهُمُ الحقَّ في تقريرِ المصيرِ من خلالِ إنشاءِ نظامِ الانتداب. الفكرةُ المروَّجةُ عنِ القوى الكبرى دعت إلى التصرفِ كأوصياءٍ غيرِ مهتمينَ بمنطقةٍ ما، ومساعدةِ السكانِ الأصليينَ حتى يتمكنوا من حكمِ أنفسهم.[63] وعلى الرغمِ منْ هذا الموقفِ فإنَّ ويلسونَ من أجلِ ضمانِ عدمِ رفضِ اليابان الانضمامَ إلى عصبة الأمم فضّلَ تسليمَ مستعمرةِ "شاندونچ" الألمانيةِ شرقِيَّ الصينِ إلى اليابانِ بدلاً من إعادتها إلى السيطرةِ الصينية،[64] ومما زادَ من إرباكِ الأمريكيينَ السياساتُ الحزبيةُ الداخليةُ في الولاياتِ المتحدة، ففي نوفمبرَ/تشرينَ الثاني لعامِ 1918 فازَ الحزبُ الجمهوريُّ في الانتخاباتِ [النصفيةِ] في مجلسِ الشيوخِ بهامشٍ ضئيل، لكنَ ويلسونَ -وهوَ ديمقراطيُّ- رفضَ ضمَّ الجمهوريّينَ البارزينَ إلى الوفدِ الأمريكيِّ ما جعلَ جهودَهُ تبدو حزبيةً، وساهمَ في خطرِ الهزيمةِ السياسيةِ في الداخل.[61] كانَ هذانِ الموقفانِ مما أسهمَ في هزِّ السمعةِ عن مثاليةِ ويلسونَ.
الأهداف الإيطالية
بقيت إيطاليا على الحياد بالرغم من تحالفها مع "ألمانيا" و"النمسا والمجر"، وفي العام 1915 انضمت إلى الحلفاء بموجب اتفاقيةِ لندن السرية (26-4-1915) (بالإيطالية: Patto di Londra) مع دولِ الوفاق الثلاثي، وفيها وُعدت بأراضٍ؛ تيرنتينو، وجنوب التيرول حتى برينر، وترييستي (بالإيطالية: Trieste)[هامش 3] (شرقيَّ البندقية)، وشبه جزيرة إستريا، ومعظم الساحل الدلماشي (باستثناء ميناء افيومي)، وفالونا، ومحميةً على ألبانيا، وأنطاليا (على المتوسط في تركيا)، وربما مستعمراتٍ في إفريقيا.
في پاريس حاول رئيس الوزراء الإيطالي فيتوريو إيمانويل أورلاندو التوصل إلى التنفيذ الكامل لمعاهدة لندن. استند دعمه الشعبي على خسارة سبعمئة ألف جنديٍّ وتكاليفَ قُدّرت باثنيْ عشر مليار ليرةٍ إيطاليةٍ في الحرب ما جعل الحكومة والشعب يشعران بحق الحصول على مناطقَ أخرَ لم تذكر في معاهدة لندن، وخاصةً افيومي التي اعتقد الكثير بوجوب ضمها بسبب أغلبية سكانها الطليان.[65]
عملَ رئيسُ الوزراءِ فيتوريو إمانويلي أورلاندو ووزيرُ خارجيّتِهِ سيدني سونينو -وهو أنجليكانيٌّ من أصلٍ بريطانيًّ- في المقامِ الأولِ لتأمينِ تقسيمِ ملكيّةِ هابسبورچ. بشكلٍ عامٍّ كانَ سونينو يتماشى مع الموقفِ البريطانيِّ بينما فضّلَ أورلاندو تسويةً ما فيما بينَ كلمنصو وويلسونَ (كان أورلاندو لا يعرف الإنجليزية، ووقع العبء الأكبر في التواصل والتفاوض على سونينو). حازت إيطاليا -في المفاوضاتِ بما يخص معاهدة لندن- على إستريا وترييستي وترينتينو وجنوب التيرول، وسُلمت معظم دالماشيا إلى صربيا وكرواتيا وسلوڤينيا، وبقيت افيومي متنازعاً عليها ما تسبب في غضبٍ قوميٍَ، واعتُرف بالمحميات على ألبانيا وأنطاليا وجزر الدوديكانيز في بحر إيجه. حاز أورلاندو أيضاً على العضويّةِ الدائمةِ لإيطاليا في مجلسِ الأمنِ التابعِ لعصبة الأمم، ووعدٍ بانتقال قطاعِ جوبالاند[هامش 4] البريطانيِّ، وقطاعِ أوزو[هامش 5] الفرنسيِّ إلى المستعمرتينِ الإيطاليّتينِ في كلٍّ منَ الصومال وليبيا على التوالي. مع ذلكَ اعتبرَ القوميونَ الطليانُ الحربَ انتصاراً مشوهاُ لما اعتبروه مكاسبَ إقليميّةً صغيرةً جرى تحقيقُها في المعاهداتِ الأخرى التي تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على حدودِ إيطاليا، واستغلوا الأمر لزيادة شعبيتهم. أُجبرَ أورلاندو في النهايةِ على التخلي عنِ المؤتمرِ والاستقالة، وإذ لم يعتبرِ الحرب العالمية الأولى نصراً مشوّهاً، فقد قال ردّاً على القوميينَ الذين طالبوا بتوسعٍ أكبرَ: إنَّ "إيطاليا اليومَ دولةٌ عظيمةٌ... على قدمِ المساواةِ معَ الدولِ التاريخيّةِ والمعاصرةِ العظيمة. هذا بالنسبةِ لي هو هدفُنا الرئيسيُّ والتوسعُ الرئيسيُّ". يومَ التوقيعِ على المعاهدةِ احتلَّ فرانشيسكو سافيريو نيتي مكانَ "أورلاندو" الذي مضى أسبوع واحد على استقالته.[66]
فحوى المعاهدة وإمضاؤها
في الثامنَ عشرَ من أبريل/نيسان 1919 غادر وفدٌ ألمانيٌّ من ثمانين ومئة (180) عضوٍ برئاسةِ وزيرِ الخارجيةِ "أولريخ چراف فون بروكدورف رانتزاو"[هامش 7] إلى ڤرسايَ للتفاوض على ما اتفق عليه الحلفاءُ، لكن في الخامس من مايو/أيار أُبلِغ الوزير الآلماني أنه لن تكون ثمة مفاوضات، وأنه بمجرد تسلم مُسَوّدة الاتفاق -التي بلغت ثمانين ألف كلمةٍ- فإن أمام الألمان خمسة عشر يوماً للرد. في السابعِ من مايو/أيار 1919 مع تسلم المُسوّدة ردَّ "فون بروكدورف رانتزاو" على ويلسون وكلمنصو ولويد جورج: «يمكننا أنْ نشعرَ بقوةِ الكراهيةِ الكاملةِ التي تواجهُنا هنا... تطلبونَ منا الاعترافَ بأنّا الطرفُ المذنبُ الوحيدُ في الحربِ؛ مثلُ هذا الاعترافِ من فمي سيكون كذبةً»، أصدرتِ الحكومةُ الألمانيةُ احتجاجاً على ما اعتبرته مطالبَ غيرَ عادلةٍ و«انتهاكاً للشرفِ»، وانسحبتْ بعدَ ذلك بوقتٍ قصيرٍ من المؤتمر. وفي 18 يونيو/حزيران أعلن الوزير أن المادة 231 ستجعل ألمانيا تقبل المسؤولية الكاملة عن الحرب بالإكراه،[67][68][69] وظهرت عبارة "بند ذنب الحرب".
في يونيو/حزيرانَ 1919 أعلنَ الحلفاءُ أنَ الحربَ ستستأنفُ إذا لم توقعِ الحكومةُ الألمانيةُ على المعاهدةِ. لمْ تتمكنِ الحكومةُ من إقرار موقفٍ مشتركٍ، واستقالَ "فيليب شايدمان" -أولُ رئيسِ حكومةٍ ألمانيٍّ منتخبٍ ديمقراطيّاً- في 20 يونيو/حزيران 1919 بدلاً منَ الموافقةِ على التوقيعِ، وكان سبق له في خطابٍ عاطفيٍّ أمامَ الجمعيّةِ الوطنيّةِ (12 مايو/أيارَ 1919) أن وصفَ المعاهدةَ بأنها «مطرقةُ ساحرةٍ مروعةٌ قاتلةٌ»،[70] وصاح: «أي يدٍ لا تنقبض؟! تلك التي تصفّد نفسها وتصفّدنا بهذه الطريقة!!!»[71][70] استنكرَ الألمانُ من جميعِ الأطيافِ السياسيّةِ المعاهدةَ -لا سيما البندَ الذي يُنحي باللائمةِ على ألمانيا في بدءِ الحربِ- باعتبارها إهانةً لشرفِ الأمة، وأشاروا إليها باسمِ "الإملاءِ" (بالألمانية: Das Diktat) إذ جرى طرحها على ألمانيا على مبدأِ "إما قبولُها وإما عدمًه" (بالإنجليزية: Take it or leave it).
أرسلَ چوستاڤ باور رئيسُ الحكومةِ الجديدةِ برقيةً تفيدُ بنيتِهِ التوقيعَ إذا ما جرى سحبُ بعض الموادِّ بما في ذلكَ الموادُّ 227 و230 و231، فأصدرَ الحلفاءُ ردّاً على ذلكَ إنذاراً بأن على ألمانيا قَبولَ المعاهدةِ في غضونِ أربعٍ وعشرينَ ساعةً أو مواجهةَ غزوٍ منْ قواتِ الحلفاءِ عبرَ نهر الراين. جرتْ مشاوراتٌ بينَ رئيسِ الوزراءِ ورئيسِ الجمهوريةِ الذي طلبَ من قائدِ الجيشِ فون هندنبرچ تقييماً للوضعِ، والذي بدورهِ -بعدَ مشاوراتٍ مع قادةِ الجيشِ- كلفَ رئيسَ هيئة الأركانِ بإبلاغِ الحكومةِ بأنْ لا قبلَ للجيش بمواجهةٍ عسكريةٍ مما أسهمَ في تصويتِ الجمعيةِ الوطنيةِ بالموافقةِ على المعاهدة، وفي الثالثِ والعشرينَ من يونيو/حزيرانَ وقبلَ سويعاتٍ من انقضاءِ المهلةِ أرسلَ باورُ برقيّةً تفيد بأنَّ وفداً ألمانياً سيصلُ قريباً للتوقيعِ. يومَ السبتِ الثامنِ والعشرينَ من يونيو/حزيرانَ (1919) وفي الذكرى الخامسةِ لاغتيالِ الأرشيدوقِ «فرانز فرديناند» (الصاعقُ الذي فجرَ أُوارَ الحربِ) جرى التوقيعُ على معاهدةِ السلام.[72] فضلاً عن ألمانيا كان من الموقعين الولايات المتحدة الأمريكية (لكن الكونجرس لم يُصدقها)، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، وبلجيكا، واليونان، والمملكة الحجازية الهاشمية، وپولندا، والبرتغال، ورومانيا، وصربيا، وتشيكوسلوڤاكيا، وكرواتيا، وسلوڤينيا، وبوليڤيا، والبرازيل، وكوبا، والإكوادور، وچواتيمالا، وهايتي، وهندوراس، ونيكاراچوا، وپنما، والپيرو، والأوروچواي، وليپيريا، ومملكة سيام، ودولُ الدومينيون المشاركةُ في الحرب كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وجنوب إفريقيا، وحكومة الهند الإنجليزية، وكانت الصين في حالة حربٍ مع ألمانيا منذ العام 1917، واشتركت في مؤتمر پاريس لكن حكومتها لم توقعِ اعتراضاً على مصير مستعمرة "تسينفتاو".
تضمّنتِ المعاهدةُ خمسة عشر فصلاً وأربعينَ وأربعمئةِ (440) مادةٍ تناولت ما بينَ جرائمِ الحربِ، وحظرِ اندماجِ النمسا مع ألمانيا دون موافقةِ عصبة الأمم، وحريةِ الملاحةِ في الأنهارِ الأوروبيةِ الرئيسيةِ، وعودةِ المصحفِ إلى ملكِ الحجاز [بمعنى الاستقلالِ عن الدولةِ العثمانيّة].
من بين المعاهدات التي نتجت عن الحرب كانت معاهدة ڤرساي الأولى التي أقرتِ المنظماتِ الدوليةَ ونظامَ الانتدابِ ونظمتِ الحدود.. الخ، وتلتها أربعٌ أخرُ مع بقيةِ دول المركز -وجميعها لم تُدعَ إلى المفاوضات- كلٌّ بما يخصها من تسويات ما بعد الحرب، أما الوحيدة التي أُلغيت -باتفاق الطرفين- فكانت معاهدة سيڤر واستبدل بها معاهدة لوزان عام 1923. بناءً على معاهدات الصُّلحِ وهيَ معاهدةُ ڤرسايَ معَ ألمانيا في الثامنِ والعشرينَ (28) من يوليو/تمّوزَ لعامِ 1919م[73] والمعاهداتِ اللاحقةِ عليها والمتمِّمةِ لها، وكلها وُقّعت في فرنسا، وهي:
- * معاهدةُ سان جرمان (بالإنجليزية: Treaty of Saint-Germain-en-Laye) معَ النِّمسا في العاشرِ (10) منْ سبتمبر/أيلولَ لعامِ 1919م.[74]
- * ومعاهدةُ نويي (بالإنجليزية: Treaty of Neuilly-sur-Seine) مع بلغاريا في السابعِ والعشرينَ (27) من نوفمبر/تشرينَ الأولِ لعامِ 1919م.[75]
- * ومعاهدةُ تريانون (بالإنجليزية: Treaty of Trianon) معَ المجرِ في الرابعِ (4) منْ يونيو/حزيرانَ لعامِ 1920م.[76]
- * ومعاهدةُ سيڤر (بالإنجليزية: Treaty of Sèvres) مع الدولةِ العثمانيةِ في العاشرِ (10) منْ أغسطسَ/آبَ لعامِ 1920م.[77]
بُعثتْ دولةٌ إلى الحياةِ مجدداً وهيَ پولندا (كانتْ فقدتِ استقلالها أواخرَ القرنٍ الثامنَ عشرَ وتوازعتْ أراضيها روسيا وپروسيا)، كذلك شُطرتِ النمسا والمجر فانفصلتْ كلٌّ منهما عنِ الأخرى، وأضحتَا كيانيْنِ مستقلين. واصْطُنعتْ دولةٌ أخرى هي تشيكوسلوڤاكيا، وتحولّتْ دولتانِ صغيرتانِ إلى دولتينِ كبيرتيْنِ، وهما:
- * يوچوسلاڤيا التي كانت مملكةَ صربيا قبلَ الحربِ، فتضاعفت مساحَتُها ثلاثةَ أضعافٍ، وازدادَ سكانها إلى ثلاثةِ أمثالٍ أيضاً (12 مليوناً عامَ 1921) بعدما أضيفَ إليها:[هامش 8] الجبل الأسود (13.812 كم²) (بالإنجليزية: Montenegro)، وكرواتيا (56.594 كم²) (بالإنجليزية: Croatia) بما فيها دلماشيا، والبوسنة والهرسك (51.129 كم²) (بالإنجليزية: Bosnia and Herzegovina)، وسلاڤونيا (20.273 كم²) (بالإنجليزية: Slovenia)، وذلكَ على حسابِ إمبراطورية النمسا والمجر.
- * ورومانيا التي تضخَّمتْْ مساحتُها كثيراً فاستردّت ترانسلڤانيا (102.834 كم²) منَ المجر، وبوكوڤينا (بالإنجليزية: Bucovina) من أوكرانيا، ومقاطعة بساربيا من روسيا، وبذلكَ تضاعفتْ مساحتُها مثلما تضاعفَ سكانُها حتى انضمَّ إليها أكثرُ منْ ثمانيةِ ملايينٍ نصفُهم فقط من الرومانيين.
التعديلات المناطقية
إدوارد هاوس عضو الوفد الأمريكي، يوميات (29-6-1919)
لم يؤثرْ حدثٌ ما على خارطةِ أوروبا السياسيّةِ طيلَةَ تاريخِها مثلَ معاهدةِ ڤرسايَ وتوابعها من المعاهداتِ، ذلكَ أنه حتى تبعاتِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ لم تعدِّلِ الحدودَ الدوليةَ مثلما فعلت معاهدةُ ڤرسايَ وما لحقها من معاهدات. لقد أعيد رسمُ الحدودِ في وسط أوروبا وشرقِها وأجزاءٍ واسعةٍ من غربِها، وأنشئت دولٌ جديدةٌ بالكاملِ واندثرت أخرى، وتداخلتِ القوميّاتُ والأقليّاتُ والدياناتُ في مجموعةٍ منَ الكياناتِ الصغيرةِ سواءً الناتجةِ أو المعدلة.
ألمانيا
جرّدتِ المعاهدةُ ألمانيا من خمسةٍ وعشرينَ ألفَ (25.000) ميلٍ مربعٍ (ما يعادلُ خمسةً وستينَ ألفَ (65.000) كم²) منَ الأراضي وسبعةِ ملايينِ شخصٍ [من أصل نحو 60 مليوناً]، كما طولبتْ بالتخلي عنِ المكاسبِ التي حققتها من معاهدة برست ليتوفسك (معاهدةُ السلامِ التي وقعها الاتحاد السوفييتي في 3 مارس/آذار 1918 معَ دولِ المركزِ عقبَ خروجِه منَ الحرب) ومنحِ الاستقلالِ للمحميّاتِ التي جرى إنشاؤها.[78]
في أوروپا الغربيةِ طُلبَ من ألمانيا الاعترافُ بالسيادةِ البلجيكيةِ على مدينةِ "مورِسْنِت" (بالإنجليزية: Moresnet)، والتنازلُ عن منطقةِ "مالميدي" (بالإنجليزية: Eupen-Malmedy)، وفي غضونِ ستةِ أشهرٍ من نقلِ السيادةِ طُلبَ إلى بلجيكا إجراءُ استفتاءٍ عامٍّ حولَ اختيارِ مواطني المنطقةِ بالبقاءِ تحتَ السيادةِ البلجيكيةِ أو العودةِ إلى ألمانيا، وتبليغِ النتائجِ إلى عصبة الأمم، والالتزامِ بقرارِها. أجريَ الاستفتاءُ في 20 سبتمبرَ/أيلولَ 1920. خصصت عصبةُ الأممِ هذه الأراضي لبلجيكا، وأعقب ذلكَ لجنةُ الحدودِ في العام 1922، ثم وضعُ الحدودِ الجديدةِ التي اعترفت بها الحكومةُ الألمانيّةُ في 15 ديسمبر/كانون الأول 1923.[79]
وكتعويضٍ عن تدميرِ مناجمِ الفحمِ الفرنسيّةِ تقرر على ألمانيا التنازلُ عن إنتاجِ مناجمِ الفحمِ في منطقةِ السارِ لفرنسا علاوةً على التنازلِ عنِ السيادةِ على الإقليم لإدارةٍ دوليةٍ بإشرافِ عصبة الأمم لخمسةَ عشرَ (15) عاماً يُجرى استفتاءٌ بعدها لتقريرِ السيادة. في 13 ينايرَ/كانونَ الثاني (1935) -وبعدَ خمسة عشرَ عاماً من نفاذِ المعاهدة- أجريَ استفتاءُ تحديدِ مستقبلِ السارلاند. جاءَ تسعونَ في المئةِ من الأصواتِ لصالحِ الاتحادِ مع ألمانيا، وأربعةٌ بالألفِ للاتحادِ مع فرنسا، وعاد الإقليم للسيادةِ الألمانيّةِ في الأولِ من مارسَ/آذارَ (1935).[80]
أعادتِ المعاهدةُ أيضاً مقاطعتيْ الألزاس (بالفرنسية: Elsass) واللورين (بالفرنسية: Lorraine)، (بالإنجليزية: Alsace-Lorraine) إلى فرنسا بإلغاءِ البنودِ التي تخصُّ هاتينِ المقاطعتينِ في معاهدتيْ ڤرسايَ وفرانكفورتَ لعامِ 1871. تمكنت فرنسا منَ الادّعاءِ بأنَّ مقاطعتيْ الألزاسِ واللورينِ كانتا بالفعلِ جزءاً منْ فرنسا وليستا ألمانيتين من خلالِ الكشفِ عن رسالةٍ مُرسلةٍ من الملكِ الپروسي إلى الإمبراطورةِ أوجيني والتي قدمتها أوجيني، وفيها كتبَ "ڤيلهلم الأول" أنَّ ألمانيا أرادتْ ضمّ أراضي المقاطعتينِ لغرضٍ وحيدٍ هو الدفاعُ الوطني وليسَ لتوسيعِ الأراضي الألمانيّة.[81]
أجريَ استفتاءٌ في پروسيا الشرقية (بالألمانية: Ostpreußen) في 11 يوليو/تموزَ 1920. وقررَ 99.3 % من السكانِ من أصلِ 90 % نسبة المشاركينَ البقاءَ مع ألمانيا،[79] كما مُنحتْ دولةُ پولندا الجديدةُ رقعةً كبيرةً منَ الأراضي الألمانية تتمثلُ في پروسيا الغربيّةِ وبوزن، وممراً ضيقاً إلى بحر البلطيق ينتهي غربَ دانتزيج (أو چدانسك الپولونيةِ)، وهوَ ما عُرفَ بقضيةِ «الممر الپولندي». وبذا فُصلَ برّياً ما بينَ پروسيا الشرقيّةِ وألمانيا (قُسَِمتْ پروسيا الشرقيّة لاحقاً عقبَ الحرب العالمية الثانية بينَ روسيا الاتحادية (ضمنَ الاتحاد السوفييتي) وپولندا، وثمةَ جيبُ صغيرٌ منَ الأرضِ اليومَ على بحر البلطيق شمالَ شرقيَِ پولندا يتبعُ روسيا الاتحادية ومفصولٌ عنها بريّاً هوّ منطقةُ مدينةِ «كونيچسبرچ» (بالألمانية: Königsberg) أو "كاليننچراد" الروسية منذ 1946)، كما أعطيتْ پولندا جزءاً كبيراً من سيليزيا العليا بما فيهِ من نصيبٍ وافرٍ من الثروةِ المعدنيّةِ.
بعد تنفيذِ المعاهدةِ كانتْ سيليزيا العليا تحكمها في البدايةِ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.[82] بينَ العاميْن 1919م و1921م اندلعتْ ثلاثةُ أعمالٍ عنفٍ كبيرةٍ بينَ المدنيينَ الألمانِ والپولنديين مما أدى إلى تورطِ القواتِ العسكريةِ الألمانية والپولندية أيضاً.[82][83] في مارسَ/آذارَ (1921) عقدتِ اللجنةُ المشتركةُ بين الحلفاءِ استفتاءَ سيليزيا العليا الذي تمَّ سلميّاً بالرغم من أعمالِ العنفِ السابقة. صوتَ حواليْ ستونَ بالمئةِ للبقاءِ مع ألمانيا.[84] بعدَ التصويتِ ناقشت عصبةُ الأممِ مستقبلَ المقاطعةِ،[85] وعام 1922م قسِّمتْ سيليزيا العليا؛ في الشمالِ الغربيِّ "أوپلن" (بالإنجليزية: :Oppeln) (أوبولي أو أبولوسكي بالبولونية) بقيت مع ألمانيا بينما نُقل الجنوبُ الشرقيّ من سيليزيا إلى پولندا.[82]
وتقررَ أن يُتنازلَ عن "ميمل" (بالألمانية: Memel)، (بالليتوانية: Klaipėda) -الإقليمُ الصغيرُ في أقصى شمالِ شرقيِّ پروسيا الشرقيةِ- إلى الحلفاءِ لتقريرِِ مصيرهِ وفقَ مايرتؤونَ، فبقيَ تحت سلطةِ عصبة الأمم مع حاميةٍ عسكريةٍ فرنسيةٍ إلى 9 ينايرَ/كانونَ الثاني (1923) عندما غزتْ ليتوانيا المنطقةَ أثناءَ ثورةِ "كلايپدا". انسحبتِ الحاميةُ الفرنسيةُ، وفي فبرايرَ/شباطَ وافقَ الحلفاءُ على ضمِّ ميمِل إلى ليتوانيا على شكلِ "منطقةِ حكمٍ ذاتي". في الثامنِ منْ مايو/أيارَ (1924) بعدَ مفاوضاتٍ بينَ الحكومةِ الليتوانيّةِ ومؤتمرِ السفراءِ وجهودِ عصبة الأمم صُدِّقَ على ضم "ميميل" إلى ليتوانيا.[86] قبلت ليتوانيا "قانونَ ميملَ الأساسيّ"، وهوَ ترتيبٌ لتقاسمِ السلطةِ لحمايةِ غيرِ الليتوانيين في الإقليمِ بالإضافةِ إلى وضعهِ "ذاتيِّ الحكمِ" بينما تبقى المسؤوليةُ عن الإقليم بيدِ القوى العظمى. على المستوى المحليِّ توسطتْ عصبةُ الأممِ بينَ الألمانِ والليتوانيينَ ممّا ساعدَ على استمرارِ ترتيبِ تقاسمِ السلطةِ حتى العامِ 1939.[86] ضُمَّ هذا الإقليمُ نهائياً إلى ليتوانيا بعدَ الحرب العالمية الثانية.
وكانَ منَ المقررِ عن طريقِ استفتاءٍ عامٍّ يعقدُ في وقتٍ لاحقٍ أن يُحلَّ موضوعِ السيادةِ على اشلزفيچ-هولشتاين.[87] [كانتِ اشلزفيچ-هولشتاين قدِ اقتطعتْ من الدنمارك في حرب اشلزفيچ الثانية عامِ 1864م مع پروسيا]. نتيجة استفتاءٍ من خيارينِ فقط؛ إما الدنمارك وإما ألمانيا (فبراير/شباطَ ومارس/آذارَ 1920) صوّتت "اشلزفيچ الشمالية" الناطقة بالدنماركيةِ لصالحِ الانضمامِ للدنمارك، فيما صوّتت "اشلزفيچ الجنوبية" الناطقة بالألمانيّةِ لصالحِ ألمانيا.[87]
وعلاوةً على فقدانِ ألمانيا مستعمراتِها، فقدِ اشْتُرطَ لضمانِ الأمنِ في أوروپا عدمُ قيامِ اتحادٍ سياسيٍّ بينها وبينَ النمسا من دونِ موافقةِ عصبة الأمم.[88]
كانتِ المفاوضاتُ حولَ خارطة ألمانيا ومستقبلِها عسيرةً جداً وطويلةً وشاقّةً، لكنَّ الحلفاءَ -فيما عدا إنشاءِ پولندا ورسمِِ حدودِها- نظروا إلى الناحيةِ الماديّةِ المتمثلةِ بالتعويضاتِ، وتقاسمِ المستعمراتِ القليلةِ لألمانيا أكثرَ من الاهتماماتِ الأخرى، وبذلكَ تَركت معاهدةُ ڤرسايَ الرايخ الألماني سليماً إلى حدٍّ كبيرٍ من الناحيتينِ الجغرافيةِ والاقتصاديةِ، وحفظت لهُ وحدتَهُ السياسيةَ وإمكاناتِهِ، كما سنرى لاحقاً في الفصل الأخير. الأمرُ الذي لمْ يحدثْ بالمثلِ معَ الإمبراطوريّتيْنِ النمساويةُ-المجريةُ والعثمانيةُ في ما يخصُّ معاهدتيهما اللاحقتين.
النمسا
اقتُطِعَتْ من النمسا بوهيميا وموراڤيا اللتين يبلغُ تعدادُ سكانِهما عشرةُ ملايينَ أغلبيتهم من التشيك ليتكوَّنَ منهمُ ومن مليونيْنِ منَ السلوڤاكِ ومليونٍ آخرَ منَ المجرييّنَ والروتينيينَ دولةُ تشيكوسلوڤاكيا المستحدثةُ. كذلكَ تخلتِ النمسا لإيطاليا عن جنوبِ التيرول، ومنطقةِ تيرنتينو، وميناء ترييستي، وشبهِ جزيرةِ إستريا، وبعضِ الجزرِ على ساحلِ دلماشيا على الأدرياتيك.[89]
لم يكتفِ الحلفاءُ بذلك، بل قلصتْ معاهدةُ سان جرمانَ عديدَ سكانِ النمسا أكثر، فبعدما كانَ تعدادُهمْ اثنينِ وعشرينَ (22) مليوناً أتبعتِ المعاهدةُ سبعةَ ملايينِ ونصفَ مليونٍ (7.5) منَ السلاڤِ في چاليسيا إلى پولندا الجديدةِ، وأكثرَ من مليونٍ آخرينَ من غيرِ الألمانِ، كما تقلصتْ مساحَتُها إلى نصفِ مساحتِها السابقة.[90] وحُدد جيشها بثلاثين ألفاً، كما رفض الحلفاء التسمية الجديدة "دولة النمسا الألمانية" (بالألمانية: Staat Deutschösterreich) [المتآلفة مع واقع أن النمساويين من أصولٍ جرمانيةٍ، والألمانيّةَ لغتُهم الأم]، وأُقِرت معاهدةُ "سان جرمان" باسم "دولة النمسا".[91]
وبذلكَ تحولّتِ النمسا التي بقيتْ في المركزِ منَ الحياةِ السياسيةِ في أوروپا لأكثرَ من خمسةِ قرونٍ خلتْ إلى دولةٍ صغيرةٍ (83,855 كم²) قليلةِ المواردِ مغلقةٍ دونما ميناءٍ بحريٍّ في وسطِ أوروپا.
المجر
انفصلتِ المجر عن النمسا نتيجة الحرب، وفي 4 يونيو/حزيران 1920 وُقعت في ڤرساي معاهدة تريانون التي فَرضتْ عليها جيشاً لايتجاوز تعدادُه خمسةً وثلاثين ألفاً، ووَزعتْ مناطقَ من أراضيها السابقةِ على:[92][93][94]
- يوچوسلاڤيا من الجنوب، فحازتْ صربيا إقليمَ ڤويڤودينا (21,507 كم²) -التابع لمملكةِ هنغاريا ما بينَ (1876–1920)- ذي الأغلبيةِ الهنغارِيةِ النسبيّةِ (كانَ نصفُ سكانِهِ هنغارٌ وألمانٌ، وثلثُه من الصربِ ذلك الوقت، والإقليمُ يتمتعُ بحكمٍ ذاتيٍّ ضمن صربيا منذُ الحرب العالمية الثانية بسببِ وضعِهِ السكاني هذا)، كذلك انفصلت كرواتيا وسلوڤينيا وانضمتا إلى يوچوسلاڤيا.
- ورومانيا من الشرقِ ومنحتْ إقليمَ ترانسلڤانيا (102,834 كم²).
- وتشيكوسلوڤاكيا من الشمال وحازت إقليم "كارباثيان روثينيا".
- وضُمَّ معظم إقليم "بورچنلاند" إلى النمسا ذاتِها من الغرب، في حين اختارت مقاطعة "سوبرون" البقاء مع المجر بموجب استفتاءٍ عامٍّ جرى في ديسمبر/كانون الأول من العام 1921.
تقلصت مساحة المجر إلى 93,030 كم²، وحُرمتْ من منفذها على البحر الأدرياتيكي وهو ميناء افيومي (بالإنجليزية: Fiume) (ريكا الكرواتية حالياً)، وتقرر عليها تسليم أسطولها التجاري للحلفاء، فأضحت دولةً مغلقةً وتضاءلت مساحتُها من خمسةٍ وعشرينَ ومئةِ (125) ألفِ ميلٍ مربعٍ إلى ثلاثينَ وخمسةِ (35) آلافٍ وحسب.
تشيكوسلوڤاكيا
في أوروپا الوسطى كانَ على ألمانيا والنمسا الاعترافُ باستقلالِ "تشيكوسلوڤاكيا" (بالإنجليزية: Czechoslovakia) الدولةِ المستحدثةِ (كانت فيما سلف تحتَ سيطرةِ النمسا). ونُقلت منطقةُ "هولتشين" (بالألمانية: Hultschin) الصغيرةُ في سيليزيا العليا إليها أيضاً في 3 فبراير/شباطَ 1921.[79]
بالمقابلِ ولدتْ مشكلةُ إقليمِ "السوديت" (سوديتنلاند) (بالألمانية: Sudetenland)، وهي المناطقُ الحدوديةُ بين ألمانيا وتشيكوسلوڤاكيا -وتشكلُ أجزاءً من أقاليمِ بوهيميا وموراڤيا وسيليزيا التشيكية- ويقطنها ألمانٌ (تسعونَ بالمئةِ من سكانِها من الألمان)، وكانت مثار نزاعٍ بين الدولتينِ أثاره هتلر وانتهى بضمّها إلى ألمانيا عامَ 1938،[95] فلما استعادتها تشيكوسلوڤاكيا بعد الحرب العالمية الثانية طردتْ سكانها الألمانَ منها.
بلغاريا
أسفرتِ الحرب عن خسائرَ إقليميةٍ كبيرةٍ لبلغاريا وما يقارب 87.500 جنديٍّ قتيل.[96] قضت معاهدة نويي بتقليصِ مساحةِ بلغاريا بمقدارِ العُشرَ (حوالي أحدَ عشرَ ألفَ كم²) وخسارةِ سُبعِ سكانها بعدما فقدت تراقيا الغربية (8.578 كم²) التي كانت انتزعتْها منَ الدولة العثمانية نتيجة حربي البلقان الأولى والثانية 12-1913م، وكانت حيويةً لأنها منفذٌ لها إلى بحر إيجة إضافةً لساحلِها على البحر الأسود (لحظت معاهدة نويي تأمين منفذٍ إلى بحر إيجه لكنه لم ينفذ). وُضعت هذهِ المنطقةُ (تراقيا الغربية) تحتَ إدارةِ الحلفاءِ ثم تقرر تسليمها إلى اليونان في مؤتمر سان ريمو (19-26 أبريل/نيسان 1920)، كما سُلمت ثلاثُ مناطقَ صغيرةٍ على حدودِها الغربيةِ إلى يوچوسلاڤيا.[97] ما بين العامين 1912 و1929 هاجر أكثر من 253.000 لاجئٍ إلى بلغاريا من الأراضي المفقودة نتيجة هذه الحروب العديدة كلها،[98] وهكذا غدت بلغاريا -التي كانتْ تتطلعُ لزعامةِ دولِ البلقان في عامِ (12-1913م) (كانت تلقب "پروسيا البلقان")- إحدى أصغرِ دولِ المنطقةِ [قبلَ إعلان استقلالها (5 أكتوبر/تشرين الأول 1908) كانت إقليماً ذا حكم ذاتي ضمنَ الدولة العثمانية تأسسَ بنتيجة الحرب الروسية العثمانية (1877–1878)، ومعاهدة سان استيفانو (1878)، ومؤتمر برلين (1878)].
پولندا
لحظتِ النقطة الثالثة عشرة من مبادئ ويلسون "دولةً پولنديةً مستقلةً" مع إتاحة وصولها إلى البحر.[99] [هامش 9] كانَ على ألمانيا أنْ تعترفَ باستقلالِ پولندا وأن تتخلى عن «جميعِ الحقوقِ والملكيّةِ على الإقليم». كانَ من المقررِ التنازلُ عنْ أجزاءٍ منْ "سيليزيا العليا" لپولندا أيضاً معَ تحديدِ مستقبلِ بقيةِ المقاطعةِ عن طريقِ الاستفتاء. وتحددُ الحدودُ الداخليةُ بناءً على التصويتِ والظروفِ الجغرافيّةِ والاقتصاديّةِ لكلِّ منطقة. أما مقاطعةُ بوزِن (بالبولونيةِ "بوزنان") -التي غدتْ تحتَ السيطرةِ الپولنديّةِ خلالَ انتفاضةِ پولندا الكبرى- فجرى التنازل عنها أيضاً لپولندا.[100][101] كان مقرراً تقريرُ السيادةِ على جزءٍ من جنوبِ شرقِ پروسيا عبرَ الاستفتاءِ بينما نقلتْ منطقةُ «سولداو» الپروسيّةُ الشرقيّةُ -انواقعةُ على جانبيْ الخطِّ الحديديِّ الرابطِ بينَ «وارسو» («ڤرصوفيا» الپولونيةِ) وميناءِ «دانتزيچ»- إلى پولندا من دونِ استفتاءٍ.
جرى منحُ ما يعادلُ (51,800) كم² (عشرينَ ألفَ ميلٍ مربعٍ) إلى پولندا من أراضي مملكة پروسيا (بالإنجليزية: Prussia).[102] ونقلَ قسمٌ من "بوميرانيا الشرقيةِ" (بالپولونيةِ "بومريليا") على أسسٍ تاريخيّةٍ وعرقيّةٍ إلى بولندا لتسهيلِ وصولِ هذهِ الأخيرةِ إلى البحرِ؛[103] القضيّة التي أضحت تُعرفُ باسمِ "الممرِّ الپولندي" (بالإنجليزية: Polish Corridor).
شملتِ الأراضي الپولندية پولندا الروسيّةِ وپولندا النمساويّةِ وپولندا البروسيّةِ القديمةِ، وتوسَّعت نحوَ الشرقِ غيرَ أنَّ المعاهدةَ لمْ تعيّنِ الحدودَ من تلك الجهةِ، فوقعت الحربَ الپولندية-السوڤييتيّة (19-1920م) التي أعقبتها معاهدةُ ريغا (18 مارسَ/آذارَ 1921م) لترسيم الحدود.[104]
دانتزيج الحرة
أمل الپولنديون بأن تصبح "دانتزيج" (اللفظ بالألمانية، بالإنجليزية: دانزيچ) (بالإنجليزية: Danzig) ((بالبولندية: Gdańsk)، "چدانسك") جزءاً من پولندا. تقرّرَ على ألمانيا التنازلُ عن الميناءِ ذي الأغلبيّةِ الألمانيّةِ وما حوله (ما يقرب من مئتي قريةٍ) بما في ذلك دلتا نهرِ «ڤيستولا» على البلطيقِ لعصبةِ الأممِ لإنشاءِ مدينةِ دانتزيچ الحرّةِ (المواد 100-104 من القسم الحادي عشر من الجزء الثالث للمعاهدة).
دون أي تصويتٍ عامٍّ لإضفاء الشرعية على خسارةِ ألمانيا للمدينة ولدت مدينة دانتزيج الحرة (بالألمانية: Freie Stadt Danzig)، وهي دويلة شبه مستقلةٍ تحت إشراف عصبة الأمم مع شؤونٍ خارجيةٍ تحت السيطرة الپولندية إلى حد كبير. شملت حقوق پولندا أيضاً مجانية استخدام الميناء [دون رسوم]، ومكتبَ بريدٍ پولندي، وحاميةً پولنديةً في منطقة ڤسترپلاته (بالألمانية: Westerplatte)، واتحاداً جمركياً مع پولندا التي منحت كذلك الحق بتطوير وصيانة وسائل النقل والاتصالات ومرافق المرفأ. [105] اعتبر ذلك مستوحىً من تاريخ المدينة التي كانت لقرونٍ جزءاً من پولندا، وتشاركت معها المصالح الاقتصادية، وازدهرت بفضلها، وتمتعت معها باستقلاليةٍ واسعة.[106]
كان لمدينة دانتزيچ الحرة دستورها ونشيدها الوطني وبرلمانها وحكومتها، واللغة الرسمية فيها كلتا الألمانية والپولندية، وأصدرت طوابعها الخاصة وعملتها "چولدن دانتزيچ" (بالألمانية: Danzig Gulden). تقرر أن تكون للمدينةِ شبهِ المستقلةِ [1952 كم² بما فيها 58 كم² مسطح مائي] جنسيتها الخاصة بناءً على الإقامة، وبذا فقدَ السكانُ الألمان جنسيتهم الألمانيّةَ مع إنشاءِ الإدارةِ الحديدة، لكنهم مُنحوا الحقَّ في الحصولِ عليها مرةً أخرى في غضون العامين الأولين من وجودِ الدويلة، وكان على أي امرئٍ يرغب في الاحتفاظِ بالمواطنةِ الألمانيّةِ ترك ممتلكاته ونقل إقامته خارج منطقة دانتزيج الحرة إلى مناطقَ أخرى من ألمانيا.[104]
في إحصاءِ الأولِ من نوفمبرَ/تشرينَ الثاني 1923 كانت نسبة الناطقين بالألمانية كلغةٍ أمّ 95,03% (نسبة 94,5% من هؤلاء مسجلون كمواطني دانتزيچ) من أصل 366,730 نسمة هم تعدادُ سكان الدويلة.[107] وخلافاً لإقليم السار -الذي نُصّ على تنظيم استفتاءٍ بحقه بعد خمسة عشر عاماً- لم تلحظِ المعاهدة نهايةً لهذا الوضع (دام من 15-11-1920 إلى 31-8-1939) والذي كان السبب المباشر للغزو النازي لپولندا (أزمة دانتزيچ 1939) واندلاع الحرب العالمية الثانية. أدى هذا الوضع [الهزيلُ والمقلقلُ] إلى توترٍ كبيرٍ بين الإدارة الألمانيةِ المحليةِ وجمهوريِّة پولندا ولا سيما بعد صعود النازية.[108] ضُمّتِ المدينة إلى پولندا بعدَ الحربِ العالمية الثانية وهَجّر الروس من تبقى من الأهلين الألمان (حوالي 120 ألفاً) واستُبدِل بهم نازحون پولنديون من الشرق. كانت دانتزيچ مثالاً تاريخياً على تسوياتٍ فاقمت المعضلات عوضاً عن حلها.
القيود العسكرية
كانتِ المعاهدةُ شاملةً ومعقدةً من حيث القيودُ المفروضةُ على القواتِ المسلحةِ الألمانيّةِ بعدَ الحربِ. وكانتِ الأحكامُ تهدفُ إلى جعلِ الجيش الألماني غيرَ قادرٍ على العملِ الهجومي وتشجيعِ نزعِ السلاحِ الدولي.[110] [111] توجّبَ على ألمانيا أنْ تُسرّحَ عدداً كافياً من الجنودِ بحلولِ الحادي والثلاثَينَ (31) منْ مارسّ/آذارَ من العام 1920م لتتركَ جيشها لايزيدُ عنْ مئةِ ألفِ رجلٍ في سبعِ فرقِ مشاةٍ وثلاثِ فرقِ فرسانٍ كحدٍّ أقصى. حدّدتِ المعاهدةُ تنظيمَ الفرقِ ووحداتِ الدعمِ، وكانَ مقرراَ أيضاً حلُّ هيئةِ الأركانِ العامة.[112] واقتصرتِ المدارسُ العسكريّةُ لتدريبِ الضباطِ على ثلاثةٍ، مدرسةٌ واحدةٌ لكلِ سلاحٍ، وتقررَ إلغاءُ التجنيد الإجباري. وجبَ على ألمانيا كذلكَ الاحتفاظُ بالجنودِ وضباطِ الصفِّ مدةَ اثنيْ عشرَ عاماً على الأقلِّ، والضباطِ مدةً لاتقلُّ عنْ خمسةٍ وعشرينَ عاماً معَ منعِ الضباطِ السابقينَ من حضورِ التدريباتِ العسكريّة. كلُّ ذلكَ بهدفِ منعِ ألمانيا من تكوينِ كادرٍ كبيرٍ فتيٍّ من الرجالِ [الاحتياطِ] المدربينَ، وكانَ عددُ الرجالِ المسموحِ لهم بمغادرةِ الخدمةِ العسكريةِ مبكراً محدوداً.[113]
جرى كذلكَ تقليلُ عديدِ الموظفينَ المدنيينَ الذين يدعمونَ الجيشَ وتقليصُ قوى الشرطةِ إلى حجمها قبلَ الحربِ معَ زياداتٍ تقتصرُ على التناسبِ معَ التزايد السكانيّ فحسب؛ أما القواتُ شبهُ العسكريّةِ فممنوعة.[114]
تقررَ أيضاً أنْ تكونَ منطقة الراينلاند منزوعةَ السلاحِ، مع هدمِ جميعِ التحصيناتِ فيها وإلى مسافةِ تتراوحُ حتى خمسينَ كيلومتراً (31 ميلاً) شرقَ نهر الراين ومنعِ بناءِ تحصيناتٍ جديدةٍ، وأن تكونَ المنطقةُ غربَ الراينِ خلواً من أيِّ تحصيناتٍ حربيةٍ أو قواتٍ عسكرية.[115] ودُمرتِ الهياكلُ والتحصيناتُ العسكريّةُ في جزيرتيْ "هِليغولاند" و"دوني" [في بحر الشمال].[116] وحظر على ألمانيا تجارةُ الأسلحةِ، وفُرضتْ قيودٌ على أنواعِ الأسلحة وكمياتها، كما حُظِرَ تصنيعُ الأسلحةِ الكيميائيّةِ أو تخزينُها [كان الألمان أول من استخدم الغازات الكيميائية في الحرب] والعرباتِ المدرعةِ والدباباتِ والطائراتِ الحربيّة.[117] سُمحَ للبحريّةِ الألمانيّةِ بستِّ بوارجَ مدرعةٍ مسبقاً [أي ما قبل الهدنة]، واقتُصرَ على ستةِ طرّاداتٍ خفيفةٍ كحدٍّ أقصى (بما لايتجاوزُ مئةً وستةَ آلافِ (6,100) طنٍّ)، واثنتي عشرةَ مدمّرةً (لاتتجاوزُ 810 أطنانٍ)، واثني عشرَ زورق طوربيدٍ (بما لايزيدُ عن مئتيْ (200) طنٍّ)، وحُظرتِ الغواصاتُ مطلقاً.[118] كانَ مقرراً ألا تتجاوزَ القوةُ البشريةُ العاملةُ في البحريّةِ خمسةَ عشرَ ألفَ رجلٍ بما فيها أفرادُ الأسطولِ والدفاعاتِ الساحليّةِ ومحطاتِّ الإشارةِ والإدارةِ والخدماتِ البريّةِ الأخرى والضباطِ والرجالِ من جميعِ الرتبِ، ولايسمحْ لتعدادِ الضباطِ وضباطِ الصفِّ أنْ يتجاوزَ ألفاً وخمسمئةِ رجلٍ. وفُرضَ على ألمانيا إيقافُ تشغيلِ ثماني سفنٍ حربيّةٍ وثمانيةِ طرّاداتٍ خفيفةٍ واثنتينِ وأربعينَ مدمرةً وخمسينَ زورق طوربيدٍ. ونزعُ سلاحِ اثنتينِ وثلاثينَ سفينةَ مساعدةٍ وتحويلُها إلى الاستخدامِ التجاري. ومنعتِ (المادة 198) ألمانيا من امتلاكِ قواتٍ جويّةٍ بما في ذلكَ قوةٍ جويةٍ-بحريةٍ وطالبتها بتسليمِ جميعِ الموادِ الجويّةِ ذاتِ الصلة. بالتزامنِ معَ ذلكَ مُنعت ألمانيا من تصنيعِ أو استيرادِ الطائراتِ أو الموادِ ذاتِ الصلةِ لمدةِ ستةِ أشهرٍ بعدَ توقيعِ المعاهدة.[119]
وفي مؤتمر سان ريمو (19-26 أبريل/نيسان 1920) -بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة بصفة مراقب- بُحثت التوترات الفرنسية-الألمانية في حوض الرور والمتعلقة بشروط معاهدةِ ڤرساي، وجرى التأكيد على رفض السماح لألمانيا بزيادةِ حجم جيشها.[120]
التعويضات
في المادّةِ 231 فاتحةِ القسم الخاص بالتعويضات أُلزمت ألمانيا وحليفاتها بتحمل المسؤوليّةِ عنِ جميع الخسائرِ والأضرارِ التي تعرضت لها دولُ الحلفاءِ وشركاؤها ومواطنوها والتي سبّبتها الحربُ «نتيجةَ... عدوانِ ألمانيا وحلفائِها»، وقد صِيغت لتكون أساساً قانونياً لإقرار تعويضات الحرب العالمية الأولى. طالبتِ المعاهدةُ ألمانيا بتعويضِ الحلفاءِ، وشُكِلتْ "لجنة التعويضاتِ الدوليّة" منْ جانبِ الحلفاءِ لتقديرِ المبلغِ الذي يتعينُ على ألمانيا أداؤه بدقةٍ، والشكلِ الذي ستتخذُه المدفوعات. طُلبَ منَ اللجنةِ «منحُ الحكومةِ الألمانيةِ فرصةً عادلةً لإسماعِ صوتِها»، وتقديمِ استنتاجاتها بحلولِ الأولِ من مايو/أيارَ عامَ 1921، وفي غضونِ ذلكَ طلبتِ المعاهدةُ من ألمانيا دفعَ ما يعادلُ عشرينَ مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ (خمسةُ ملياراتِ دولارٍ أمريكي) في صورةِ ذهبٍ أو سلعٍ أو سفنٍ أو مواد خامٍ أو أوراقٍ ماليةٍ أو سواها.[121] أقر هذا في المعاهدة وقتما كانت ألمانيا على شفا المجاعة بسبب الحصار فضلاً عن وفيات جائحة الإنفلونزا الإسبانية.
حدّدتِ اللجنةٌ التعويضاتِ في التاسعِ والعشرينَ من ينايرَ/كانونَ الثاني للعامِ 1921م بتسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ تُؤدى على اثنينِ وأربعينَ (42) قسطٍ سنويٍّ،[هامش 11] ثمَّ حدّدها جدولُ مدفوعاتِ لندن في 5 مايو/أيار 1921 باثنينِ وثلاثينَ ومئةِ (132) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ مجموع التعويصات المطلوبة من دول المركز جمعاء كحلٍّ وسطٍ ما بين المطالبات والتقييمات البريطانية والفرنسية والبلجيكية. أقرّتِ اللجنة أن دول المركز لن يمكنها أداء سوى القليل،[هامش 12] وأن العبء سيقع على عاتق ألمانيا. توجب على ألمانيا -بموجب جدول مدفوعات لندن- سداد خمسين مليار ماركٍ ذهبيٍّ حُسمت منها تسديدات ما بعد الهدنة وحتى تاريخه (الفترة ما بين 1919 و1921) فأضحى الإجمالي وقتها واحداً وأربعين (41) مليار.[122][123][هامش 13]
كان يمكن لألمانيا -بغية الوفاء- أن تدفع نقدياً أو عينياً منتجاتٍ كالفحم، والأخشاب، والأصباغ الكيميائية، والأدوية، والماشية، والآلات الزراعية، ومواد البناء، وآلات المصانع. مثلاً ساعدت ألمانيا في ترميم مكتبة جامعة لوڤان في بلجيكا -التي دمرها الألمان في 25 أغسطس/آب من العام 1914- وقد حُسمت التكاليف من مبلغ التعويضات. كما جرى أخذ التغييرات الإقليمية التي فرضتها المعاهدة في الاعتبار.[124][125] تطلّب الجدول تسديد خمسين ومئتيْ (250) مليون دولارٍ أمريكيٍّ في غضون خمسة وعشرين يوماً، ثم خمسمئة (500) مليون دولارٍ سنوياً، بالإضافة إلى 26 في المئة من قيمة الصادرات الألمانية. كان من المقرر أن تصدر الحكومة الألمانية أسناداً بفائدة خمسةٍ في المئة، وأنشأت صندوق غرقٍ[هامش 14] بنسبة واحدٍ في المئة لدعم دفع التعويضات.[126]
وأدى السدادُ الشحيحُ إلى عملية احتلال الرور (بالألمانية: Ruhrbesetzung) المنطقةِ الصناعيّةِ الغنيةِ من قبلِ القوات الفرنسية والبلجيكية (من 11 ينايرَ/كانونَ الثاني 1923 إلى 25 أغسطسَ/آبَ 1925) بدعوى إدارةِ المناجمِ والصناعاتِ فيها وتشغيلِها لتحصيلِ التعويضاتِ، لكنَّ تطبيقَ «المقاومةِ السلبيةِ» من قبلِ الألمانِ أدى إلى فشلِ الحملةِ، وفي الأثناء جرت إعادةُ هيكلةِ الديون بموجبِ «خطة دوز» (بالإنجليزية: Dawes) في أبريلَ/نيسانَ من العام 1924. ثم بناءً على طلبٍ ألمانيٍّ عام 1928 خُفّضَ المبلغُ الإجماليُّ إلى اثنيْ عشرَ ومئةِ (112) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ فيما سُمّيَّ «خطةَ يونغ» (بالإنجليزية: Young) عامَ 1928، والتي أقرّت في مؤتمر لاهاي في العام 1929.
كانت ألمانيا تُعوّل في السداد بنسبةٍ كبيرةٍ على تمويل المصارف الأمريكية، وكان الحلفاء يسددون بهذه التعويضات جزءاً وافراً مما عليهم من قروضٍ للولاياتِ المتحدةِ تراكمت بسبب ظروف الحرب. وفجأةً انهارت هذه الحلقة باندلاع أزمة "الركود العظيم" (بالإنجليزية: Great Recession) بدءاً بالثلاثاء الأسودِ (29-10-1929) في «وول ستريت». كانت ألمانيا ثانيَ دولةٍ تنتقلُ إليها الأزمة عقب اندلاعها وأكبر المتضررين الأوروپيين منها، وتوقف التسديد مجدداً. وفي العام 1934 (بعد أكثر من خمسة عشر عاماً من تسديد القروض) عادت المديونية البريطانية لأمريكا لتصل إلى 4.4 مليون دولار وهي قيمة ديون الحرب العالمية الأولى. [127]
عامَ 1931 عُلّق التسديد لعامٍ كاملٍ بسببِ الأزمةِ الاقتصاديةِ الخانقة، ثم اتفقَ في مؤتمرِ لوزانَ (1932) على إيقافه إلى أجلٍ غير مسمىً، ثم رفضَ هتلر الدفعَ بعد مجيئهِ إلى الحكم (1933) بدعوى رفضه "إملاءَ ڤرساي". دفعت ألمانيا في الفترة (19-1931) أقلَّ منْ واحدٍ وعشرينَ (21) مليار ماركٍ ألمانيٍّ من كاملِ التعويضات، وبحسبِ خبراءٍ اقتصادييَّنَ فإنهُ بالرغمِ من تخفيضِ المبلغِ الكليِّ لحجمِ التعويضاتِ إلا أنهُ يبقى مغالىً فيه، ونتجَ عن ذلكَ أن أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المرهَقَ بسببِ الحربِ والحصارِ ممَّا تسبَّبَ بدرجةٍ عاليةٍ منَ الاستياءِ والسخطِ والغليانِ الشعبيِّ فأسهمَ -معَ العواملِ الأخرِ في النهايةِ- بإشعالِ ضرامِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ.
وبموجبِ اتفاقِ لندن (27-2-1953) الذي قلصَ المبالغَ المتبقية من التعويضاتِ إلى النصفِ استأنفت ألمانيا الغربيّةُ -وحدها- دفعَ تعويضاتِ الحربِ العالميةِ الأولى، والتي كانت عبارةً عن أسنادٍ سياديةٍ ألمانيةٍ أُصدِرت ما بينَ (24-1930) وبيعت لمستثمرينَ أحانبَ (معظمهم أمريكان) ولم تسدد. وفي الثالثِ من أكتوبرَ/تشرينَ الأولِ (2010) سُدّدَ آخرُ قسطٍ منها بمناسبة الذكرى العشرين لتوحيد الألمانيّتين.[128] وكان أول قسطٍ قد سُدد في يونيو/حزيران من العام 1921.[129]
الضمانات
لضمانِ امتثال ألمانيا قررتِ المعاهدة أنْ تحتلَّ قواتُ الحلفاءِ منطقةَ "الراينلاند" ورؤوسَ الجسورِ شرقَ نهرِ الراين لخمسةَ عشرَ عاماً،[130] وإذا لم ترتكبْ ألمانيا أيَّ عدوانٍ، فسيجري انسحابٌ مرحليٌّ؛ يُخلى رأسُ جسر كولونيا والمنطقةُ الواقعةُ شمالَ نهرِ الرورِ وعلى طوله بعدَ خمسِ سنواتٍ (المنطقة الشمالية من حوض الراين في ألمانيا، [أخليت في العام 1926])، ويخلى رأس الجسر في كوبلنز والأراضي الواقعةُ إلى الشمالِ منهُ بعدَ عشرِ سنواتٍ (المنطقة الوسطى من حوض الراين، [أخليت في العام 1929])، وبعدَ خمسةَ عشرَ عاماً يتمُّ سحبُ ما تبقى منْ قواتِ الحلفاء [أخليت في العام 1930].[131] وفي حالِ تراجعت ألمانيا عنِ التزاماتِ المعاهدةِ، يعادُ احتلالِ رؤوسِ الجسورِ على الفور.[132] وطبقاً للمواد 42 و43 و44 حُظر على ألمانيا تشييد أي حصونٍ أو صيانتها غربي نهر الراين وحتى الحدود الدولية، وشرقيّه إلى نطاقٍ يمتد في أقصاه حتى خمسين كيلو متراً، «وتُعد مخالفة ألمانيا لتلك البنود بأيّ شكلٍ من الأشكال عملاً عدوانياً وإخلالاً بالسلام العالمي». بعد انسحاب فرنسا وبلجيكا من منطقة الرور في 25 أغسطس/آب من العام 1925 تداعتِ الدول الأربع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى اتفاقيةٍ جديدةٍ لتحديد العلاقات، فجاءت اتفاقيّاتِ لوكارنو (1925) في لوكارنو لتنص على أنّ بند نزع السلاح في منطقةِ الراينلاند سيبقى سارياً إلى أجلٍ غير مُسمّى.[133]
وُصفت اتفاقيّاتِ لوكارنو أو معاهدة لوكارنو بالمهمة باعتبارها موافقةً طوعيّةً من جانب ألمانيا في مقابلِ "إملاءِ ڤرساي".[134] وبموجبها تعهدت بريطانيا وإيطاليا بالحفاظ على ترسيم الحدود الألمانية الفرنسية، وصون المنطقة منزوعة السلاح في الراينلاند ضد أيّ انتهاكٍ صارخ،[135] مع أنه لم يُذكر تحديد واضح لما قد يُعتبر انتهاكاً صارخاً (بالإنجليزية: Flagrant Violation). قررتِ المعاهدة كذلك أنه إذا حاولت ألمانيا مهاجمة فرنسا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة فرنسا، وبالمثل إذا هاجمت فرنسا ألمانيا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة ألمانيا،[136] [وهو تطور في موقف الحلفاء جاء بعد الاحتلال الفرنسي-البلجيكي للرور]. وصف المؤرخ الأمريكي چرارد واينبرچ نزع التسلح في الراينلاند بأنه «أهم معاهدةِ سلامٍ صُدّق عليها في تاريخ أوروپا» إذ جعلت هجوم ألمانيا على جيرانها في الغرب أمراً مستحيلاً، فوجود منطقةٍ منزوعةِ السلاح يعني عجز ألمانيا عن الدفاع عن حدودها الغربية، واستحالة إمكانية هجومها على جيرانها في الشرق لأنّ ذلك سيتيح الفرصة أمام فرنسا لشنّ هجوم مضادٍّ مدمّرٍ إذا ماحاولت ألمانيا غزوَ أيّ دولةٍ من الدول الواقعة تحت الحماية الفرنسية بموجب نظام الحلف الفرنسي في أوروپا الشرقية، أو ما دًعي «الحاجز الوقائي» (بالإنجليزية: Cordon Sanitaire) مجازاً.[137] [هامش 15] أدت دبلوماسية وزير الخارجية الألماني چوستاڤ اشترِزِمان (بالألمانية: Stresemann) واتفاقيات لوكارنو إلى انفراجٍ في السياسة الأورپية، وانضمام ألمانيا إلى عصبة الأمم في العام 1926.
أعلن وزير الخارجية الألماني اشترِزِمان في العام 1929 أن ألمانيا ستتوقف عن دفع التعويضات ولن تُصادق على خطة يونغ (1928) لإعادةِ جدولتها مالم يوافقِ الحلفاءُ أولاً على الانسحاب من الراينلاند بحلول العام 1930. انعقد مؤتمر لاهاي (1929) حول التعويضات الألمانية، وأقرَّ الاقتراح البريطاني بتخفيضها وإخلاء الراينلاند من الجنود الإنجليز والفرنسيين بحلول العام 1930. وبذلك غادر آخرُ جندي بريطاني أواخرَ العام 1929 وآخِرُ جنديٍّ فرنسي في يونيو/حزيران 1930. كانت الراينلاند طيلة فترة احتلالها من قبل الحلفاء تُعد ضماناً للأمن القومي الفرنسي، فمن خلالها يمكن للفرنسيين أن يتصدََوا لأيّ محاولةٍ صريحةٍ من قبلِ ألمانيا لإعادة تسليح الراينلاند عن طريق ضمها لفرنسا. ولكن في اللحظة التي غادر فيها الجنودُ الفرنسيون لم يعد للراينلاند هذا الدور مما فسح الفرصة أمام الألمان لإعادة عسكرتها. وكان قرار فرنسا بتشييد خط ماجينو (بالإنجليزية: Maginot Line) في العام 1929 بمنزلةِ اعترافٍ ضمنيٍّ بأنّ إعادة التسليح الألماني للراينلاند على مستوىً شاملٍ ليست إلا مسألة وقتٍ فقط، ومن المرجّح أنّ تبدأ في الثلاثينات،[138][139] لقد أشار «المكتب الثاني» [الاستخبارات العسكرية] في الأركان العامة الفرنسية إلى أنّ ألمانيا كانت تنتهك معاهدة ڤرساي باستمرارٍ على مدى العشرينات مستعينة بالاتحاد السوڤييتي، والمتوقع لها أن تستمر في انتهاكاتها -إنما بشكل صريحٍ فحسب- بعد خلو الراينلاند من القوات الفرنسية.[140] أدى بناء خط ماجينو بدوره إلى تقليل أهمية منطقة الراينلاند من وجهة نظر الأمن [القومي] الفرنسي.
في اجتماعٍ لقادة الجيش القيصري (بالألمانية: Reichswehr) برئاسة فون هندنبرچ في ديسمبر/كانون الأول من العام 1918 (وُقعتِ الهدنة في 11-11-1918) تقرر أنّ الهدف الرئيسي منذ اللحظة إعادة بناءِ الجيش لشنِّ حربٍ جديدةٍ للفوز بمنزلة «القوة العالمية» التي سعى لها الرايخ الألماني رغم فشله في الفوز بآخر حربٍ له. على مدار العشرينات وحتى مطلع الثلاثينات كان الجيش الألماني يخطط لتدمير فرنسا وحليفتها بولندا، واقتضت هذه الخطط بالضرورةِ إعادة عسكرة الراينلاند. اتخذتِ الحكومة الألمانية عدّة خطواتٍ ممنهجةٍ استعداداً لإعادة العسكرة تلك مثل صيانةِ المعسكرات الحربيةِ [الخاليةِ] بصفةٍ دوريةٍ، وإخفاءِ المعدات العسكرية في مخازنَ سريةٍ، وتشييدِ الأبراج بدعوى مراقبة الحرائق وجباية الجمارك لكن الهدف الحقيقي منها كان تحويلها إلى أبراج مراقبةٍ وصواري بنادقَ رشاشةٍ عند إعادة نشر الجيش على طول جبهة الحرب.[141]
احتلال الراينلاند
أواخرَ العام 1918 دخلتِ القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والبلجيكية منطقة الراينلاند لفرض الهدنة.[17] قبل توقيع المعاهدة كان قوام قوة الاحتلال حوالَيْ أربعين ألفاً وسبعمئة ألف (740,000) رجلٍ،[142][143][144][145] وبعد التوقيع انخفض العدد بشكلٍ كبيرٍ حتى بلغ عديدها بحلول العام 1926 ستة آلافٍ وسبعين ألف (76,000) مقاتلٍ فحسب.[146] وفي جانبٍ من مفاوضات العام 1929 التي أضحت "خطة يونغ" تفاوض اشترِزِمان وأريستيد برياند على الانسحاب المبكر لقوات الحلفاء من الراينلاند.[147] وفي 30 يونيو/حزيران من العام 1930 بعد تبادل الخطب وإنزال الأعلام انسحبتِ القوات الأخيرة للاحتلال الأنجلو-فرنسي-بلجيكي من ألمانيا.[148]
احتفظت بلجيكا بقوة احتلالٍ قوامها حوالي عشرة آلاف (10,000) جنديٍّ خلال السنوات الأولى ومقر قيادتها في آخن،[143] ثم انخفض هذا العدد إلى 7,102 بحلول العام 1926، واستمر في الانخفاض نتيجة التطورات الدبلوماسية.[146][149]
دخل الجيش البريطاني الثاني البالغ قوامه خمسة وسبعون ألفاً ومئتا ألف (275,000) جنديٍّ ألمانيا أواخرَ العام 1918.[144] وفي مارس/آذار من عام 1919 دعيت هذه القوة باسم "جيش الراين البريطاني" (BAOR) ومقر قيادتها قلونيا، ثم تضاءل العدد الإجمالي لهذه القوات المحتلة بسرعةٍ إذ سُرّح الجنود القدامى واستبدل بهم جنود عديمو الخبرة أكملوا تدريبهم الأساسي بعد توقف الأعمال القتالية.[150] تألف "جيش الراين البريطاني" بحلول العام 1920 من 40,594 رجلاً فقط، وفي العام التالي خُفّض عديده إلى 12,421 مقاتلٍ، وتذبذب حجمه خلال السنوات التالية، لكنه لم يتخطَّ أبداً تسعة آلاف رجلٍ.[151] لم يلتزمِ البريطانيون بجميع عملياتِ الانسحاب الإلزامي من الأراضي كما تمليه معاهدة ڤرساي بسبب عدم وفاء ألمانيا بالتزاماتها التعاهدية.[152] ومع أنه بُحثَ في الانسحاب الكامل، إلا أنه رُفض لصالح البقاء لمواصلة الجهود لكبح الطموحات الفرنسية ومنع إنشاء جمهورية راينلاند المستقلة.[153]
كان جيش الراين الفرنسي في البداية بقوام خمسين ألفاً ومئتي ألف (250,000) مقاتلٍ، بما في ذلك -في ذروته- أربعين ألفاً (40,000) من القوات الاستعمارية الإفريقية [الذي شكل فيما بعد "الفيلق الاستعماري" (الإفريقي)] (بالفرنسية: Troupes Coloniales). وبحلول العام 1923 انخفضت قوة الاحتلال الفرنسية -ومقر قيادتها في ماينز- إلى ما يقرب من ثلاثين ألفاً ومئة ألف (130,000) رجلٍ، بما في ذلك 27,126 جنديٍّ إفريقيٍّ.[145] بلغ تعداد القوات ذروته مرةً أخرى خمسين ألفاً ومئتي ألف (250,000) أثناء احتلال الرور قبلما يتناقص إلى ستين ألفاً (60,000) بحلول العام 1926.[146][154] اعتبر الألمان استخدام القوات الاستعمارية الفرنسية عملاً متعمَّداً بهدف الإذلال، واستغلوا وجودها في حملةٍ دعائيةٍ أطلق عليها "العار الأسود" (بالألمانية: Die schwarze Schmach) استمرت طوال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ولكن ذروتها كانت في عاميْ 1920 و1921. أوردت مذكرة الحكومة الألمانية -على سبيل المثال- في العام 1921 بالتفصيل ثلاثمئة (300) عمل عنفٍ من قبل القوات الاستعمارية تضمنت خمس وستين (65) جرائم قتلٍ، وسبعين ومئة (170) جريمةٍ جنسيةٍ. أبلغ الجنرال هنري توريمان ألين قائد القوات الأمريكية وزيرَ الخارجية الأمريكي أنه منذ بدء الاحتلال وحتى يونيو/حزيران من العام 1920 كان ثمة ست وستون (66) حالة اتهامً رسميةٍ ضد القوات الاستعمارية الملونة، من بينها ثمانية وعشرون (28) إدانة، واعترف بوجود ستين من الحالات الأخرى غير المبلغ عنها.[155] لكن الإجماع التاريخي على أن الاتهاماتِ مبالغ فيها لأغراضٍ سياسيةٍ ودعائيةٍ، وأن القواتِ الاستعماريةَ [الإفريقيةَ] تصرفت بشكلٍ أفضلَ بكثيرٍ من نظرائهم البيض.[145] يقدر أن نحو خمسمئةٍ إلى ثمانمئةٍ (500-800) من أطفال "سِفاح راينلاند"[هامش 16] وُلدوا نتيجة المعاشرة ما بين ألمانياتٍ وأفراد القوات الاستعمارية، والذين تعرضوا لاحقاً للاضطهاد.[156]
تشكل الجيش الثالث الأمريكي من القوة الموجودة في ألمانيا من مئتي ألف 200,000 رجلٍ ومقر قيادته في كوبلنز. وفي يونيو/حزيران من العام 1919 سُرّح هذا الجيش وتقلصت قوة الاحتلال الأمريكية إلى خمسة عشر ألفاً (15,000) بحلول العام 1920.[157][142] خفض ويلسون الحامية إلى خمسمئةٍ وستة آلاف 6500 رجلٍ قبل تنصيب "وارن جي هاردينغ" رئيساً في 4 مارس/آذار من العام 1921.[142] بعد الاحتلال الفرنسي-البلجيكي لمنطقة الرور في 7 يناير/كانون الأول من العام 1923 أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعاً لسحب القوة المتبقية،[158][159] وبدأتِ الحامية الأمريكية انسحابها من الراينلاند في 24 يناير/كانون الأول من العام 1923، وانتهتِ المغادرة النهائية في أوائل فبراير/شباط وسلمت منطقتها للفرنسيين.[160]
المنظمات الدولية
خُصّصَ الجزءُ الأولُ منَ المعاهدةِ -إضافةً إلى جميعِ المعاهداتِ اللاحقةِ الموقعةِ معَ دولِ المركزِ- لميثاقِ عصبة الأمم الذي نصَّ على إنشاءِ العصبةِ، وهي منظمةٌ دوليةُ الصفةِ مهمتها التحكيمُ في النزاعاتِ الدوليّة (الجزء الأول)،[161] ونظمَ الجزءُ الثالثَ عشرَ تأسيسَ منظمة العمل الدولية لتنظيمِ ساعاتِ العملِ، بما في ذلكَ الحدُّ الأقصى ليومِ العملِ وأسبوعهِ، وتنظيمِ عرضِ العملِ (بالإنجليزية: Labour Supply)، والحمايةِ منَ البطالةِ، وتوفيرِ أجرٍ معيشيٍّ، وحمايةِ العاملِ منَ الأمراض والعلل والإصاباتِ الناجمةِ عنْ عملهِ، وحمايةِ الأطفالِ والشبابِ والنساءِ، والتوفيرِ لأجلِ الشيخوخةِ والإصابةِ، وحمايةِ مصالحِ العمّالِ عندَ العملِ خارجَ بلدِهم، والاعترافِ بمبدأ حريّةِ تكوينِ الجمعياتِ، وتنظيمِ التعليمِ المهنيِّ والتقانيِّ، وتدابيرَ أخرى[162] كما دعتِ المعاهدةُ الموقعينَ إلى التصديقِ على اتفاقيّةِ "الأفيونِ" الدولية.[163]
الاستعمار والانتداب
لم تكنِ المستعمراتُ الألمانيةُ كثيرةً، فقد أتمتْ ألمانيا توحُّدها عامَ 1871م، ودخلتِ السباقَ الاستعماريَّ متاخرةً، وكان منْ أسبابِ قيامِ الحربِ المنافسةُ الألمانيةُ لإنشاءِ إمبراطوريةٍ استعماريةٍ فيما وراء البحار في وقتٍ كانَ العالمُ فيهِ قدِ اقتسمَ. أما المستعمراتُ الألمانيةُ القليلةُ فقدِ استوليَ عليها أثناء الحربِ لحرمان ألمانيا من مواردها، ولكن سُوّيَ وضعُها قانونياً بموجبِ معاهدة ڤرساي. طالبتِ المادة 119 من المعاهدة ألمانيا بالتخلي عن السيادة على المستعمرات السابقة، وحوّلتِ المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم تلك الأراضي إلى العصبة التي وزعتها على دول الحلفاءِ بناءً على نظامِ الانتدابِ (بالإنجليزية: Mandate).[164]
صاغ نظامَ الانتدابِ "مجلسُ العشرة" في 30 ينايرَ/كانونَ الأول من العام 1919، وأحيلَ من بعدُ إلى عصبة الأمم. وُجدت أربعَ عشرةَ منطقة انتدابٍ وُزعت على سبع دولٍ بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وجنوب إفريقيا ونيوزيلندا وأستراليا واليابان. نُظمتِ الانتداباتُ وفقاً للمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بحيث تشرف لجنة الانتداب الدائمة في عصبة الأمم على تنظيم استفتاءاتٍ عامةٍ في المناطق المتنازَع عليها فقط ليقرر شعبها لأي بلدٍ ينضم [طالب الأمير فيصل بن الحسين ممثل مملكة الحجاز بلجنةٍ لاستطلاع رغبات الشعب في سوريا (بلاد الشام) وأجهضها الحلفاء، ولم يشارك بها سوى الأمريكان (لجنة كينغ - كراين)]، وقد صُنفت في ثلاثة أنواعٍ متدرجةٍ من الانتداب: [164]
- انتدابات (أ): وتنطبق على أجزاءٍ من الدولةِ العثمانيةِ القديمة، وهي المجتمعات التي:
- «... وصلت إلى مرحلةٍ من التطور بحيث يمكنها القيام كدولٍ مستقلةٍ معترفٍ بها، وتخضع بصورةٍ مؤقتةٍ للمساعدة والنصح الإداري من قبل الانتداب إلى أن يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرةً على النهوض وحدها، وتكون رغبات هذه المجتمعاتِ هي العامل الرئيس في اختيار الدولةِ المنتدَبة [وهو مالم يُراعَ في كلا بلاد الشام والعراق].» (المادة 22).
- اعتبرت هذه الدول مستقلةً ولكنها ستخضع لسلطةٍ إلزاميةٍ حتى بلوغها مرحلة النضج السياسي.[120]
- انتدابات (ب): وتنطبق على المستعمرات الألمانيّةِ السابقةِ التي تتحمل عصبة الأمم مسؤوليتها بعد الحرب العالمية الأولى. والتي توصف بأنها "الشعوب" التي:
- «... يتوجّب وجود دولةٍ منتدَبةٍ مسؤولةٍ عن إدارة أراضيها -بشرط ضمان حرية الضمير والدين- للحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وحظر الانتهاكات مثل تجارةِ العبيد، والاتّجار بالأسلحةِ والخمور، ومنع إقامةِ تحصيناتٍ أو قواعدٍ عسكريةٍ وبحريةٍ والتدريب العسكري للمواطنين لأغراض أخرى غير الشرطة والدفاع عن أراضيها، وتأمين تكافؤ فرصٍ للتجارةِ مع باقي الدول الأعضاءِ في عصبة الأمم.» (المادة 22).
- انتدابات (ج): وتشمل جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا) وبعض جزر جنوب المحيط الهادي، والتي تديرها الدول الأعضاء في عصبة الأمم، وصنّفت على أنها "الأراضي" التي:
- «... بسبب تناثر سكانها، أو صغر حجمها، أو بعدها عن مراكز الحضارة، أو المتواصلة جغرافياً مع أراضٍ للدولة المنتدَبة، أو لظروفٍ ما أخرى يُفضل أن تدار وفقاً لقوانين الدولة المنتدبة على أجزاءٍ لاتتجزأ من أراضيها مع مراعاة الضمانات المذكورة أعلاه لصالح السكان الأصليين.» (المادة 22).
المستعمراتُ الألمانيّةُ شرقَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Ostafrika) | المستعمراتُ الألمانيّةُ جنوبَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Südafrika) | المستعمراتُ الألمانيّةُ غربَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Westafrika) | ||||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
* تنچانيقا: استولتْ عليها بريطانيا 1922، (استقلتْ (1961) وبعدَ ضمها "سلطنةَ زنجبارَ" (1964) أصبحتْ تنزانيا).
|
* "ناميبيا" حالياً (باستثناء خليج والفيس البريطاني) ضمتها دولةُ جنوبِ إفريقيا (أحد الحلفاءِ)، استقلتْ (1990م). | * الكاميرون الألمانية (1884-1914) (بالإنجليزية: Cameroon): كان الألمان هم من أطلقوا اسم "الكاميرون"، قسمتْ الكاميرونُ إلى جزءٍ فرنسيٍّ أضحى فيما بعدُ "الكاميرون" (بالفرنسية: Cameroun)، وجزءٍ بريطانيٍّ قسِّم لاحقاً إلى قسمينِ: أحدُهما انضمَّ إلى نيجيريا والآخرُ إلى الكاميرون.
|
وأعطيتِ اليابان جزرَ المحيط الهادي الألمانيةِ شمالَ خط الاستواء وهيَ جزر مارشال وكارولينا عدا غوام وماريانا، وكذلكَ ميناءَ "تشينجداو" أو "تسينغتاو" (بالألمانية: Tsingtau) في شبهِ جزيرةِ شاندونغ شرقيَّ الصينِ [حصلت ألمانيا عليها عامَ 1898 منَ الصينِ بموجبِ عقدِ إيجارٍ، واحتلتها اليابان أواخرَ 1914]. وأخذتْ أستراليا الجزرَ جنوبَ خطِّ الاستواءِ وشرقَ غينيا الجديدة ["بابوا غينيا" حالياً] ماعدا ساموا الألمانيةِ التي آلت إلى نيوزيلندا، كما حازَت بريطانيا ناورو.
كانتِ الروحُ التي سادت مؤتمرَ باريسَ وأنتجت معاهدةَ ڤرساي روحاً متعصبّةً منَ القرنِ التاسعَ عشرَ تدورُ في فلَكِ "المركزيةِ الأوروبيةِ" وتؤمنُ بتفوقِ "العرق الأبيض" واستعمار الشعوب الأخرى، ولمْ تكُ الادّعاءاتُ حولَ حق تقرير المصير وفسحِ المجالِ أمامَ الشعوبِ المقهورةِ لعرضِ مطالبِها لِتخصَّ سوى الشعوبِ الأوروبيةِ لا يُستثنى من هذا سوى ويلسونَ والأمريكانِ،[هامش 17] وبالرّغم من دعوةِ أطرافٍ كثيرةٍ من أنحاءِ العالمِ لحضورِ المؤتمرِ إلا أنَّ المفاوضاتِ بشأنِ العالمِ خارجَ أوروپا تمخّضتْ في النهايةِ عن إعادةِ توزيعِ المستعمراتِ، وكانتِ المملكة الحجازية الهاشمية مع دولِ الدومنيون الأربع المشاركةِ في الحرب الدولَ الوحيدةَ غيرَ الأوروپية التي نالت اعترافاً دولياً نتيجة اشتراكِها في المؤتمر وتوقيعِها على المعاهدة، لكنْ كانَ لا بدَّ منْ حلِ مشكلةٍ تتعلقُ بالقانون الدولي وتتلخصُ في أنَ انتقالَ حيازةِ مستعمرةٍ من دولةٍ إلى أخرى تقتضي تعويضاً،[هامش 18] وبالتالي فالتخلي عنها -نتيجةَ حربٍ مثلاً- يَفترضُ أنْ يُقيَّمَ ويّدرجَ ضمنَ التعويضاتِ المترتبةِ على الطرفِ الخاسرِ، وهنا واجهتِ الحلفاءَ مشكلةٌ قانونيّةٌ فإذا قُوِّمتِ المستعمراتُ وأدخلتْ ضمنَ التعويضاتِ فإنَّ ألمانيا، والدولة العثمانية خاصّةً لن يتوجّبَ عليهما دفعُ مبالغَ كبيرةٍ بلْ ربما لاتدفعانِ شيئاً، وتضيعُ مكاسبُ ماديّةٌ معتبرةٌ على الحلفاءِ لا سيّما وأنهم جميعاً -خلا الولايات المتحدة الأمريكية- خرجوا من الحربِ على شفيرِ الإفلاسِ.[165]
وُلدَ الحلُّ على يدِ "سموتس" (بالإنجليزية: Smuts) عضوِ وفدِ جنوب إفريقيا، فاستناداً لحق تقرير المصير الذي غدا أحدَ أهدافِ مؤتمر پاريس للسلام فإنَّ على الدولِ المنتصرةِ أن تدرّبَ الشعوبَ التي كانتْ تحتَ سيطرةِ ألمانيا والدولة العثمانية على إدارةِ شؤونها ورعايةِ مصالحها وتأخذَ بيدِها من أجلِ نيلِ استقلالِها الناجزِ، وبذا وُلدَ مبدأ الانتداب أي انتدابُ إحدى الدولِ المنتصرةِ لتدريبِ شعبِ إحدى المستعمراتِ على حكمِ نفسهِ بنفسهِ، ولكيْ يكونَ الأمرُ مُقنَّناً من ناحيةِ القانون الدولي فقدِ اشْتُرطَ أنْ يكونَ ذلكَ بموافقةِ عصبة الأمم التي شكلت -من بعدُ- لجنةً للإشرافِ على حسنِ إدارةِ الدولةِ المنتدّبةِ دُعيَت لجنةَ الانتداباتِ كانتْ تستمعُ إلى تقريرٍ نصفِ سنويٍّ مُعَدٍّ من قبلِ دولةِ الانتدابِ عن سيرِ عمليَّةِ الانتداب، وكانَ ذلكَ يجري عادةً من دونِ أن يكونَ لأي هيئةٍ وطنيةٍ رأيٌ أو مشاركةٌ في وضعِهِ.[165]
بيّنَ وزيرُ خارجيةِ الولايات المتحدة الأمريكية روبرت لانسينچ عضوُ الوفدِ الأمريكيٍّ لمفاوضاتِ السلام أنَّ نظامَ الانتداب الذي ينصُّ على منحِ عصبةِ الأممِ للدولِ المنتصرةِ صكوكَ انتدابٍ على الشعوبِ المُحرَّرّةِ -لمساعدتِها على النهوضِ وتأسيسِ دولٍ وأنظمةٍ حديثةٍ- كانَ بكلِّ بساطةٍ وسيلةً أرْستّها القوى العظمى المنتصرةُ (عدا الولاياتُ المتحدةُ التي لم تشاركْ في عصبة الأمم) لتخفيَ تقاسُمَها لغنائمِ الحربِ، فإذا تمَّ الاستيلاءُ على أراضي العدوِّ بصورةٍ مباشرةٍ، فإنَّ قيمةَ هذهِ الأراضي -في ظلِّ القوانينِ الدوليةِ- ستكونُ بديلاً لادّعاءاتِ الحلفاءِ بالمطالبةِ بتعويضاتٍ عن خسائرِ الحربِ أو عن جزءٍ منها. وضّح لانسينچ أيضاً أنَّ الجنرالَ جان سموتس هو صاحب المفهومِ الأصليِّ للانتدابِ، ويقولُ أحدُ المختصيّنَ في القانون الدولي:[165]
لو أرادتْ دولُ الحلفاءِ الاستيلاءَ على ممتلكاتِ الدولِ الوسطى [أيْ دولِ المركزِ] وحليفاتِها وضمِّها إلى ممتلكاتِها الخاصّةِ "كمستعمراتٍ" لكانَ عليها إذْ ذاكَ حسمُ قيمةِ تلكَ المستعمراتِ والممتلكاتِ المستوْلَى عليها منْ أصلِ قيمةِ التعويضاتِ التي فرضتْها على الأعداءِ، ولكنَّها بفضلِ النظامِ الجديدِ الذي أبرزهُ الجنرالُ سمطس [سموتس]... تمكنت من تحاشي ذلكَ. |
تاريخ | مقارنة الدولة العثمانية قبلَ معاهدةُ سيفرَ عامَ 1920م، وبعدها، وحالياً ميلٌ مربعٌ (كم²) | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
1914 | الدولة العثمانيةُ 613,720 ميل2 (1,589,540 كـم2) | |||||||
1920 بموجبِ معاهدة سيفر وحدودِ الاحتلال عقبَ الحرب العالمية الأولى |
الدولة العثمانيةُ 175,000 ميل2 (453,000 كـم2) |
أرمينيا 62,000 ميل2 (160,000 كـم2) |
سوريا الطبيعيّةُ بما فيها لبنانُ وفلسطينُ وشرقُ الأردنِ والأقاليمِ السوريّةِ الشماليّةِ 140,000 ميل2 (350,000 كـم2) |
العراق 140,000 ميل2 (370,000 كـم2) |
مملكة الحجاز الهاشمية 100,000 ميل2 (260,000 كـم2) |
عسير 35,000 ميل2 (91,000 كـم2) |
اليمن 73,000 ميل2 (190,000 كـم2) | |
حالياً |
تركيا (أضيفَ لها «الأقاليمُ السوريّةُ الشماليّةُ» (غيرُ معروفةٍ بدقةٍ لكن تقدرُ تقريباً بحواليْ 50,000 كم²) عامَ 1920م، و«لواءُ اسكندرونَ» (4800 كم²) عامَ 1939م) 301,380 ميل2 (780,580 كـم2). |
أرمينيا لمْ تُقرَّها معاهدةُ لوزان عامَ 1923م. |
سوريا الحاليةُ (اقتطعَ منها "الأقاليمُ السوريّةُ الشماليّةُ"، وعامَ 1939م «لواءُ اسكندرونَ» 4800 كم²) 71,500 ميل2 (185,180 كـم2)؛ ولبنانُ 4,100 ميل2 (10,500 كـم2)؛ والأردنُ 34,000 ميل2 (89,000 كـم2)؛ وفلسطينُ 10,000 ميل2 (27,000 كـم2). |
العراق 169,000 ميل2 (437,000 كـم2). |
مملكة الحجاز الهاشمية ضمتْ (24-1925م) إلى «سلطنةِ نجدٍ» تحتَ اسمِ مملكةِ الحجازِ ونجدٍ وملحقاتِها (لاحقاً «المملكةُ العربيةُ السعوديةُ» منذ عام 1932م) |
عسير (ضمّتْ إلى السعوديةِ عامَ 1932م). |
الجمهورية اليمنية (سابقاً المملكة المتوكلية اليمنية واليمن الجنوبي) بما فيها اليمنُ الجنوبيُّ (337,000 كم²) بعدَ ضمهِ عامَ 1990م: 204,000 ميل2 (528,000 كـم2). |
وهكذا -وبالمحصّلةِ- اسْتُولِيَ على مستعمراتِ دولِ المركزِ الخاسرةِ من دونِ أن يقللَ ذلكَ من التعويضاتِ التي فُرضتْ عليها، ومعلومٌ أنَّ التعويضاتِ الجائرةَ التي فرضت على ألمانيا وتفاعلاتها كانت -نهايةَ المطافِ- أحدَ الأسبابِ المهمة لاندلاعِ الحرب العالمية الثانية. ووقعَ على شعوبِ المستعمراتِ "المحرَّرةِ" عبءُ إنقاذِ مستعمريهم من وطأةِ ديونِهم التي راكمتها أعباءُ الحربِ وإعادةِ بناءِ اقتصاداتِهم المدمرةِ بفعلِ تلكَ الحربِ، جنباً إلى جنب مع المستعمرات القائمة مسبقاً.[166][167] [هامش 19]
فسوريا ولبنان -على سبيلِ المثالِ- خضعتا لاحتلالٍ فرنسيٍّ مباشرٍ -شُرّعَ لاحقاً بموجبِ صكِّ انتدابٍ من عصبة الأمم-[هامش 20] بدعوى مساعدتِهما على الاستقلال بعد "تحريرهِما" خلال الحربِ، وسدّدت حكوماتُهُما -فضلاً عن ذلكَ- على مدى سنواتٍ أقساطاً مقررةً من الدينِ العثمانيِّ العام[168] الذي تعود أصولُه إلى القرن التاسع عشر. فمن جهةٍ عوملتا -بموجبِ المعاهدةِ ومن قبل العصبةِ- كمستعمرةٍ كانت محتلةً من قبل إحدى دول المركز وحُررت في الحرب، وهو الأساس القانوني لوضعها تحت الانتداب، ومن جهةٍ أخرى أُلزمت بمطالباتٍ بتسديد حصةٍ من ديون الدولةِ العثمانيةِ بينما تحريرها يقتضي أن تتحرر كذلك من جميع التزاماتها اتجاه مستعمرها السابق.[هامش 21]
الشرق الأدنى
أما في الشرق الأوسط أوِ الشرق الأدنى -بحسبِ التعبيرِ السائدِ وقتئذٍ استناداً لمصطلحاتِ الدوائر الاستعماريةِ البريطانيةِ-، فكانت معاهدةُ سيڤر (10 أغسطس/آب 1920م) إحدى المعاهداتِ المهمةِ اللاحقةِ بمعاهدةِ ڤرسايَ، وفيها أقرّتِ الدولة العثمانية بالاكتفاءِ بمدينةِ إسطنبولَ وقطعةٍ صغيرةٍ من تراقيا إلى الغرب منها، وبالجزءِ المركزيِّ من آسيا الصغرى أو هضبةِ الأناضولِ شمالاً حتى البحر الأسود، أمَّا بقيَّةُ أراضي الدولةِ فقد جُرّدت منها، وبذا تكونُ الدولة العثمانية قد صُفّيَت نهائيّاً. وقّع السلطان العثماني على معاهدة سيڤر مُرغماً تحتَ ضغطِ الإنجليزِ الذينَ كانوا يحتلّونَ إسطنبولَ والمضائقَ واعترَفَ بموجبِها بوضعِ مضيقيْ البوسفور والدردنيل تحت رقابةِ لجنةٍ دوليّةٍ، فلايجوزُ حصارُهما ولا إدخالُهما في حالةِ حربٍ إلا بقرارٍ منْ مجلسِ العصبةِ، وكذلكَ بالحكمِ الذاتيِّ لإقليمِ كردي في الجنوبِ الشرقيِّ من الأناضولِ، وأقرَّ بإنشاءِ دولةٍ جديدةٍ مستقلةٍ شرقَ الأناضولِ هيَ أرمينيا وتضمُّ مناطقَ وان في الجنوبِ، وقارصَ وأرضرومَ في الوسطِ، وطرابزونَ على ساحلِ البحر الأسود، ووُضعت إزميرُ والأراضي المجاورةُ لها -حيثُ تستوطنُ جاليةٌ يونانيّةٌ كبيرةٌ- بصورةٍ مؤقتةٍ تحتَ إدارةٍ عسكريةٍ يونانيّةٍ معَ بقائِها اسمياً تحتَ السيادةِ التركيةِ (كانت احتلت أواخرَ الحرب من قبلِ اليونانيين)، وأقرّتِ المعاهدةُ منحَ فرنسا منطقةَ نفوذٍ وسطَ الأناضول تمتدُ إلى ما بعدَ مدينةِ سيواسَ شمالاً وتشملُ أضنةَ ومرسينَ وطرسوسَ في الغربِ وحتى نهر الفرات شرقاً، وعلى منحِ إيطاليا منطقةَ نفوذٍ جنوبَ الأناضول، وتشملُ مدنَ أنطاليا على ساحل المتوسطِ وقونية وأفيون قره حصار، وتمتدُ نحوَ الشمالِ الغربيِّ قريباً منْ بحر مرمرة.[169]
أعلن الشريفُ الحسينُ بن علي الاستقلال عام 1916 إثر إعلانهِ الثورة العربية الكبرى، وسرعانَ ماأعلنت بريطانيا وفرنسا اعترافهما بمملكة الحجاز لحاجتهما الماسّةِ لحليفٍ ضد الدولة العثمانية، وعليه حضرَ الأميرُ فيصلُ مؤتمرَ السلامِ بدعوةٍ بريطانيّةٍ لكنَّ فرنسا لم تعترفْ باشتراكهِ -بعد لأيٍ ومماطلةٍ- إلا كحليفٍ عسكريٍّ فقط. قدَّمَ فيصل مذكرةً يطلبُ فيها الاعترافَ بدولةٍ عربيةٍ مستقلّةٍ جنوبَ خطِّ "اسكندرون-دياربكر" بضمانةِ عصبة الأمم، وفي كلمتِهِ أمامَ المؤتمرِ «أسهبَ في شرحِ مطالبِهِ بحقِّ العربِ في تقريرِ مصيرهِم بأنفسهِم، وبالالتزامِ بالاتفاقِ الذي تمَّ في مراسلات الحسين – مكماهون، وبتنفيذِ الإعلانِ الأنجلو-فرنسي الصريحِ والقاطعِ...، وأقرَّ كذلكَ بأنَّ فلسطين قد تتطلبُ نظاماً خاصاً، وأنَّ العراق سوفَ "يقبلُ مساعدةَ" بريطانيا العظمى، وأنَّ جبلَ لبنانَ سوفَ يقبلُ مساعدةً مماثلةً من فرنسا، أما بالنسبةِ للأجزاءِ الباقيةِ فإنَّ مطلبَ الأميرِ كانَ الاستقلالَ».[170][171]
لكنَّ ذلكَ كلَّه لاقى آذاناً صمّاءَ، فبالرّغمِ منِ اتفاقِ الشريفِ الحسينِ معَ مكماهونَ المندوبِ العام في مصر ممثلاً عن بريطانيا، وبالرغم منِ اعترافِ الحلفاءِ بالشريفِ كملكٍ للحجازِ وحليفٍ ساهمَ في الحربِ، وقدومِ فيصل الأول إلى المؤتمر على هذا الأساسِ، وبالرغمِ من إعلانِ "المؤتمر السوري العام" بدمشق (16 جمادى الآخرة 1338هـ - 7 مارس/آذار 1920) سوريا بحدودِها الطبيعيّةِ دولةً مستقلةً استناداً إلى حق تقرير المصير إلا أنَّ معاهدتَيْ ڤرسايَ وسيڤرَ جاءتا خلواً من أيِّ ذكرٍ لدولةٍ في آسيا العربية عدا مملكة الحجاز، وقررت فرنسا وبريطانيا تقاسُمَ "بلادِ الشام" (سوريا الطبيعية)، و"العراقِ" تحت مسمّى الانتدابِ بناءً على اتفاقية سايكس بيكو للعامِ 1916م بينهما، ومقرراتِ مؤتمر سان ريمو (1-6 شعبان 1338هـ - 19-26 أبريلَ/نيسانَ 1920م) المعدِّلةِ لها، والتي لم يكنِ الاتفاق على الانتداب على الهلال الخصيب وتقسيم مناطقه أهم ما فيها، بل أيضاً الموافقة على "تصريح بلفور" [120] مما مهد الطريق لموافقة "عصبة الأمم" على تلبية إصرار بريطانيا بإدراجه في صك انتدابها على فلسطين، وبذا صار شرعياً من قبل المجتمع الدولي.
وفي معاهدةِ سيڤر (10 أغسطس/آب من العام 1920) مع الحلفاءِ اعترفتِ الدولة العثمانية بالحالةِ السياسيّةِ الراهنةِ القائمةِ في مصر [كانت بريطانيا أعلنت عليها "الحمايةَ" بُعيْدَ إعلانِ الحرب العالمية الأولى]، والسودان [بصفتهِ تحتَ الحكمِ الإنجليزي-المصري المشتركِ منذ العام 1899م]، وقبرصَ [كانت تحتَ الإدارةِ البريطانيةِ الفعليةِ والسيادة الاسميّةِ العثمانيّةِ منذُ العامِ 1878م]، والتخلي عما تبقّى منْ جزرِ بحر إيجه مما احتله الطليانُ خلالَ الحربِ، وبالحمايةِ الفرنسيّةِ على المغربِ [كانت أعلنت في العام 1911م]، وتونسَ [أعلنت في العام 1882م]، وتنازلت عن كل ما لها من حقوقٍ في البلادِ العربيةِ الأسيويةِ؛ سوريا، ومتصرفيةِ جبلِ لبنانِ وفلسطين والعراقِ، والحجاز، ونجدٍ والإحساء، وعسير واليمن.[169]
في النهايةِ وُضِعتْ كلٌّ من سوريا ومتصرفية جبل لبنان تحتَ الانتداب الفرنسيِّ عامَ 1922م الذي لمْ يكُ أكثرَ منْ غطاءٍ دوليٍّ تحتَ مظلةِ عصبة الأمم لأمرٍ واقعٍ [كانَ الجيشُ الفرنسيُّ أتمَّ احتلالَهما عامَ 1920م]، وكلٌّ من فلسطينَ والعراقِ تحتَ الانتدابِ البريطانيِّ عامَ 1922م [وقد احتُلّتا خلالَ الحربِ]، وأسِّستْ دولةٌ بإشرافٍ بريطانيٍّ هيَ إمارةُ شرقِ الأردن في 30 مارس/آذار 1921.
ردود الفعل
ألمانيا
نتيجةُ أهدافِ المنتصرينَ المتنافسةِ -والمتعارضةِ أحياناً- جاءتِ المعاهدةُ حلاً وسطاً لمْ يُرضِ أحداً. لمْ تغدُ ألمانيا مُسالمةً ولا مُتصالحةً، ولم تضعفْ بشكلٍ دائمٍ كما أرادت لها فرنسا، وستقودُ المشاكلُ التي نجمت عن معاهدةِ ڤرسايَ إلى اتفاقيّاتِ لوكارنو التي حسّنتِ العلاقاتِ بينَ ألمانيا والقوى الأوروپيّةِ الكبرى الأخر. وإعادةُ التفاوضِ على نظامِ التعويضاتِ أفضى إلى خطةِ دوز عامَ (1924م)، ثم خطة يونغ لجدولة الدبونِ، ثم تأجيلِ دفعِ التعويضاتِ إلى أجلٍ غيرِ مسمىً في مؤتمرِ لوزانَ (1932م). جرى الاستشهادُ بالمعاهدةِ -في بعضِ الأحيانِ- كأحدِ أسبابِ اندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ مع أنَّ تأثيرَها الفعليِّ -كما يُعتقدُ- لمْ يكُ بالحدّةِ التي كانَ يُخشى منها، إلا أنَّ شروطَها [وربما كانَ هذا التأثيرَ الأهمَّ] أدّتْ إلى استياءٍ كبيرٍ في ألمانيا، وتضافرَ ذلكَ مع الحصارِ البحريِّ للحلفاءِ الذي استمر حتى توقيع المعاهدة، والدمارِ، والاقتصادِ الهشِّ صنيعةِ الحربِ وما آلَ إليهِ من التضخمِ الفاحشِ في الفترة (18-1923م)، حفز كل ذلكَ انتشارَ التيّاراتِ المتطرفةِ كالشيوعيّةِ والنازيّةِ، وآلَ في نهايةِ المطافِ إلى بزوغِ نجمِ أدولف هتلر.[هامش 22]
قيلَ الكثيرُ عن (المادةِ 231) الشهيرةِ "بعبارةِ ذنبِ الحربِ" (بالإنجليزية: "War Guilt Clause") وأولِ مادةٍ في القسمِ المخصّصِ للتعويضاتِ في المعاهدةِ. قيلَ بأنها لم تترجمْ بشكلٍ صحيحٍ للجانبِ الألمانيّ، وأنَّ صيغتها التاليةَ كما وردتْ في النسخةِ التي سُلّمتْ للحكومةِ الألمانيّةِ: «تعترفُ ألمانيا، بأنَّ ألمانيا وحلفاءَها -بصفتهم بادئي الحربِ- مسؤولونَ عنْ جميعِ الخسائرِ والأضرارِ...» كانتْ نتيجةَ ترجمةٍ غيرِ دقيقةٍ للنصِّ الأصليِّ -المحرَّرِ بكلتا اللغتينِ الفرنسيةِ والإنجليزيةِ-[هامش 23] وهيَ صيغةٌ اعتبرَتْ مُهينةً، وأدّتْ إلى شعورٍ بالإذلالِ في أوساطِ الشعبِ الألمانيِ. وجدَ الرأيُ العامُّ هذهِ المادةَ بأنها ظالمةٌ، فإذا كانَ لألمانيا (وحلفائها) نصيبُها -بالطبعِ- من المسؤوليّةِ إلآ أنْه ليستِ المسؤوليّةَ كاملةً، كانَ ثمّة رأيٌ مفادُهُ أنّ ألمانيا قدْ «تخلتْ عنْ كرامتِها»[172][173] أدركَ المسؤولونَ «أنَّ موقفَ ألمانيا حيالَ هذا الموضوعِ لمْ يكُ حسناً لأنَّ الحكومةَ الإمبرياليّةَ دفعتِ الشعبَ الألمانيَّ إلى الإيمانِ بها خلالَ الحربِ»[174] كانتِ الحكومةُ واقعةً بينَ مطرقةٍ وسندانٍ، فمنْ جهةٍ كانَ ثمة الغضبُ الشعبيُّ، ومنْ جهةٍ أخرى كانَ ضغطُ الحلفاءِ. كتب الكاتب الألماني النازي ڤيليبالاد شولز: «إن المعاهدة وضعت ألمانيا في ظل العقوبات القانونية محرومةً من القوة العسكرية، وقد دُمِّرت اقتصادياً، وأُذلَّت سياسياً».[175] فيما بعدُ سيسعى السياسيّونَ والمؤرّخونَ كلٌّ منَ جهتهِ إلى إثباتِ أنَّ ألمانيا لم تكُ وحدَها المذنبةُ في التسبّبِ بالحربِ؛ فإذا أمكنَ دحضُ هذهِ الحجةِ فإنَّ الادّعاءَ القانونيَّ الذي يدعمُ فرضَ التعويضاتِ سينهار.[176]
بريطانيا والدومنيون
رأى بعض الساسةِ من الإنجليزِ والدومنيون أنَّ السياسةَ الفرنسيةَ كانتْ جشعةً وانتقاميّة،[177][178] آمن ديڤيد لويد جورج وسكرتيره الخاص فيليب كير بالمعاهدة على الرغم من شعورهما بأنَّ الفرنسيينَ سيُبْقونَ أوروپا في حالةِ اضطرابٍ مستمرٍ بفعلِ حرصهمْ على صونِها.[177] أصدر الجنرالُ سموتز (صاحبُ فكرةِ الانتدابِ) بياناً يُدينُ المعاهدةَ، ويأسفُ لعدمِ كتابةِ الوعودِ «بنظامٍ دوليٍّ جديدٍ وعالمٍ أكثرَ عدلاً وأفضلَ في هذهِ المعاهدة»!!، وكتب رئيسُ الوزراءِ الأسترالي بيلي هيوز إلى لويد جورج في خيبة أملٍ: «لقد أكدّتَ لنا أنك لاتستطيعُ الحصولَ على شروطٍ أفضل، وأنا آسف لذلك كثيراً وآمل أن تكون هناك طريقة أخرى حتى نتفق بشأن مطالب التعويض المتناسبةِ مع التضحيات الهائلةِ التي قُدمتْ من قبل الإمبراطورية البريطانية وحلفائها».[179] [هامش 24]
لقيتِ المعاهدةُ قَبولاً واسعاً لدى رجلِ الشارعِ الإنجليزيِّ،[180] لكنَّ الرأيَ العامَّ تغيرَ مع تصاعدِ الشكوى الألمانيّةِ[181] حتى أعربَ رمزي ماكدونالد (1866-1937) رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ (عدة مراتٍ بين 24-1935) -بعدَ الإعلانِ رسمياً عن إعادةِ نشر الجيش الألماني في منطقةِ الراينلاند في 7 مارس/آذار 1936- عن سرورهِ لأن المعاهدةَ تتلاشى، وأمله بأنَّ الفرنسيينَ قد تلقَّوا درساً قاسياً.[178]
بذلتْ كندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوبُ إفريقيا مساهماتٍ كبيرةً في المجهودِ الحربي البريطاني، ولكن كدولٍ مستقلةٍ لا كمستعمراتٍ بريطانية، وجاء توقيعُها على المعاهدةِ بمنزلة اعترافٍ دولي باستقلالها، في حينِ لم يجرِ التعاملُ مع الهندِ بالسويّةِ ذاتِها وهي التي قدمتْ أكبر مساهمةٍ عسكريةٍ من بين المستعمرات البريطانيّةِ السابقةِ (الدومنيون) والقائمةِ (وقعتْ حكومة الهند البريطانية المعاهدةَ ممثلةً عن الهند). لقد كانت الحرب -وخلافاً للمخاوف البريطانية- مثالاً غير مسبوقٍ عن حسن النيةِ إزاء بريطانيا من قبل الهنود والنخبةِ السياسيّةِ الهنديّةِ اعتقاداً بأن هذا الموقف سيفيدُ الهندَ في تقرير مصيرها بعد الحرب،[182][183] [لكنّ الهندَ بقيتْ خاضعةً للسيطرةِ الاستعماريّةِ البريطانيّةِ المباشرة. كان ذلك مثالاً صارخاً عن الازدواجيةِ في التعامل مع الشعوبِ ذواتِ الأصلِ الأوروپي وسواها].
فرنسا وإيطاليا والبرتغال
قوبل توقيع المعاهدة بصخب الغناء والرقص في پاريس. ابتهج الناس بالنهاية الرسمية للحرب،[184] وعودة الألزاس واللورين إلى فرنسا، وموافقة ألمانيا على دفع تعويضات.[185]
وفيما صادقت فرنسا على المعاهدة فإن المزاج المبتهج سرعان ما أفسح الطريقَ لرد فعلٍ سياسيٍّ عنيفٍ على كلمنصو. رأى اليمينُ الفرنسيُّ أنَّ المعاهدةََ كانتْ متساهلةً للغايةِ، وأنها فشلت في تحقيقِ جميعِ مطالبِ فرنسا. صرح المارشال فرديناند فوش أن «هذه المعاهدة ليست سلاماً. إنها هدنة لمدة عشرين عاماً»، وهو ما اعتبر نبوءةً من بعدُ. هاجم اليسارالفرنسي -كذلك- المعاهدةَ وكلمنصو لكونها قاسيةٌ للغاية (تحول كلمنصو إلى إدانةٍ طقسيةٍ للمعاهدة من الطرفين)، انتقاد للفشل في ضم الراين، وللمساومة على الأمن الفرنسي لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا.[186][180][181][187] فيما بعد عندما ترشح كلمنصو لرئاسةِ الجمهوريةِ في ينايرَ/كانونَ الأولَ من العام 1920 خسر الانتخاباتِ.[188]
كان رد الفعل في إيطاليا على المعاهدة سلبيّاً للغاية. عانتِ البلادُ من خسائرَ بشريةٍ كبيرةٍ، لكنها فشلت في تحقيق معظم أهدافها الحريية الرئيسة ولا سيّما السيطرة على الساحل الدلماسي وميناء افيوم. أدى عدم الدعم من قبل الأطراف الثلاثة الرئيسيين الكبار مع التبايناتِ في إستراتيجية التفاوض بين رئيس الوزراء ڤيتوريو أورلاندو ووزير خارجيته سيدني سونينو إلى تقويض موقف إيطاليا في المؤتمر. عانى أورلاندو الغاضب من انهيارٍ عصبيٍّ وخرج في مرحلةٍ ما من المؤتمر، ومع أنه عاد لاحقاً إلا أنه فقد منصبه كرئيس وزارةٍ قبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من موعد التوقيع، فأنهى فعلياً حياته السياسية النشطة. ساعد الغضب والاستياء من المعاهدة بتمهيد الطريق لتأسيس استبدادية [دكتاتورية] بينيتو موسوليني بعد ثلاث سنواتٍ.[189]
دخلتِ البرتغال الحربَ إلى جانب الحلفاء في العام 1916 لضمان الحفاظ على مستعمراتها الإفريقية في المقام الأول، والتي كانت مهددةً بفقدانها من قبَل كلٍّ من بريطانيا وألمانيا. اعترفتِ المعاهدة بالسيادة البرتغالية على هذه المستعمرات ومنحتها أجزاءً صغيرةً من المستعمرات الألمانية الإفريقية المتاخمة لمستعمراتها. وبخلاف ذلك كسبتِ البرتغال نزراً يسيراً من مؤتمر السلام. لم تُحرزِ البتّةَ نصيبَها الموعودَ من التعويضات الألمانية، وذهب المقعد الذي كانت تطمح إليه في المجلس التنفيذي لعصبة الأمم الجديدة -بدلاً من ذلك- إلى إسبانيا المحايدة التي لم تشترك في الحرب. بالمجمل صادقتِ البرتغال على المعاهدة، لكنها لم تجْنِ الكثير من حربٍ كلفتها أكثر من ثمانية آلاف جنديٍّ، وما يصل إلى مئة ألفٍ من رعاياها الأفارقة أبناء المستعمَرات.[190]
الشرق الأقصى: الصين واليابان
شعر الكثيرون في الصين بالخيانة عندما جرى تسليم الأراضي الألمانية في الصين (تسينغتاو) لليابان. رفض ولنچتون كو (بالإنجليزية: Koo) رئيس الوفد الصيني التوقيع على المعاهدةِ وكان الطرفَ الوحيدَ في مؤتمر پاريس الذي لم يُمضِها في حفل التوقيع. أدى هذا الشعور بالخيانة إلى مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ كبيرةٍ في الصين مثل "حركةِ 4 مايو". كان ثمة استياءٌ كبيرٌ من حكومةِ دوان كيروي التي فاوضت اليابانيين سرّاً بغية الاقتراضِ لتمويل حملاتها العسكرية ضد الجنوب. في 12 يونيو/حزيران من العام 1919 أُجبرتِ الحكومة على الاستقالة، وأمرتِ الحكومة الجديدة وفدها في ڤرساي بعدم التوقيع،[191][192] مما أدى -نتيجةً لذلك- إلى تدهور علاقات الصين مع الغرب.[193]
كان لعالمِ "غير البيض" المحرومين، والمستعمَر غالباً آمالٌ كبيرة بأن النظام الجديد سيَمنح فرصةً غير مسبوقةٍ لإقرار مبدأ المساواة العرقية الذي تعترف به القوى العالمية الرائدة.[194] كان للدبلوماسية اليابانية ذكرياتٌ مريرة عن خطاب الخطر الأصفر والغطرسة التي تكتسيها الافتراضات حول واجبِ الرجل الأبيض، والذكريات التي تفاقمت بسبب تصاعد التمييز ضد رجال الأعمال، والقيود الصارمة على المهاجرين الآسيويين، والأحكام القضائيةِ المعاديةِ للمصالح اليابانيةِ والتي وسمت معاملة الدول الغربية لليابانيين.[194] ترأسَ وفدَ اليابان رجلُ الدولةِ العجوز سايونجي كينموشي [رئيس الوزراء السابق]، وكان فيه من المفوضين البارزين البارون ماكينو والسفير تشيندا سوتيمي.
مثلت ڤرساي فرصةً لقلب هذا النقص المفروض والذي تعززت توتراته خاصةً في علاقة اليابان مع الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية. اعتقد اليابانيون أن الثقة في قوتهم الصناعية المتنامية، وغزو ممتلكات ألمانيا في الشرق الأقصى إلى جانب إخلاصهم المؤكد للوفاق [الحلفاء]، سيسمح لهم أخيراً بشغل مكانهم الصحيح بين القوى العظمى المنتصرة.[194] وقد التمسوا دعماً خاصاً من الوفد الأمريكي للحصول على اعترافٍ بمبدأ "المساواةِ العرقيةِ" (بالإنجليزية: Racial Equality) في لجنةِ عصبة الأمم. رفض الدبلوماسيون البريطانيون والأمريكيون والأستراليون مقترحاتهم لتحقيق هذه الغاية. كانوا جميعاً حساسين للضغوط الداخلية في بلادهم؛ كان ويلسون نفسه مُشرِّعاً لسياسات الفصل العنصري في الولايات المتحدة، واعتبر آرثر بلفور -وزير الخارجية البريطاني- الأفارقة أدنى منزلةً من الأوروپيين (كانتِ المساواة صحيحةً فقط بالنسبة لأفرادٍ داخل دولٍ معينة)، فيما كان بيلي هيوز رئيسُ الوزراءِ الأسترالي -المتبني لموقفِ "اصفعْ يابانياً" (بالإنجليزية: Slap a Jap)- مدافعاً صريحاً عن سياسة أستراليا البيضاء.[194][هامش 25]
حظيت محاولة اليابان -التي أيدتها عدة وفودٍ منها المبعوث الصيني ولنچتون كو- بإدراج مبدأ "المساواة العرقية" في المعاهدة بتأييدٍ واسع، ولكنها أجهضت فعلياً عندما رفضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا[194] بالرغم من خطابٍ مقنع بشدةٍ ألقاه ماكينو. كانت اليابان خامس القوى العظمى في الحرب وفيما عدا اهتمامها بمستعمرات ألمانيا في الهادي لم يك لديها مطلب سوى مقترح "المساواة العرقية" الذي قمعه الحلفاء.[هامش 26]
شرعتِ اليابان نفسُها قبل الحرب وأثناءَها في توسّعٍ استعماريٍّ قاريٍّ مكينٍ جرى تسويغ أهدافه بمصطلحات الرؤى الأيديولوجية للآسيويين -مثل الكوريين والصينيين- لكونهم من الثقافةِ والعرق نفسه، على الرغم من أنّ رؤية اليابان لتلك البلدان كانت أبويةً [بمعنى سلطوية] وموجهةً لإخضاعها لمصالحها. سعتِ اليابان إلى قَبولِها كلاعبٍ عالميٍّ يتمتع بمكانةٍ مماثلةٍ للقوى الغربية التقليديّة، وقد تصورت "مبدأ مونرو" (بالإنجليزية: Monroe Doctrine) آسيوياً حيث يُعترفُ بمجالٍ مناسبٍ لمصالحها الجيو-إستراتيجية في آسيا. كانتِ اليابانُ قبل ذاك ببضع سنواتٍ حصلت على دعمٍ بريطاني-فرنسي لمطالبتها بإرثِ الحقوق التي مارستها ألمانيا في كلٍّ من الصين ومنطقةِ الهادي شمالَ خط الاستواء، ومع ذلك أشار خبراء السياسة الأمريكية -غير المحيطين بهذه الاتفاقيات السريةِ- إلى أن اليابانَ تبنتْ نموذجاً پروسياً من شأنهِ أن يهددَ سعيَ الصين للحكم المستقل، ولاقت هذه الاعتبارات هوىً في نفس ويلسون.[195]
أمريكا
«العالم يعرف أمريكا أخيراً كمنقذِ العالم!» كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكي ويلسون أمام جمهوره،[هامش 27] لكن الحزب الجمهوري -بقيادة السيناتور "هنري كابوت لودج"- المسيطر على مجلس الشيوخ أثبت أن من الممكن بناء تحالف أغلبيةٍ لكن من المستحيل إيجاد تحالف الثلثين الذي كان ضرورياً لتمرير المعاهدة.[196] قاومتِ الكتلة المعارضة المكونة من 12-18 عضواً (أو من يُدعَوْن "المتناقضون") -ومعظمهم من الجمهوريين مع بعض ممثلين عن الديمقراطيين الإيرلنديين والألمان- المعاهدةَ بشدة. أيدت كتلة واحدة من الديمقراطيين بقوةٍ المعاهدة حتى مع التحفظات التي أضافها لودج، كما أيدتها مجموعة أخرى من الديمقراطيين لكنها اتّبعت ويلسون في معارضة أي تعديلاتٍ أو تحفظاتٍ، غير أن الكتلة الأكبر بقيادة السيناتور لودج -وتتألف من غالبية الجمهوريين-[197] أرادتِ المعاهدةَ مع تحفظاتٍ لا سيما على المادة العاشرة المتضمنة سلطة "عصبة الأمم" في شنِّ الحرب دون تصويتٍ [أي بدون تفويضٍ] من قبل الكونجرس الأمريكي.[198] كان جميع "المتناقضين" أعداءً لدودين للرئيس ويلسون الذي أطلق جولة نقاشٍ وطنيةً صيفَ عام 1919 لدحضهم، لكنه انهار في منتصفِ الطريقِ بسكتةٍ دماغيةٍ خطيرةٍ دمرت بشكلٍ فعالٍ مهاراتهِ القيادية.[199] كانتِ المعاهدة أقربَ للإقرار في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1919 حيث شكل لودج وجمهوريّوه ائتلافاً مع الديمقراطيين المؤيدين لها. كانوا قريبين من أغلبية الثلثين نحو معاهدةٍ مع تحفظاتٍ، لكن ويلسون رفض هذه التسوية وتبعه من الديموقراطيين عددٌ كافٍ لإنهاء فرص التصديق نهائياً. من بين الجمهور الأمريكي ككل عارض الإيرلنديون الكاثوليك والألمان المعاهدة بشدةٍ قائلين إنها تحابي البريطانيين.[200]
واصلَ الرئيسُ الجمهوري اللاحقُ "وارن چ. هاردينچ" المعارضةَ الأمريكيّة لعصبةِ الأمم. أقر الكونجرس مشروع "نوكس بورتر" الذي يضع حداً للأعمالِ العدائيّةِ بين الولايات المتحدة ودولِ المركز، ووقعه هاردينچ ليغدوَ قانوناً في 2 يوليو/تموز 1921.[201][202] أبرمتِ الولاياتُ المتحدةُ السلام بمعاهداتٍ ثنائيّةٍ لاحقةٍ؛ مع ألمانيا (معاهدة برلين في 25 أغسطس/آب 1921)، والنمسا (معاهدة ڤيينا في 24 أغسطس/آب)، والمجرِ (معاهدة بوداپست في 29 أغسطس/آب)، ولم تنضمَّ إلى عصبة الأمم.
كتبَ صديقُ ويلسونَ السابقُ الكولونيل إدوارد ماندل هاوس رئيس لجنة التحقيق وعضوُ الوفدِ الأمريكي في مؤتمر السلام- في مذكراتهِ يومَ 29 يونيو/حزيرانَ 1919 ثانيَ يومِ التوقيعِ:[203]
سأغادرُ پاريسَ بعدَ ثمانيةِ أشهرٍ مصيريّةٍ بمشاعرَ متضاربةٍ. بالنظرِ إلى المؤتمرِ في وقتٍ لاحقٍ ثمةَ الكثيرُ مما يجبُ الموافقةُ عليه، والندمُ عليه. من السهلِ تحديدُ ما كانَ يجبُ فعله، ولكنْ من الأصعبِ العثورُ على طريقةٍ للقيامِ بذلك. بالنسبةِ لأولئكَ ممّن يقولونَ إنَّ المعاهدةَ سيئةٌ ولاينبغي أبداً إبرامُها وأنها ستشركُ أوروپا في صعوباتٍ لا حصرَ لها في تنفيذها، أشعرُ برغبةٍ في الاعترافِ بها، لكنّي أودُّ أن أقولَ ردّاً على ذلكَ أيضاً لايمكنُ تحطيمُ الإمبراطوريات وإقامةُ دولٍ جديدةٍ على أنقاضها دونما إزعاجٍ. إيجاد حدودٍ جديدةٍ هوَ إيجاد مشاكلَ جديدةٍ؛ الواحدُ يتبعُ الاخرَ. وبينما كانَ يجبُ أن أفضّلَ سلاماً مختلفاً إلا أنني أشكُّ كثيراً في إمكانيّةِ صنعه. |
تقييمات تاريخية
ينقسمُ المؤرخونَ حولَ تأثيرِ المعاهدة، فقدِ اعتبرها بعضهم حلاً جيّداً في وقتٍ صعبٍ، ورأى آخرونَ أنّها إجراءٌ كارثيٌّ كانَ من شأنِهِ أنْ يغضبَ الألمانَ ويدفعهمْ للسعيِ للانتقام. إنَّ التأثيرَ الفعليَّ للمعاهدةِ محلُّ خلافٍ أيضاً.[204]
في كتابهِ "التبعاتُ الاقتصاديةُ للسلام" (بالإنجليزية: The Economic Consequences of the Peace) وصفَ جون مينارد كينز (1883-1946) -الممثلُ الرئيسُ لوزارةِ الخزانةِ البريطانيةِ في مؤتمرِ باريسَ- معاهدةَ ڤرسايَ بـ«سلامٍ قرطاجيٍّ»،[هامش 28] وأنها محاولةٌ مضللةٌ لتدميرِ ألمانيا لصالحِ الانتقامِ الفرنسي عوضاً عنِ اتّباعِ المبادئِ الأكثرِ عدلاً من أجلِ سلامٍ دائمٍ. وقال عنِ النقاطِ الأربعة عشر للرئيسِ وودرو ويلسون التي قبلتها ألمانيا عندَ عقد الهدنة: «أعتقد أن الحملةَ لتأمينِ التكاليفِ العامةِ للحربِ... كانتْ واحدةً من أخطرِ أعمالِ اللاحكمةِ السياسيّةِ على الإطلاق التي كان رجالُ الدولةِ مسؤولينَ عنها».[55] أعربَ كينزُ عنِ اعتقادِهِ أنَّ التعويضاتِ التي طُلبت من ألمانيا كانت أكثرَ بعدةِ مراتٍ مما يمكنُ لألمانيا أن تدفعه، وأنها ستؤدي إلى عدمِ استقرارٍ شديدٍ، ورأى أن من شأن التعويضاتِ أن تشلَّ الاقتصادَ الألماني.[55]
عارض الاقتصادي الفرنسي إتيان مانتو هذا التحليل في أربعينات القرن الماضي. ألّف مانتو كتاباً نُشر بعد وفاته بعنوان «السلام القرطاجي: أو العواقب الاقتصادية للسيد كينز» في محاولةٍ لدحض ادّعاءاتِ كينز. وفي الآونة الأخيرة جادل الاقتصاديون بأن قصْر ألمانيا على جيشٍ صغيرٍ وفّر لها الكثير من الأموال بحيث كان يمكنها تحمل مدفوعات التعويضات.[205] آنذاك كان رأيُ كينز مدعوماً إلى حدٍّ كبيرٍ، أما اليوم -وعلى الرغم من العديدِ من المؤرخينَ الذين يرون أنّ التعويضاتِ كانَتْ رَهَقاً- إلا أنّه يُعتقد أنه كان من الممكن أداؤها،[205] لو توفرت فقط الإرادة السياسية والشعبية لذلك. تعتقد روث هِنيغ أن العديد من الباحثين في معاهدة ڤرساي يرون أنّ شكلها الاقتصادي لم يك بتلك القسوة المفرطة على ألمانيا كما صُوّر. وبينما شُدّدَ على الأضرار والالتزامات في الصحف اليومية لإرضاء ميول الناخبين، فإن الهدف كان تقديم مساعدةٍ لألمانيا لكي تدفع أقساطها فضلاً عن التعديلات التي حدثت بناءً على الطلب الألماني لإعادة هيكلة جدول التعويضات عملياً.[206][207][هامش 29] [هامش 30]
لقد جودِلَ -على سبيلِ المثالِ من قبلِ المؤرخِ چرهارد واينبرج في كتابهِ «عالمٌ تحتَ السلاحِ»- أنَّ المعاهدةَ كانت في الواقع مفيدةً للغايةِ لألمانيا. جرى الحفاظُ على الرايخ البسماركي [نسبةً إلى بسمارك رئيس الوزراء الپروسي (62-1890) الذي يعود له فضل إنجاز الوحدة الألمانية] كوحدةٍ سياسيّةٍ بدلاً من تفككهِ، ونجت ألمانيا إلى حد كبيرٍ من الاحتلالِ العسكري بعد الحربِ (على عكسِ الوضعِ عقبَ الحرب العالمية الثانية). وفي مقالٍ له عامَ 1995 أشارَ واينبرج إلى أنه مع اختفاءِ «النمسا-المجر» وانسحابِ روسيا من أوروبا أضحت ألمانيا القوةَ المهيمنةَ في أوروبا الشرقية.[208]
زعمَ المؤرخُ العسكريُّ البريطانيُّ كوريلي بارنيت أنَّ معاهدةَ ڤرساي كانت «جدَّ متساهلةٍ مقارنةً بشروطِ السلامِ التي كانت ألمانيا نفسُها -عندما كانت تتوقعُ الفوزَ في الحربِ- تفكرُ في فرضها على الحلفاءِ». علاوةً قالَ: «إنها كانت بالكادِ صفعةً على الرسغِ» عندما تُقاطعُ مع معاهدة بريست ليتوفسك التي فرضتها ألمانيا على الاتحاد السوفييتي الروسي المهزومِ في مارسَ/آذارَ (1918)، والتي سلبتْها ثلثَ سكانِ روسيا -وإنْ كانَ معظمهم من غيرِ العرقِ الروسي-، ونصفَ المشاريعِ الصناعيّةِ الروسيّةِ، وتسعةَ أعشارِ مناجمِ الفحمِ الروسيّةِ إلى جانبِ تعويضٍ ستةِ ملياراتِ مارك.[209] في النهايةِ وحتى وفقَ الشروطِ "القاسيةِ" لمعاهدةِ ڤرسايَ جرتْ عودةُ الاقتصادِ الألماني إلى وضعهِ السابقِ على الحرب.
ادّعى بارنيت أيضاً: «من الناحيةِ الاستراتيجيّةِ فإن ألمانيا كانت في الواقعِ في وضعٍ متفوقٍ بعد المعاهدةِ عما كانتْ عليه في العام 1914م. واجهتِ الحدودُ الألمانيةُ الشرقيةُ كلاً من روسيا والنمسا اللتيْنِ كانتا في الماضي توازنانِ القوةَ الألمانية». يؤكدُ بارنيت أن الحدودَ الشرقيةَ لألمانيا بعدَ الحربِ كانت أكثرَ أمناً، لأن الإمبراطوريةَ النمساويةَ السابقةَ انقسمت بعد الحربِ إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ، ودُمرتْ روسيا بالثورةِ والحربِ الأهليّةِ، وپولندا المستعادةُ حديثاً لم تكنُ حتى لتقابلَ ألمانيا المهزومة. في الغربِ كانت ألمانيا مُوازَنةً فقط مع فرنسا وبلجيكا، وكلتاهما كانتا أقلَّ منْ حيثُ عددُ السكانِ والنشاطِ الاقتصادي من ألمانيا. يختمُ بارنيت بالقولِ: «إنه بدلاً من إضعافِ ألمانيا، فإنَّ المعاهدةَ "عززتْ كثيراً" القوةَ الألمانيّةَ».[210] كانَ يجبُ على بريطانيا وفرنسا (وفقاً لبارنيت): «تقسيمُ ألمانيا وإضعافُها بشكلٍ دائمٍ من خلالِ التراجعِ عن عملِ بسمارك وتقسيمِ ألمانيا إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ بحيث لايمكن أبداً تعطيلُ السلامِ في أوروبا مرةً أخرى».[211] ومن خلالِ الفشلِ في القيامِ بذلكَ -وبالتالي عدمُ حلِّ مشكلةِ القوةِ الألمانيّةِ واستعادةِ التوازنِ في أوروبا- فإنَّ بريطانيا «فشلت في هدفِها الرئيس منَ المشاركةِ في الحربِ العظمى».[212]
ورأى المؤرخُ البريطاني لألمانيا الحديثة ريتشارد ج. إيفانز أنَّ اليمينَ الألماني وأحزابَ اليسارِ كذلكَ كانا معارضيْنِ للمعاهدةِ على السواء، وجادلَ بأنه من غير الصحيحِ أنَّ ڤرسايَ تسببت بالنهايةِ المبكرةِ للجمهوريةِ، بدلاً من ذلك أكّدَ أنَّ «الكسادَ الكبيرَ» أوائلَ الثلاثيناتِ هو ما وضعَ حدّاً للديمقراطيّةِ الألمانية [يقصدُ ببروزِ النازية]، كما جادلَ بأن ڤرسايَ لم تكنِ السببَ الرئيسَ للاشتراكيّةِ القوميّةِ [النازية]، وأنَّ الاقتصادَ الألماني «تأثرَ بشكلٍ هامشيٍّ فقط بتأثيرِ التعويضات».[213]
أشارتِ المؤرخةُ الأميركيّةُ ذاتُ الأصلِ الپولندي إيڤا طومسون إلى أن المعاهدةَ سمحت للعديدِ من الدولِ في وسطِ أوروبا وشرقها بتحريرِ نفسها منَ الحكمِ الألماني القمعي، وهيَ حقيقةٌ غالباً مايتجاهلها التأريخُ الغربي الأكثرِ اهتماماً بفهم وجهةِ النظرِ الألمانية، ففي الدولِ التي وجدت نفسها حرةً نتيجةَ المعاهدةِ -كالپولنديين أو التشيك- يُنظر إلى المعاهدةِ على أنها رمزٌ للاعترافِ بالأخطاءِ المرتكبةِ ضدَّ الدولِ الصغيرةِ منْ قبلِ جيرانها العدوانييّنَ الأكبرِ حجماً.[214]
أدى الاستياءُ من المعاهدةِ إلى أرضيةٍ نفسيّةٍ خصبةٍ للصعودِ النهائيِّ للحزبِ النازي،[215] لكنَّ المؤرخَ الأستراليَّ الألمانيَّ الأصلِ يورچن تامْبكه حاججَ بأنه كانَ «تشويهاً غادراً للتاريخ» [وهو عنوان كتابه] القولُ بأنَّ البنودَ منعت نموَّ الديمقراطيّةِ في ألمانيا، وساعدتْ على نموِّ الحزبِ النازيِّ قائلِاً إنَّ شروطها لم تكُ عقابيّةً كما هوَ معتقدٌ، وإن التضخمَ الألمانيَّ المفرطَ في عشريناتِ القرنِ الماضي كان جزئيّاً سياسةً متعمّدةً لتقليلِ تكلفةِ التعويضاتِ، وكمثالٍ على الحججِ ضد "إملاء-ڤرساي" يقتبسُ من إليزابيث ويسكمان التي سمعت أرملتيْ ضابطينِ في ڤيسبادن تتذمّرانِ من أنّه «بسببِ نفادِ مخزونِهما منَ الجواربِ الكتانيّةِ فقد توجّبَ عليهنَّ غسلُ الكتانِ مرةً كلَّ أسبوعينِ بدلاً من مرةٍ واحدةٍ في الشهر!»[216] [كدلالةٍ ساخرةٍ على الأزمةِ خفيفةِ الوطأةِ التي كانت تُكابدها الشريحةُ الوسطى من المجتمعِ الألماني].
كتبَ المؤرخُ الألمانيُّ ديتليف بُويكِرت أنّ ڤرسايَ كانت بعيدةً كل البعدِ عنِ "السلامِ المستحيلِ" الذي ادّعى معظمُ الألمانِ أنه كانَ خلالَ فترةِ ما بينَ الحربينِ، وعلى الرغم من أنه لا يخلو من العيوبِ فقد كانَ في الواقعِ معقولاً تماماً لألمانيا.[217] بدلاً من ذلك حاججَ بويكِرت بأنه كانَ يُعتقدُ على نطاقٍ واسعٍ في ألمانيا أن ڤرسايَ كانت معاهدةً غيرَ معقولةٍ تماماً، وكانَ هذا "التصورُ" وليسَ "حقيقةُ" معاهدةِ ڤرسايَ هوَ المهم.[217] لاحظَ بُويكِرت أنه بسببِ "الآمالِ الألفية" [نسبةً إلى ألفِ سنةٍ] -التي نشأت في ألمانيا خلال الحربِ العالميةِ الأولى وقتما بدا لبعضِ الوقتِ أن ألمانيا كانت على وشكِ غزوِ أوروبا بأسرها- فإنَ أيَّ معاهدةِ سلامٍ سيفرضها الحلفاءُ عقبَ الحربِ على الرايخِ الألماني المهزومِ كانَ من المحتّمِ أن توجدَ ردَّ فعلٍ قوميّاً عنيفاً، ولم يكُ ثمة شيءٌ يمكنُ للحلفاءِ فعله لتجنبِ ردِّ الفعلِ العنيفِ هذا.[217] علقَ بُويكِرت على أن سياسةَ التقاربِ مع القوى الغربيّةِ التي اتّبعها چوستاڤ اشترِزِمان بين عاميْ 1923 و1929 كانتْ سياساتٍ بناءةً، ولربما سمحت لألمانيا بلعبِ دورٍ أكثرَ إيجابيّةً في أوروپا، وأنه لم يك صحيحاً أن الديمقراطيّةَ الألمانيةَ كانَ محكوماً عليها بالموتِ عامَ 1919 بسبب ڤرساي.[217] أخيراً جادلَ بُويكِرت بأنَّ «الكساد الكبير» وفي الوقتِ نفسهِ التحولَ إلى سياسةٍ قوميّةٍ للاكتفاءِ الذاتي [السياسة الاقتصادية التي اتبعها هتلر بشأن إعادة البناء] في ألمانيا هوَ ما أنهى جمهوريةَ ڤايمار، وليسَ معاهدةَ ڤرساي.[217]
ذكرَ المؤرخُ الفرنسيُّ ريموند كارتييه أنَّ ملايينَ الألمانِ في إقليمَيْ السوديت، وبوزِن (بوزنان) (في پروسيا الغربيةِ) قد وُضعوا تحت حكمٍ أجنبيٍٍّ في بيئةٍ معاديةٍ، وجرى توثيقُ المضايقاتِ وانتهاكِ الحقوقِ من قبلِ السلطات. ويؤكدُ كارتييه أنه من أصلِ 1,058,000 ألمانيٍّ في بوزن عامَ 1921م هربَ 758,867 من ديارهم في غضونِ خمسِ سنواتٍ بسببِ المضايقاتِ الپولندية. أدت هذهِ الصراعاتُ العرقيّةُ الشديدةُ إلى مطالبَ عامةٍ بإعادةِ ضمِّ الأراضي المقتطعةِ لتغدوَ ذريعةَ هتلر لضمِّ تشيكوسلوڤاكيا (1939) وأجزاءٍ من پولندا.[104]
ووفقاً لديڤيد ستيفنسون فقد أبدى معظمُ المعلقينَ -منذ فتحِ الأرشيفاتِ الفرنسيّةِ- ملاحظاتٍ عن ضبطِ النفسِ الفرنسيِّ ومعقوليّةٍ في المؤتمرِ على الرغمِ من أنَّ ستيفنسون أشارَ إلى أنَّ «هيئةَ المحلفينَ كانت خارجَ الخدمةِ»، وأنه «ثمةَ دلائلُ على أنَّ نوّاسَ الحكمِ كانَ يتأرجحُ في الاتجاهِ الآخرِ».[218] [كدلالةٍ على التحيزِ الذي سادَ أروقةَ المؤتمر].
رأى المؤرخ البريطاني إيريك هوبسباوم في تقييمِ المعاهدةِ ونقاطِ ويلسونَ الأربعةَ عشرَ أن «أول رد فعلٍ غربيٍّ على نداء البلاشفة للشعوب لصنع السلام ونشرهمُ المعاهداتِ السريةَ -التي قام فيها الحلفاء بتقسيم أوروپا فيما بينهم- كانت نقاطُ الرئيس ويلسونَ الأربعة عشرَ التي لعبت بالورقة القومية ضد دعوة لينين العالمية. كان من المفترض أن تُشكِل منطقةٌ من الدول القومية الصغيرة نوعاً من حزام الحجر الصحي ضد الفيروس الأحمر. .... وكان هذا في الواقع نية صانعي السلام من الحلفاء».[219] وبالمثل رأى جون لويس چاديس: «عندما جعل وودرو ويلسون مبدأ تقرير المصير إحدى هذه النقاط الأربعة عشر كان بنيته تقويض جاذبية البلشفية».[220] وهذا الرأي له تاريخ طويل، ويمكن تلخيصه بملاحظة «راي ستانارد بيكر» الشهيرة: «لايمكن فهم پاريس بدون موسكو».[221] [بمعنى لايمكن اكتناه أهداف مؤتمر پاريس ومعاهدة ڤرساي بمنأىً عن الخطر الشيوعي].
التعديلات المناطقية
أسفرت معاهدة ڤرساي عن إنشاء عدة آلافٍ من الأميال من الحدود الجديدة، ولعبت الخرائط دوراً مركزياً في المفاوضات في باريس.[222][223] استقطبتِ الاستفتاءات العامة التي بدأت بسبب المعاهدة الكثير من التعليقات. كتب المؤرخ روبرت بيكهام أن قضية اشلزفيچ-هولشتاين «كانت مبنيةً على تبسيطٍ شاملٍ لتاريخ المنطقة. ... تجاهلت ڤرساي أي احتمالٍ لوجود طريقةٍ ثالثةٍ، كنوع الاتفاق الذي يمثله الاتحاد السويسري؛ ثنائي اللغة أو حتى بثلاث لغاتٍ. أو خيارات أخرى مثل "دولة اشليسفيغ" ضمن كونفدراليةٍ فضفاضةٍ مع الدنمارك أو ألمانيا، أو منطقة حكمٍ ذاتيٍّ تحت حماية عصبة الأمم».[224] فيما يتعلق بالاستفتاء العام في شرق بروسيا كتب المؤرخ ريتشارد بلانك أنه «لم تصدر أي مجموعةٍ عرقيةٍ أخرى متنازعٍ عليها -في ظل ظروفٍ غير قسريةٍ- بياناً أحادي الجانب بشأن تفضيلها القومي».[224] كتب ريتشارد ديبو «اعتقدت كلٌّ من برلين ووارسو أن الغزو السوفييتي لبولندا قد أثر على استفتاءات بروسيا الشرقية. بدت بولندا على وشك الانهيار لدرجة أن الناخبين البولنديين قد أدلوا بأصواتهم لصالح ألمانيا».[225]
لاحظ بلانك فيما يتعلق بالاستفتاء في سيليزيا أنه «بالنظر إلى أن ستين في المئة على الأقل من الناخبين يتحدثون البولندية، فهذا يعني أن نحو بولنديٍّ واحدٍ من أصل ثلاثةٍ قد صوّت لألمانيا»، وأن «معظم المراقبين والمؤرخين البولنديين» استنتجوا أن نتيجة الاستفتاء كانت بسببِ «المزايا الألمانية غير العادلة لشغل الوظيفة والوضع الاجتماعي والاقتصادي»، وزعم بلانك حدوث «إكراهٍ من مختلف الأنواع حتى في مواجهة نظام احتلالٍ متحالفٍ»، وأن ألمانيا منحت أصواتاً لأولئك «الذين وُلدوا في سيليزيا العليا، ولكنهم لم يعودوا يقيمون هناك». خلص بلانك إلى أنه على الرغم من هذه الاحتجاجات «فثمة الكثير من الأدلة الأخرى بما في ذلك نتائج انتخابات الرايخستاغ [البرلمان الألماني] قبل العام 1921 وبعده، والهجرة واسعة النطاق لسكان سيليزيا العليا الناطقين بالبولندية إلى ألمانيا بعد العام 1945، تدلل على أن هويتهم مع ألمانيا في العام 1921 لم تكن استثنائيةً ولا مؤقتةً»، و«كان هناك عدد كبير من الألمان والبولنديين -وليس مصادفةً أنهم من نفس الديانة الكاثوليكية- الذين لم يتشاركوا في فضاء الحياة نفسه فحسب، بل جاؤوا أيضاً في كثيرٍ من الحالات ليرَوْا أنفسهم أعضاءً في المجتمع القومي نفسه».[84] زعم الأمير "أوستاشي سابيها" -وزير الخارجية البولندي- عن روسيا السوفييتية «بأنها يبدو تتعمد تأخير مفاوضات» إنهاء الحرب البولندية-السوفييتية «بهدف التأثير على استفتاء سيليزيا العليا».[225] حالما قُسّمتِ المنطقة حاولت كلٌّ من ألمانيا وبولندا "تطهير" حصتيهما من سيليزيا العليا «عن طريق الاضطهاد مما أدى إلى هجرة الألمان إلى ألمانيا، وهجرة البولنديين إلى بولندا، لكن على الرغم من القمع والهجرة فقد بقيت "أوبول سيليزيا" Opole Silesia مختلطةً عرقياً».[82]
وكتب فرانك راسل -فيما يخصُّ استفتاء السار- بأن السكان «لم يجرِ ترويعهم في صناديق الاقتراع»، وأن «النظام الألماني الشمولي [النازي] لم يكُ مكروهاً بالنسبة إلى معظم سكان السار، وأنهم فضّلوه حتى على كفاءة حكمٍ دوليٍّ اقتصاديٍّ وخيّر». وعندما أضحت نتيجة التصويت معروفةً فرَّ 4100 (بما في ذلك ثمانمئة لاجئٍ فروا من ألمانيا سابقاً) من السكان عبر الحدود إلى فرنسا.[226]
الشروط العسكرية والانتهاكات
أراد البريطانيون أثناء صياغة المعاهدة أن تلغي ألمانيا التجنيد الإجباري، ولكن يُسمح لها بالحفاظ على جيشٍ متطوعٍ، وأراد الفرنسيون أن تحتفظ ألمانيا بجيشٍ مجندٍ يصل إلى مئتيْ ألف رجلٍ من أجل تسويغ احتفاظهم بقوةٍ مماثلةٍ، وهكذا كان نص المعاهدة على مئة ألف متطوعٍ بمثابة حلٍّ وسطٍ بين الموقفين البريطاني والفرنسي. من ناحيةٍ أخرى رأت ألمانيا أن هذه الشروط كما لو أنها تتركها بلا حمايةٍ ضد أيِّ عدوٍ محتملٍ.[227] كتب "برنادوت إيفرلي شميت" أنه «لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن حكومات الحلفاء كانت غير صادقةٍ عندما ذكرت في بداية الجزء الخامس من المعاهدة ... أنه -من أجل تسهيل التخفيض العام لتسليح جميع الدول- كان يتعين على ألمانيا نزع أسلحتها أولاً». أدى عدم التصديق الأمريكي على المعاهدة، وعدم الانضمام إلى عصبة الأمم إلى انعدام رغبة فرنسا في نزع سلاحها، مما دفع ألمانيا إلى الرغبة في إعادة التسلح.[180] جادل شميت بأنه «لو بقي الحلفاء الأربعة متحدين، لكان بإمكانهم إجبار ألمانيا على نزع سلاحها بالفعل، ولكانت تضاءلت إرادة ألمانيا وقدرتها على مقاومة الأحكام الأخرى للمعاهدة».[228]
كتب "ماكس هانتكه" و"مارك شبويرر": «وجد المؤرخون العسكريون والاقتصاديون أن الجيش الألماني تجاوز بشكلٍ ضئيلٍ حدود المعاهدة» قبل العام 1933،[229] وقد وافق "آدم توز" على ذلك، وكتب: «لوضع هذا في المنظور فإن الإنفاق العسكري السنوي لجمهورية ڤايمار لم يك يُحسب بالمليارات، ولكن بمئات الملايين من مارك الرايخ»؛ فبرنامج جمهورية فايمار - على سبيل المثال- للعام 1931 الذي بلغ 480 مليون ماركٍ ألمانيٍّ على مدار خمس سنواتٍ مقارنةً بخطة الحكومة النازية للعام 1933 لإنفاق 4.4 مليار ماركٍ ألمانيٍّ سنوياً.[230] جادل "بي. إم. إتش. بيل" بأن الحكومة البريطانية كانت على علمٍ بإعادة تسليح ڤايمار لاحقاً، وأعطت الاحترام العام للجهود الألمانية من خلال عدم معارضتها،[231] وهو رأي شاركه فيه تشرشل. كتب "نورمان ديفيز" أنه كانت هناك «رقابة غريبة» على "القيود العسكرية وهي أنها «لم تدرجِ الصواريخ في قائمة الأسلحة المحظورة»، مما أتاح لڤيرنر فون براون Wernher von Braun منطقةً للبحث فيها أفضت -في النهاية- إلى «خرْقِهِ [الذي] أتى في العام 1943»، وقاد إلى تطوير صاروخ V-2 "ڤي-2".[232]
صعود النازية
أثارت المعاهدة الكثير من الاستياء في ألمانيا، والذي استغله "أدولف هتلر" في صعوده إلى السلطة على رأس ألمانيا النازية. كان من الأمور المركزية في هذا الاعتقاد أسطورة "الطعن في الظهر" التي اعتبرتِ الجيش الألماني لم يخسرِ الحرب وإنما خانته جمهورية ڤايمار التي تفاوضت على استسلامٍ غير ضروريٍّ. أدى الكساد الكبير إلى تفاقم المشكلة وقاد إلى انهيار الاقتصاد الألماني. وعلى الرغم من أن المعاهدة ربما لم تكنِ السببَ في الانهيار، إلا أنها كانت كبش فداءٍ مناسباً. اعتبر الألمان المعاهدة بمنزلة إذلالٍ، وتشوّقوا بفارغ الصبر إلى خطاب هتلر الذي أنحى باللوم على المعاهدة في العلل التي تعاني منها ألمانيا. وعد هتلر بمعاكسة عمليات النهب لقوات الحلفاء، واستعادة الأراضي الألمانية المفقودة، وكبرياء ألمانيا، مما أفضى إلى اعتبار المعاهدة سبباً في الحرب العالمية الثانية.[233][222]
انظر أيضًا
معرض الصور
- اجتماع اليوم السابق لسريان الهدنة (10-11-1918): يساراً من الأمام إلى الخلف: ناچاي، دي روبيلاند، سونينو، أورلاندو، هاوس، بليس، آرشين كلوس، ڤنيزسلوس، ڤسنيتش.
يميناً من الخلف للأمام: بلين، فوش، پيشون، كلمنصو، لويد جورج، بونار لو، ميلنر. - الوفد الألماني الذي رفض التوقيع وانسحب من المؤتمر (1919)، (الأرشيف الاتحادي الألماني).
- داخل قاعة المرايا، الترتيبات عشية توقيع المعاهدة (27-6-1919).
- "على مائدة السلام":
كلمنصو للوفد الألماني: "تفضلوا بأخذ أماكنكم ياسادة"، (المسامير في الكراسي والأغلال على الطاولة). (1919). - مؤتمر السلام يوماً بعد يومٍ. الحج الرئاسي الذي أدى إلى اكتشاف أوروپا.
المؤلف: تشارلز تومسون (1858-1925). نشر 1920. - الصحيفة الرسمية لقانون الرايخ الألماني 1919. تنازلَ القيصر ڤيلهلم الثاني في 9-11-1918. وقّع الرئيس "فريدريش إيبرت" على إعلان دستور جمهورية ڤايمار في 11-8-1919.
- "السلام": (30-6-1919)
"النسر الألماني: سأوقع، لكن ليكن معلوماً أنه ليس بدافع الخوف".
رسم ساخر برتغالي. - مظاهرة في برلين ضد معاهدة ڤرساي بشأن بوزن ودانتزيج (1919).
- "في انتظار القرار من پاريس": ريشة كليفورد بريمان 1919. رسامو الخرائط في ترقبٍ بعد طول انتظارٍ لما سيتمخض عن مؤتمر باريسَ من حدودٍ جديدةٍ.
- "سلام الثامن والعشرين من يونيو/حزيران 1919":
القيصر الألماني السابق ڤيلهلم الثاني يوم معاهدة ڤرساي. "أخبار العالم": (29-6-1919) ريشة وليام أوربن. - جواز دانتزيچ الحرة:
كتب عليه بالألمانية "مدينة دانتزيچ الحرة"، وتحته شعار المدينة. - معاهدة نويي مع بلغاريا (صفحة التصديق).
- مقاطعات دولة النمسا-المجر: النمسا (سيسليثانيا):1) بوهيميا. 2) بوكوڤينا. 3) كارينثيا. 4) سلوڤينيا. 5) دالماتيا. 6) چاليسيا. 7) إستيريا. 8) النمسا السفلى. 9) موراڤيا. 10) سالزبورغ. 11) سيليسيا. 12) كوستنلاند. 13) التيرول. 14) النمسا العليا. 15) فورارلبرچ؛ المجر (ترانسلثانيا): 16) المجر نفسها. 17) كرواتيا؛ الملكية النمساوية-المجرية: 18) البوسنة والهرسك.
- حشد ينتظر نتائج الاستفتاء في أوبلن. (الأرشيف الاتحادي الألماني).
- حشد أمام خارطةٍ كبيرةٍ تظهر تشيكوسلوڤاكيا، الدولة الجديدة في أوروپا الوسطى.
- أراضي إقليم "السوديت" الحدوديّةِ (باللون الأخضرِ) ضمن تشيكوسلوڤاكيا.
- الجبل الأسود، وصربيا بإقليميها ذوي الحكم الذاتي؛ "فويفودينا" المقتطع من المجر، و"كوسوفو" (المستقل من جانب واحد).
- "التماس سبب":(24-1-20)،
ويلسون والأغلبية في مجلس الشيوخ يتراشقان أوحال الحملة حول المعاهدة وميثاق عصبة الأمم، فيما رجل الشارع منكباً يعلق: تباً!! كيف تتوقعون مني أن أفهم هذا؟!
بورت توماس (1881-1964). - "المتهم": (مارس/آذار 1920)
الإنسانيّةُ تدينُ مجلسَ الشيوخِ الأمريكيِّ لقتلِهِ معاهدةَ ڤرسايَ. رسمٌ أمريكي ساخرٌ. "رولين كيربي". - خريطةُ ألمانيا عامَ 1947: يتبيّنُ فيها "الممرُّ البولندي" والأراضي التابعةُ لجمهوريةِ ڤايمار (19-1933) التي اقتطعتْ بعدَ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ لصالحِ پولندا وروسيا الاتحادية (بالأبيض)، وإقليمُ السارِ في الغربِ بإدارةٍ ثلاثيّةٍ (بالأبيض).
- معاهدة ڤرساي في عيون الألمان (حوالي العام 1920). مجهولة الرسام.
- مظاهرة ضد معاهدة ڤرساي، برلين (1932)، (الأرشيف الاتحادي الألماني)
- رسم فرنسي ساخر عن معاهدة بوخارست (1918)، والتي اشترطتِ الهدنةُ إلغاءها. وفيها القيصر الألماني فيلهلم الثاني يهدد إمرأةً (رومانيا)، ويملي عليها شروط الاستسلام.
الهوامش
- من حيث الرقم المطلق لعدد الوفيات، أما نسبةً إلى عدد السكان فلربما كان الطاعون الأسود (بالإنجليزية: The Black Death) ما بين (46-1350) الأكثر فتكاً في التاريخ حيث يعتقد أن ثلث سكان أوروپا قضوا نحبهم بسببه.
- الحقُّ أنَّ مبادئَ ويلسونَ طالبتْ بإدارةٍ عادلةٍ للمستعمراتِ تخدمُ مصالحَ شعوبها، فلمْ تكُ فكرةُ "الانتدابِ" قد بزغتْ بعد.
- "ترييستي": مرفأٌ إيطاليٌّ هامٌّ على الأدرياتيك، كانتْ محلَّ نزاعٍ على السيطرةِ بينَ يوچوسلاڤيا وإيطاليا عقبَ الحرب العالمية الثانية. ذكرها الإدريسي باسمِ "إصطاجانكو": «ومنْ كرادس [(بالإيطالية: Grado)] إلى إصطاجانكو خمسةُ أميالٍ وهيَ مدينة متحضرةٌ كبيرةُ القطرِ عامرةٌ بالأجنادِ والعمّالِ والرّجالِ والتّجارِ والصّناعِ، وهيَ حصينةٌ على نهرٍ كبيرٍ يأتي إليها منْ مسافةٍ قريبةٍ لكنّهُ كبيرٌ ومنهُ شربُهمْ، وهذهِ المدينةُ على آخرِ طرفِ جُونِ البنادقةِ [الجُون: الخليج] وآخرِ بلادِ البنادقييّنَ وفُرْضةُ [أي منفذُ] بلادِ إيكلاية [(باللاتينية: Aquileia)] وفيها أسطولٌ يغزي».
من كتاب "نزهةُ المشتاقِ في اختراقِ الآفاقِ" للشريفِ الإدريسي (493-559)هـ\(1100-1166م). تعرضتِ الأقلية السلاڤونية في المدينة (نحو 25 %) لاضطهادٍ وضفوطٍ للتهجير عقب صعود الفاشية (1922). - جوبالاند: إقليمٌ يقعُ جنوبَ غربيِّ الصومالِ على خطِّ الاستواءِ بينَ الصومال من الشرقِ، وكينيا من الغربِ، وإثيوبيا من الشمالِ، والمحيط الهندي من الجنوبِ، ضمّته إيطاليا من مستعمرةِ كينيا البريطانيّةِ.
- قطاع أوزو: شريطٌ من الأرضِ الصحراويّةِ على طولِ الحدودِ الليبيّةِ-التشاديّةِ بطولِ حواليْ ستمئةِ ميلٍ، ومساحةِ حواليْ ثمانينَ ألفِ كيلومتر مربع
- معرض الصور
- لقب "چراف" Graf (ومؤنثه Gräfin) في ألمانيا لقبُ نبالةٍ خلال العهد القيصري وما قبل يقابل في فرنسا كونت أو قُمُّص (و"كونتيسة"). في العهد الجمهوري منذ 1919 أصبح قانونياً جزءاً من اسم العائلة لمن كان يحمل اللقب في السابق.
- جميع المساحات الواردة هي المساحات الحالية، وربما يكون جرى عليها تعديلٌ طفيفٌ منذ ذلك الوقت.
- Wilson's Point XIII: "an independent Polish state"... "which should be assured a free and secure access to the sea".
- فقرة تقييمات تاريخية
- أي ما يُقاربُ 768 مليار دولارٍ أمريكيٍّ بتقديراتِ عامِ 2010 (انظر: Why Did World War I Just End?", Claire Suddath, "Time" Site (موقع مجلة تايم)، 27/10/2010. اطلع عليه بتاريخ 11/02/2021.).
للمقارنة كان الناتج المحلي الإجمالي السنوي لألمانيا قبل الحرب حوالي 12 مليار دولار. - للمقارنة كانت التعويضات المفروضة على بلغاريا 100 مليون استرليني.
- صُنّفتِ الأسناد في ثلاث فئاتٍ: «إيه»، و«بي»، و«سي». توجّب على ألمانيا تسديد الأسناد فئتي «إيه» و«بي» ومجموعها 50 مليار ماركٍ ألماني (12.5 مليار دولارٍ أمريكيٍّ) دونما قيدٍ أو شرط، أما سداد أسناد «سي» -وكانت بلا فوائد- فيتوقف على قدرة ألمانيا على الدفع، وتقييم لجنة التعويضات.
- صندوق غرق (بالإنجليزية: sinking fund): هو صندوق أنشأه كيان اقتصادي عن طريق تخصيص الإيرادات على مدى فترةٍ زمنيةٍ لتمويل نفقاتٍ رأسماليةٍ مستقبليةٍ، أو سداد دينٍ طويل الأجل. يُشار إلى اقتراض الأموال عن طريق إصدار السند بالسند العائم، أما الغرق فنقيضه وهو سداد الديون أو الحصول على أصولٍ رأسماليةٍ بدون اقتراضٍ.
- المعنى الحرفي لـ"Cordon Sanitaire" (مقتبس من الفرنسية) هو "الطوق الصحي"، ويستخدم على سبيل الاستعارة (بالإنجليزية: Metaphor) ليشير بشكلٍ أساسيٍّ لـ"الاحتواء الإيديولوجي". وهو نظام التحالفات الذي أقامته فرنسا في أوروپا بعد الحرب العالمية الأولى، وتمحورت حوله الدبلوماسية الفرنسية فيما بين الحربين، وامتد من فنلندا إلى البلقان، والذي يُطوّق ألمانيا تماماً ويعزل روسيا (الاتحاد السوڤييتي) عن أوروپا الغربية، وهدف إلى تكوين طوقٍ ضاغطٍ على ألمانيا من جهة الشرق بديلٍ عن روسيا، مما أدى إلى عزل دولتين "مريضتين" سياسياً في أوروپا.
- طفل سِفاح راينلاند (بالإنجليزية: Rhineland Bastard) لقب أطلق على الأولاد الذين ولدوا نتيجة علاقاتٍ خارج الزواج مع أفراد القواتِ الاستعماريةِ الإفريقيةِ. يُذكر أن تقرير القائد العام الأمريكي أورد: "مما لا شك فيه أن حالاتٍ كثيرةً جرى فيها الاعتداء على فتياتٍ ونسوةٍ من قبل القوات الاستعمارية الفرنسية الملونة ... حالاتٍ لم يجرِ تضمينها في الأرقام الرسمية ... رغبةً طبيعيةً في الابتعاد ...". انظر المرجع الأخير.
- كانَ من مصلحةِ الولايات المتحدة الأمريكية تحررُ المستعمراتِ لفتحِ أسواقٍ جديدةٍ للبضائعِ الأمريكيّةِ.
- كانتِ النظرةُ العامّةُ إلى المستعمراتِ على أنها ممتلكاتٌ وحسبْ.
- يجدر الذكر أنه من مجموع 116,000 عاملٍ كانوا في فرنسا بين (14-1918) كان منهم 78.000 من الجزائريين، و54.000 من المغاربة. جرت أيضاً تعبئة 240.000 جزائريٍّ خدم معظمهم كجنودٍ في فرنسا، وهذا يشكل أكثر من ثلثِ الرجال الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20-40. انظر: "Gillette & Saydam (1984) P. 50".
ووفقاً للمؤرخ المغربي عبد الله العروي (بالفرنسية: Laroui) فقد جُنّد من الجزائر 173.000 جنديٍّ لقي منهم 25.000 حتوفهم، ومن تونس 56.000 قتل منهم 12.000. وقد ساعد الجنود المغاربة أيضاً في الدفاع عن باريس. انظر: Laroui (1977) PP. 12 & 351. - علماً أن "بنك سوريا ولبنان الكبير" المخوَّل بإصدار النقد السوري تأسس برساميلَ فرنسيةٍ منذ عام 1919 في پاريس، وبدأت السلطات العسكرية الفرنسية بفرض أوراقه النقدية منذ آذار/مارس 1920، (انظر "صيدا عبر حقب التاريخ: منير الخوري، ص. 324").
- يتحدث يوسف الحكيم مثلاً عن نجاح وزارة حقي العظم (1864-1955) الثانية من يونيو/حزيران 1933 إلى مايو/أيار 1934 (بعد إحدى عشرة سنةً من الانتداب الرسمي، وثلاث عشرة سنةً من الاحتلال) بتخفيض دين سوريا من سبعينَ إلى أربعةٍ وعشرين مليون ليرةٍ تركيةٍ من أصل ديون الدولة العثمانية. (انظر "سورية والانتداب الفرنسي": يوسف الحكيم، ص. 236).
يذكر أن معاهدة لوزان (1923) -التي عُقدت بديلةً عن معاهدةِ سيڤر- قد ألزمتِ الجمهوريةَ التركيةَ بسداد ثلثي الدين العثماني العام فقط. - لم تستطع كل من النمسا والمجر وتركيا سوى تسديد القليل من التعويضات أو عدم الدفع على الإطلاق بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وألغيت نتيجة ذلك طلبات التعويض. وفي حالة بلغاريا خُفّضت تعويضاتها (100 مليون استرليني) بعد دفع جزءٍ يسيرٍ فقط، ثم ألغيت لاحقاً.
- اعتبر أنه كان على هذه الصيغة أن تكون: " Germany accepts responsibility of Germany and her allies causing all the loss and damage...": "ألمانيا تقبل مسؤولية ألمانيا وحلفائها بالتسبب بكلِّ الخسائر والأضرار..."
- بلغ مجموع ما حصلت عليه أستراليا من تعويضاتٍ عن مشاركتها في الحرب أكثر بقليلٍ من خمسة ملايين ونصف مليون جنيهٍ إسترليني (5,571,720 ₤)، بينما قدرتِ التكلفة الحقيقية لمشاركتها بنحو سبعةٍ وسبعين وثلاثمئةِ مليونٍ (376,993,052 ₤). انظر: Souter (2000)، ص. 354.
مثالٌ على الخسائر الفادحة الناتجة عن الحرب. - سياسة أستراليا البيضاء: مصطلح يلخص مجموعةً من السياساتِ العرقيةِ التاريخيةِ منذ عام 1901 الهادفةِ لمنع الأشخاص من أصولٍ عرقيةٍ غير أوروپيةٍ -خاصةً الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادي- من الهجرة إلى أستراليا. قامتِ الحكومات الأسترالية اللاحقة بتفكيك مثل هذه السياسات تدريجيّاً بين العامين 1949 و1973.
- مما ورد في كلمة ماكينو: «كان الهدف الكامل من الرابطة [عصبة الأمم المقترحة] هو تنظيم سلوك الأمم والشعوب تجاه بعضها بعضاً طبقاً لمعيارٍ أخلاقيٍّ أعلى مما كان سائداً في الماضي، وإقامة العدل في جميع أنحاء العالم»، وفي هذا الصدد كانت أخطاء التمييز العنصري -ولا تزال- مصدر «استياءٍ عميقٍ من جانب أعداد كبيرةٍ من الجنس البشري»، مما أثّر بشكلٍ مباشرٍ على حقوقهم واعتزازهم. وقال إن العديد من الدول قاتلت في الحرب الأخيرة لإنشاء نظامٍ دوليٍّ جديدٍ، وارتفعت آمال مواطنيها الآن إلى آفاقٍ جديدةٍ مع النصر. وبالنظر إلى أهداف الرابطة، وأخطاء الماضي، وتطلعات المستقبل قال ماكينو بأنه ينبغي لقادة العالم المجتمعين في باريس أن يعلنوا صراحةً دعمهم «لمبدأ المساواة بين الدول والمعاملة العادلة لرعاياهم».
انظر: Lauren (1978)، ص. 270. - الرئيس وودرو ويلسون في حديثٍ عن "عصبة الأمم" أمام جمهور مأدبة غداءٍ في بورتلاند.
- "السلام القرطاجي": استعارة مجازية تعني فرض "سلامٍ" وحشيٍّ للغاية يهدف إلى شلِّ الطرف الخاسر بشكلٍ دائمٍ. اشتق المصطلح من شروط السلام التي فرضتها الجمهورية الرومانية على الإمبراطورية القرطاجية في أعقاب الحروب البونية (بالإنجليزية: Punic Wars) الثلاث، والتي ربما كانتِ الشروط الأفدح التي سجلها التاريخ. بعد الحرب البونية الثانية خسرت قرطاجة جميع مستعمراتها، وأجبرت على التجريد من السلاح، ودفعِ جزيةٍ دائمةٍ لروما، ومُنعت من شنِّ حربٍ دونما إذنٍ من روما. في نهاية الحرب البونية الثالثة أحرق الرومان قرطاجة، واسترقّوا سكانها. اشتهر المصطلح على مستوىً عالميٍّ بعدما استعاره كينز لوصف معاهدة ڤرساي.
- تقول "سالي ماركس" في مقالةٍ لها في نقد كتاب كينز: «لما يقرب من أربعين عاماً جادل مؤرخو دبلوماسية القرن العشرين بأن معاهدة فرساي كانت أكثر منطقيةً مما توحي به سمعتها، وأنها لم تسبب بحد ذاتها الكساد أو صعود هتلر أو الحرب العالمية الثانية»(ص. 632). تدعي ماركس أيضاً أن الكتاب «جدال لامع، لكنه مشوه»(ص. 636)، وأنه «فقدَ عند البحاثة مصداقيته منذ فترةٍ طويلةٍ»، وأن كينز ندم على كتابته(ص. 656). انظر: ماركس: "أخطاء وأساطير: الحلفاء، وألمانيا، ومعاهدة ڤرساي، 1918-1921"، مجلة التاريخ المعاصر، عدد 85، جزء 3، (سبتمبر 2013)، ص ص. 632–659. doi:10.1086/670825. JSTOR 10.1086/670825. S2CID 154166326.
- لا بد من الإشارة إلى أن القطاع المصرفي الأمريكي وجد في نتائج الحرب -عندما خرجت جميع الدول المشاركة على شفير الإفلاس عدا الولايات المتحدة التي غدت الأكثرَ ثراءً على مستوى العالم- وجد فيها فرصةً ذهبيةً للاستثمار وإعادة تدوير الرساميل المصرفية بتشجيع تمويل الاقتصادات المدمرة، ومن هنا التفسير -ولو جزئياً- للأرقام الفلكية للتعويضات على أنها استثمار مصرفي أمريكي عن طريق إقراض ألمانيا.
يعتبر المؤرخ "ستيفان آلان شوكر" -مثلاً- بشأن التعويضات (19-1933) أن تدفق رأس المال الأمريكي تجاوز بشكلٍ كبيرٍ المدفوعاتِ الألمانيةَ، بحيث تلقت ألمانيا دعماً بلغ أربعة أضعاف المبلغ الذي اتُفق عليه في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. انظر: Masood (2018). "Promise to Pay (Vol. I): Banks, Battles & Bellies". K. M. Rizvi (Independently Published). ISBN 978-1-7920-9582-5. مؤرشف من الأصل في 22 يوليو 2021. (بالإنجليزية).
المراجع
مسرد المراجع
- Treaty of Versailles Preamble نسخة محفوظة 2019-05-03 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles Signatures and Protocol نسخة محفوظة 2019-05-04 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part VII نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part III نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part XII نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part VIII نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.
- Beller 2007، صفحة 182-95.
- Bessel 1993، صفحة 47–48.
- Hardach 1987، صفحة 183–84.
- Simkins 2002، صفحة 71.
- Tucker & Roberts 2005، صفحة 638.
- Schmitt 1960، صفحة 101.
- Schmitt 1960، صفحة 102.
- Weinberg 1994، صفحة 8.
- Boyer et al. 2009، صفحة 526.
- Edmonds 1943، صفحة 1.
- Martel 1999، صفحة 18.
- Grebler 1940، صفحة 78.
- Mowat 1968، صفحة 213.
- Fuller 1993.
- Marks 2013، صفحة 650.
- March & 1919 Brussels agreement.
- Paul، صفحة 145.
- Marks 2013، صفحة 651.
- Proceedings of the National Assembly 1919، صفحات 631–635.
- Deutsche Allgemeine Zeitung 1919.
- Roerkohl 1991، صفحة 348.
- Rudloff 1998، صفحة 184.
- Rubner 1919، صفحة 15.
- Common Sense (London) 5 July 1919.
- Bane 1942، صفحة 791.
- Link 1972، صفحات 252–282.
- Tucker & Roberts 2005، صفحة 429.
- Cooper 2011، صفحات 422–424.
- Rogers 1964، صفحات 260-462.
- Jeffery K. Taubenberger and David M. Morens. 1918 Influenza: the Mother of All Pandemics. CDC:history نسخة محفوظة 2011-09-03 على موقع واي باك مشين.
- Spanish flu facts. Channel 4 news. retrieved 1 May 2009 [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 2010-01-27 على موقع واي باك مشين.
- The 'bird flu' that killed 40 million. BBC News. October 19, 2005. نسخة محفوظة 2017-11-07 على موقع واي باك مشين.
- "What really happened during the 1918 influenza pandemic? The importance of bacterial secondary infections"، The Journal of Infectious Diseases، 196 (11): 1717–1718, author reply 1718–1719، ديسمبر 2007، doi:10.1086/522355، PMID 18008258.
- "The 1918 influenza pandemic: Insights for the 21st century"، The Journal of Infectious Diseases، 195 (7): 1018–1028، أبريل 2007، doi:10.1086/511989، PMID 17330793.
- Andrew Price-Smith, Contagion and Chaos, MIT Press, 2009.
- Slavicek 2010، صفحة 37.
- Lentin 1985، صفحة 84.
- Weinberg 1994، صفحة 12.
- Slavicek 2010، صفحات 40–1.
- Venzon 1999، صفحة 439.
- Lentin 2012، صفحة 22.
- Thomson, David 1970، صفحة 605.
- Haigh, Christopher, ed. 1990.
- Slavicek, Louise Chipley 2010، صفحة 43-44.
- Schmitt, Bernadotte 1960، صفحة 104 (1): 101–110.
- Brezina, Corona (2006), Primary Sources of American Treaties.
- Yearwood, Peter J. (2009), Guarantee of Peace.
- Slavicek, Louise Chipley 2010.
- Keynes 1920.
- Keylor, William R. 1998، صفحة 34.
- Lentin, Antony & 1992 Vol. 42 no. 12، صفحة 28.
- Lentin, Antony & 1992 Vol. 42 no. 12، صفحة 28–32.
- Trachtenberg & Marc 1982، صفحة 17 (3): 487–506.
- Trachtenberg & Marc 1982، صفحة 17 (3): 490.
- Cooper, John Milton 2011، صفحة 454 & 505.
- Brezina, Corona 2006، صفحة 21.
- Slavicek, Louise Chipley 2010، صفحة 46 & 7.
- Slavicek, Louise Chipley 2010، صفحة 65.
- Macmillan, ch 22.
- Burgwyn, H. James (1993)، Legend of the Mutilated Victory: Italy, the Great War and the Paris Peace Conference, 1915–1919.
{{استشهاد بكتاب}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|مسارالأرشيف=
(مساعدة) - Boemeke, Feldman & Glaser 1998، صفحة 537–538.
- Binkley & Mahr 1926، صفحة 399.
- Craig & Gilbert 1994، صفحة 141.
- Probst 2019.
- W-R: "shrivelled hand" speech.
- Slavicek, Louise Chipley 2010، صفحة 114.
- Treaty of Versailles نسخة محفوظة 2019-05-03 على موقع واي باك مشين.
- Austrian treaty signed in amity". نيويورك تايمز، 11 سبتمبر 1919، صفحة 12، مؤرشف من الأصل في 19 فبراير 2014.
- Neuilly-sur-Seine official site (بالفرنسية)، نسخة محفوظة 19 نوفمبر 2008، على موقع واي باك مشين.
- "A kartográfia története" (باللغة المجرية). Babits Publishing Company، مؤرشف من الأصل في 10 يوليو 2006، اطلع عليه بتاريخ 29 أيار 2021.
- Treaty of peace with Turkey, signed at Sèvres, August 10, 1920
- Truitt, Wesley B. 2010.
- Martin 2007، صفحة xiii.
- Russell, Frank M. 1951، صفحة 103-106.
- Reinach, Joseph 1920.
- Ther & Siljak 2001، صفحة 123.
- Bartov & Weitz 2013، صفحة 490.
- Bullivant, Giles & Pape 1999، صفحات 43–44.
- Albrecht-Carrie 1940، صفحة 9.
- Steiner 2007.
- Peckham, Robert Shannan, ed. 2003.
- Effectives and Cadres of the German Army نسخة محفوظة 2019-04-27 على موقع واي باك مشين.
- « La demande italienne d’application du pacte de Londres », article du site Prassi Italiana di Diritto Internazionale du Conseil National de la Recherche نسخة محفوظة 03 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- Text of the Treaty of Saint-Germain-en-Laye نسخة محفوظة 2018-10-04 على موقع واي باك مشين.
- Brook-Shepherd، صفحة 245.
- Arno J. Mayer 1967، صفحة 369.
- Francis Deak 1942، صفحة 45.
- Miller, Vol. IV, Document 246، صفحة 209.
- Bruegel, Johann Wolfgang 1973، صفحة 45.
- "WWI Casualty and Death Tables". PBS. Archived from the original on 3 October 2016. Retrieved 28 July 2018.
- Neuilly-sur-Seine official site(in French) [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 2008-11-19 على موقع واي باك مشين.
- Mintchev, Veselin & October 1999 Vol. 3 no. 99، صفحة 124.
- "Avalon Project - President Woodrow Wilson's Fourteen Points". avalon.law.yale.edu. Retrieved 2015-12-20.
- Frucht, Richard, ed. 2004، صفحة 24.
- Martin, Lawrence 2007، صفحة iii.
- Brezina, Corona 2006، صفحة 34.
- Boemeke, Manfred F.; Feldman, Gerald D. & Glaser, Elisabeth, eds. 1998، صفحة 325.
- عن مصير هؤلاء السكان وحسْبَ الأب لوثار جروب (28 أغسطس/آبَ 2004) في مقالة «البحث عن الألمان» في الشرق: «لم يبدأ الاضطهادُ مع «الأحدِ الدامي في برومبيرج» قبل 50 عاماً». ومن بين 1,058,000 ألمانيٍّ كانوا مازالوا يعيشون في بوزن وپروسيا الغربية عامَ 1921 وجدَ كارتييه: «بحلولِ عام 1926 هاجرَ 758,867 تحت الضغطِ الپولندي. وبعد مزيدٍ من المحنةِ قدرتْ وزارة الداخليةِ في وارسو عددَ السكان من أصلٍ ألمانيٍّ في 15 يوليو/تموز 1939 بأقل من ثلاثمئةِ ألفِ (300,000) شخص».
(الصحيفة العامة الپروسية Preussische Allgemeine Zeitung (بالألمانية)، (28 أغسطس/آبَ 2004)، (Retrieved 22 Seb. 2010 - استرجعتْ في 22 سبتمبر/أيلول 2010). - Part_XIV Treaty of Versailles, Article 430-Western Europe نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Maria Wardzyńska 2009، صفحة 36-37.
- Mason 1946، صفحة 5-11.
- Levine 1970، صفحة 102.
- Part_XIV Treaty of Versailles, Article 430-Western Europe نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين.
- Shuster 2006.
- Part_V Treaty of Versailles, preamble. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 159, 160, 163 & Table I. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 173, 174, 175, 176. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 161, 162, 176. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 41, 42, 180. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 115. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 165, 170, 171, 172, 198 & Tables II & III. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 181, 190. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_V Treaty of Versailles, Articles 198, 201 & 202 نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- "مؤتمر سان ريمو على موقع britannica.com"، britannica.com، مؤرشف من الأصل في 8 مايو 2020.
- Martel, Gordon, ed. 2010، صفحة 156..
- Marks 1978، صفحات 236–237.
- Ferguson 1998، صفحة 414.
- Marks 1978، صفحات 223–234.
- Kramer 2008، صفحة 10.
- Martel 2010، صفحة 156.
- BBC News (10 مايو/أيار 2006)، What's a little debt between friends? (Technical report) (باللغة الإنجليزية).
{{استشهاد بتقرير فني}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة)، يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|مؤلفون مشاركون=
(مساعدة) نسخة محفوظة 06 سبتمبر/أيلول 2018 على موقع واي باك مشين. - Why Did World War I Just End?" By Claire Suddath, Monday, Oct. 04, 2010", Time موقع مجلة "تايم". مؤرشف من الأصل في 17 أغسطس 2013. اطلع عليه بتاريخ 01 مارس/آذار 2021.
- Fergusson 1999، صفحة 38.
- Part_XIV Treaty of Versailles, Article 428. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_XIV Treaty of Versailles, Article 429. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_XIV Treaty of Versailles, Article 430. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Martin Gilbert and Richard Gott 2000، صفحة 41.
- Emmerson، صفحة 22-23.
- Emmerson، صفحة 23 & 97.
- Shore, p.، صفحة 7.
- Weinberg 1970، صفحة 239.
- Emmerson، صفحة 25.
- Young 1996، صفحة 19-21.
- Young 1996، صفحة 21.
- Müller, Klaus Jürgen 1987، صفحة 48.
- Pawley 2008، صفحة 84.
- Liverman 1996، صفحة 92.
- Pawley 2008، صفحة 2.
- Collar 2012، صفحة 78.
- Pawley 2008، صفحة 117.
- Mommsen & Foster 1988، صفحة 273.
- Pawley 2008، صفحات 181–182.
- Jacobson 1972، صفحة 135.
- Williamson 2017، صفحات 19, 245.
- Edmonds 1943، صفحة 147.
- Williamson 2017، صفحات 246–247.
- Pawley 2008، صفحة 94.
- McDougall 1978، صفحة 155.
- "Finds Negro troops orderly on Rhine" (PDF)، The New York Times، 20 فبراير 1921، مؤرشف من الأصل (PDF) في 12 أبريل 2020،
Undoubtedly many cases have occurred where many girls or women have been assaulted by of the French colored Colonial troops...cases which were not included in official figures...natural desire to keep out...
- Appiah & Gates 2005، صفحة 781.
- Baker 2004، صفحة 21.
- Mommsen & Foster 1988، صفحة 129.
- Pawley 2008، صفحة 87.
- Nelson 1975، صفحات 251–252.
- Part_I Treaty of Versailles. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_XIII Treaty of Versailles, preamble and Article 388. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- Part_X Treaty of Versailles, Article 295. نسخة محفوظة 2019-03-08 على موقع واي باك مشين. مؤرشف من الأصل (14-2-2008). اطلع عليه في (3-5-2007).
- "Article 22"، The Covenant of the League of Nations [ميثاق عصبة الأمم] (باللغة الإنجليزية)، 1924 [1924].
{{استشهاد بكتاب}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|مسارالأرشيف=
(مساعدة) مؤرشف من الأصل في 19 مايو 2019. اطلع عليه بتاريخ 20 أبريل 2009. - فؤاد مفرج 1933.
- Gillette & Saydam 1984.
- Laroui 1977.
- يوسف الحكيم 1983.
-
قسم البحوث والدراسات (24 مايو 2006)، "معاهدة سيفر 1920" (HTML)، الجزيرة نت، الدوحة: قناة الجزيرة الإخبارية، اطلع عليه بتاريخ 21 مارس 2022.
{{استشهاد ويب}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|شهر=
(مساعدة) - ستيفن همسلي لونغريغ 1958، صفحة 114.
- Marshall, Ernest (8 فبراير 1919)، "Desires of Hedjaz Stir Paris Critics" (PDF)، New York Times، مؤرشف من الأصل (PDF) في 17 ديسمبر 2019.
- Binkley & Mahr 1926.
- Morrow 2005.
- Boemeke, Feldman & Glaser 1998.
- Hagen 1998.
- Albrecht-Carrié 1940.
- Lovin 1997، صفحات 9 & 96.
- Stevenson 1998، صفحة 10.
- Souter 2000، صفحة 354.
- Schmitt 1960، صفحة 104.
- Bell 1997، صفحة 22.
- Brown 1994، صفحة 197–198.
- Brown 1994، صفحة 201-203.
- Slavicek 2010، صفحة 75.
- Sontag 1971، صفحة 22.
- Tucker & Roberts 2005، صفحة 426.
- Ripsman 2004، صفحة 110.
- Henig 1995، صفحة 52.
- Gregor 1979.
- de Meneses n.d..
- Dreyer 2015، صفحة 60.
- EB: May Fourth Movement.
- Arnander & Wood 2016.
- Lauren 1978، صفحات 257–278.
- Kawamura 1997، صفحات 503–526.
- Bailey 1945.
- Widenor 1980.
- Stone 1973.
- Cooper 2011، ch 22–23.
- Duff 1968، صفحات 582–598.
- Wimer & Wimer 1967، صفحات 13–24.
- The New York Times 1921.
- Schiff 1996.
- TNA: The Great War 1914 to 1918 n.d..
- Hantke & Spoerer 2010، صفحات 849–864.
- Henig 1984، صفحة 65.
- Marks 2013، صفحات 632–659.
- Weinberg 2008، صفحة 16.
- Barnett 2002، صفحة 392.
- Barnett 2002، صفحة 316.
- Barnett 2002، صفحة 318.
- Barnett 2002، صفحة 319.
- Evans 1989، صفحة 107.
- Thompson n.d..
- BBC Bitesize.
- Tampke 2017، صفحة vii,xii.
- Peukert 1992، صفحة 278.
- Stevenson 1998، صفحة 11.
- Hobsbawm 1994، صفحة 67.
- Gaddis 2005، صفحة 121.
- McFadden 1993، صفحة 191.
- Kent 2019، صفحات 275–279.
- Altic 2016، صفحات 179–198.
- Ingrao & Szabo 2007، صفحة 262.
- Debo 1992، صفحة 335.
- Russell 1951، صفحات 103–106.
- Schmitt 1960، صفحات 104–105.
- Schmitt 1960، صفحة 108.
- Hantke & Spoerer 2010، صفحة 852.
- Tooze 2007، صفحات 26, 53–54.
- Bell 1997، صفحة 229.
- Davies 2007، صفحة 416.
- Wilde 2020.
الكتب
- باللغة العربية
- يوسف الحكيم (1991) [1983]، سورية والانتداب الفرنسي، بيروت، لبنان، (ط. الثانية، نسخة pdf)، دار النهار للنشر.
- فؤاد مفرج (1933)، رسالةٌ في الانتدابِ، بيروت (لبنان) (ط. الأولى - نسخة pdf)، مطبعةُ صادرَ.
- ستيفن همسلي لونغريغ (دونما تاريخ، الطبعة الإنجليزية 1958)، تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي [Syria and Lebanon under French Mandate]، بيروت، لبنان، ترجمة بيار عقل (ط. الأولى، نسخة pdf)، دار الحقيقة.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة)
- بلغات أجنبية
- Christopher Arnander؛ Frances Wood (2016)، "Introduction". The Betrayed Ally, China in the Great War. Pen and Sword (باللغة الإنجليزية)، New York: The Macmillan Company – via Internet Archive، ISBN 978-147387501-2.
- Thomas A. Bailey (1945)، Woodrow Wilson and the Great Betrayal (باللغة الإنجليزية)، New York: The Macmillan Company، – عبر Internet Archive.
- S.L. Bane (1942)، The Blockade of Germany after the Armistice (باللغة الإنجليزية)، Stanford University Press.
- Correlli Barnett (1986)، The Collapse of British Power (باللغة الإنجليزية)، Prometheus Books، ISBN 978-039103-439-6.
- Correlli Barnett (2002)، The Collapse of British Power. "Pride and Fall" sequence (باللغة الإنجليزية)، London: Pan.، ISBN 978-033049181-5.
- P.M.H. Bell (1997) [1986]، The Origins of the Second World War in Europe (باللغة الإنجليزية) (ط. الثانية)، London: Pearson، ISBN 978-058230-470-3.
- Steven Beller (2007)، A Concise History of Austria. Cambridge Concise Histories (باللغة الإنجليزية)، Cambridge: Cambridge University Press (via Internet Archive)، ISBN 978-052147-886-1.
- Richard Bessel (1993)، Germany After the First World War (باللغة الإنجليزية)، Oxford: Oxford University Press، ISBN 978-019821-938-5.
- Manfred F. Boemeke؛ Gerald D. Feldman؛ Elisabeth Glaser (1998)، Versailles: A Reassessment after 75 Years (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، Cambridge: Publications of the German Historical Institute, Cambridge University Press.، ISBN 978-052162-132-8.
- Paul S. Boyer؛ Clifford E. Clark؛ Sandra Hawley؛ Joseph F. Kett؛ Andrew Rieser (2009)، The Enduring Vision: A History of the American People, Volume 2: From 1865 (باللغة الإنجليزية)، Oxford and New York: Cengage Learning، ISBN 978-054722-278-3.
- Corona Brezina (2006)، The Treaty of Versailles, 1919: A Primary Source Examination of the Treaty That Ended World War I. Primary Sources of American Treaties (باللغة الإنجليزية)، London: Rosen Central.، ISBN 978-140420-442-3 – عبر Internet Archive.
- Judith M. Brown (1994)، Modern India: The Origins of an Asian Democracy (باللغة الإنجليزية)، Oxford and New York: Oxford University Press، ISBN 0-19-873113-2.
- Johann Wolfgang Bruegel (1973)، Czechoslovakia Before Munich (باللغة الإنجليزية)، Cambridge: Cambridge University Press.
- مؤرشف من الأصل في 28/1/2020، اطلع عليه بتاريخ 22/3/2021.
- H. James Burgwyn (1993)، Legend of the Mutilated Victory: Italy, the Great War and the Paris Peace Conference, 1915–1919 (باللغة الإنجليزية).
- John Milton Cooper (2011)، Woodrow Wilson: A Biography (باللغة الإنجليزية)، Vintage Books، ISBN 978-030727790-9.
- Gordon Alexander Craig؛ Felix Gilbert (1994) [1953]، The Diplomats 1919–1939 (باللغة الإنجليزية)، Princeton NJ: Princeton University Press، ISBN 978-0-691-03660-1.
- Francis Deak (1942)، Hungary at the Paris Peace Conference. The Diplomatic History of the Treaty of Trianon (باللغة الإنجليزية)، New York: Columbia University Press.
- J. T. Emmerson (1977)، The Rhineland Crisis 7 March 1936 A Study in Multilateral Diplomacy (باللغة الإنجليزية)، Iowa State: Ames: Iowa State University Press.
- Richard J. Evans (1989)، In Hitler's Shadow: West German Historians and the Attempt to Escape from the Nazi Past (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، Pantheon Books، ISBN 978-067972-348-6 – عبر Internet Archive.
- Ferguson, Niall (1999)، The Pity of War، New York: Basic Books، ISBN 0-465-05711-X، OCLC 41124439.
- Richard Frucht (2004)، Eastern Europe: An Introduction to the People, Lands, and Culture (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، ABC-CLIO.، ISBN 978-157607-800-6 – عبر Internet Archive.
- J.F.C. Fuller (1940)، The Second World War, 1939-45 A Strategical And Tactical History (باللغة الإنجليزية)، Da Capo Press، ISBN 978-030680506-6.
- Martin Gilbert؛ Richard Gott (2000)، The Appeasers (باللغة الإنجليزية)، Phoenix Press.
- Alain Gillette؛ Abdelmalek Saydam (1984)، L'immigration algérienne en France (باللغة الفرنسية) (ط. الثانية)، Editions Entente، ISBN 2-7266-0018-2.
- Leo Grebler (1940)، The Cost of the World War to Germany and Austria-Hungary (باللغة الإنجليزية)، Yale University Press.
- Gregor, Anthony James (1979)، Young Mussolini and the intellectual origins of fascism (باللغة الإنجليزية)، Berkeley and Los Angeles, California, USA; London, England, UK: University of California Press.
- Gerd Hardach؛ Richard Gott (1987)، The First World War, 1914–1918 (باللغة الإنجليزية)، Penguin، ISBN 978-014022-679-9.
- Christopher Haigh (1990)، The Cambridge Historical Encyclopedia of Great Britain and Ireland (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، Cambridge: Cambridge University Press.، ISBN 978-052139-552-6 – عبر Internet Archive.
- Ruth Henig (1995) [1984]، Versailles and After: 1919–1933 (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، London: Routledge، ISBN 978-041512710-3.
- E. J. Hobsbawm (1994)، The Age of Extremes: The Short Twentieth Century, 1914–1991 (باللغة الإنجليزية)، London: Michael Joseph، ISBN 978-0718133078.
- William R. Keylor (1998)، The Legacy of the Great War: Peacemaking, 1919. (باللغة الإنجليزية)، Boston and New York: (Archived from the original on October 2013) Houghton Mifflin، ISBN 0-669-41711-4.
- مؤرشف من المصدر في أكتوبر 2013.
- John Maynard Keynes (1920)، The Economic Consequences of the Peace (باللغة الإنجليزية)، London: Harcourt Brace and Howe.
- Abdallah Laroui (1977)، History of the Maghreb (باللغة الإنجليزية)، ترجمة Translated by Ralph Manheim، Princeton University Press، ISBN 0-691-03109-6.
- Antony Lentin (1992)، "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919" (باللغة الإنجليزية)، London: Harcourt Brace and Howe.
- Herbert S. Levine (1970)، Hitler's Free City: A History of the Nazi Party in Danzig, 1925–39 (باللغة الإنجليزية)، Chicago: University of Chicago Press.
- Link, Arthur S. (1972)، Woodrow Wilson and the Progressive Era, 1910–1917، New York: Harper & Row، ص. 252–282.
- Gordon Martel (1992)، A Companion to Europe 1900–1945 (باللغة الإنجليزية)، .Hoboken NJ: Wiley-Blackwell، ISBN 978-1-444-33840-9.
- Mason, John Brown (1946)، The Danzig Dilemma, A Study in Peacemaking by Compromise (باللغة الإنجليزية)، California State: Stanford University Press (Retrieved 2011-04-26)، ISBN 978-0-8047-2444-9.
- Arno J. Mayer (1967)، Politics and Diplomacy of Peacemaking. Containment and Counterrevolution at Versailles, 1918–1919 (باللغة الإنجليزية)، New York: Manchester University Press.
- David W. McFadden (1993)، Alternative Paths: Soviets and Americans, 1917–1920 (باللغة الإنجليزية)، New York: Oxford University Press، ISBN 978-0-195-36115-5. نسخة مؤرشفة من الأصل بتاريخ 17 فبراير 2015، اطلع عليه 1 يونيو 2021.
- C. L. Mowat (1968)، The Shifting Balance of World Forces 1898-1945 - The New Cambridge Modern History (Volume XII) (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، Cambridge: Cambridge University Press، ISBN 978-052104-551-3.
- Klaus Jürgen Müller (1987)، The Army, Politics and Society in Germany, 1933–1945 (باللغة الإنجليزية)، Manchester: Manchester University Press.
- C. Paul (1987)، The politics of hunger: the allied blockade of Germany, 1915–1919 (باللغة الإنجليزية)، Ohio University: USA: Athens, Ohio: Ohio University Press، ISBN 978-0-8214-0831-5.
- Robert Shannan Peckham (2003)، Rethinking Heritage: Cultures and Politics in Europe (باللغة الإنجليزية) (ط. الأولى)، I.B.Tauris، ISBN 978-186064-796-3.
- Detlev Peukert (1992)، The Weimar Republic: The Crisis of Classical Modernity (باللغة الإنجليزية)، ترجمة Richard Deveson، Hill & Wang، ISBN 978-080909674-9.
- Joseph Reinach (1920)، Le rôle de l'impératrice Eugénie en septembre et octobre 1870. Revue d'Histoire du XIXe siècle – 1848 (باللغة الفرنسية)، Société d'Histoire de la Révolution de 1848.
- Anne Roerkohl (1991)، Hungerblockade und Heimatfront: Die kommunale Lebensmittelversorgung in Westfalen während des Ersten Weltkrieges [The hunger blockade and the home front: communal food supply in Westphalia during World War I] (باللغة الألمانية)، Stuttgart: Franz Steiner.
- Wilfried Rudloff (1998)، Die Wohlfahrtsstadt: Kommunale Ernährungs-, Fürsorge, und Wohnungspolitik am Beispiel Münchens 1910-1933 (باللغة Gr)، Göttingen: Vandenhooeck & Ruprecht.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة CS1: لغة غير مدعومة (link)
- Judith Ann Schiff (1 أغسطس 1996)، Bibliographical Introduction to "Diary, Reminiscences and Memories of Colonel Edward M. House (باللغة الإنجليزية)، Yale University Library and Social Science Statistical Laboratory.
- Hagen Schulze (1998)، Germany: A New History، Cambridge-Massachusetts State: Harvard University Press (Archived from the original on 8 January 2020).
- Richard Shuster (2006)، German Disarmament After World War I: The Diplomacy of International Arms Inspection 1912–1931. Strategy and History (باللغة الإنجليزية)، New York: Routledge، ISBN 978-041535808-8.
- Peter Simkins (2002)، The First World War: Volume 3 The Western Front 1917-1918 (باللغة الإنجليزية)، Osprey Publishing، ISBN 978-184176-348-4.
- Louise Chipley Slavicek (2010)، The Treaty of Versailles. Milestones in Modern World History (باللغة الإنجليزية)، Chelsea House Publications. (ردمك 978160413279)
- Gavin Souter (2000)، Lion & Kangaroo: the initiation of Australia، Melbourne: Text Publishing، OCLC 222801639.
- David Stevenson (1998)، France at the Paris Peace Conference: Addressing the Dilemmas of Security". French Foreign and Defence Policy, 1918–1940: The Decline and Fall of a Great Power (باللغة الإنجليزية)، New York: Routledge، ISBN 978-0-415-15039-2.
- Ralph A. Stone (1973)، The Irreconcilables: The Fight Against the League of Nations (باللغة الإنجليزية)، W. W. Norton & Co.، ISBN 978-039300671-1.
- Jürgen Tampke (2010)، A Perfidious Distortion of History (باللغة الإنجليزية)، Melbourne: Scribe، ISBN 978-192532-1-944.
- David Thomson (1970)، Europe Since Napoleon (باللغة الإنجليزية)، Penguin Books.
- TNA (The National Archive) (n.d)، The Great War 1914 to 1918 (باللغة الإنجليزية).
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة) - Wesley B. Truitt (2010)، Power and Policy: Lessons for Leaders in Government and Business (باللغة الإنجليزية)، Praeger، ISBN 978-031338-240-6.
- Spencer C. Tucker؛ Priscilla Roberts (2005)، The Encyclopedia of World War I: A Political, Social, and Military History (باللغة الإنجليزية)، Praeger، ISBN 978-185109-420-2.
- The Avalon Project (2013)، The Versailles Treaty June 28, 1919: Part III (باللغة الإنجليزية)، Connecticut State. USA: Yale Law School (Retrieved 2015-12-20).
- The Avalon Project، President Woodrow Wilson's Fourteen Points (باللغة الإنجليزية)، Connecticut State. USA: Yale Law School.
- مؤرشف من الأصل بتاريخ 14 فبراير 2008، مسترجع بتاريخ 3 مايو 2007.
- Archived from the original on February 14, 2008. Retrieved May 3, 2007
- The Avalon Project، League of Nations (1924). The Covenant of the League of Nations: Article 22 (باللغة الإنجليزية)، Connecticut State. USA: Yale Law School.
- (مؤرشف من الأصل بتاريخ 19 مايو 2019. اطلع عليه بتاريخ 20 أبريل 2009)
- Maria Wardzyńska (2009) [1939]، Operacja niemieckiej policji bezpieczeństwa w Polsce (باللغة البولندية)، Warszawa: Intelligenzaktion, IPN.
- Gerhard Weinberg (1994)، A World at Arms: A Global History of World War II (باللغة الإنجليزية)، Cambridge: Cambridge University Press، ISBN 0-52144-317-2 – عبر Internet Archive.
- Gerhard L. Weinberg (2008) [1995]، Germany, Hitler, and World War II: Essays in Modern German and World History (باللغة الإنجليزية)، Cambridge: Cambridge University Press، ISBN 978-052156626-1.
- Gerhard Weinberg (2013)، Hitler's Foreign Policy 1933–1939: The Road to World War II (باللغة الإنجليزية)، New York: Enigma Books.
- William C. Widenor (2013)، Henry Cabot Lodge and the Search for an American Foreign Policy (باللغة الإنجليزية)، California State. USA: University of California Press، ISBN 0-520-04962-4.
- Peter J. Yearwood (2009) [1995]، Guarantee of Peace: The League of Nations in British Policy 1914-1925 (باللغة الإنجليزية)، Oxford: Oxford University Press، ISBN 978-019922-673-3.
- Robert Young (1996)، France and the Origins of the Second World War (باللغة الإنجليزية)، New York: St. Martin's Press، ISBN 0312161867.
المجلات
- JF. Brundage؛ GD. Shanks (ديسمبر 2007)، "What really happened during the 1918 influenza pandemic? The importance of bacterial secondary infections"، The Journal of Infectious Diseases (باللغة الإنجليزية)، ج. 11 رقم 196، ص. 1717–1719، doi:10.1086/522355.
- John B. Duff (1968)، "The Versailles Treaty and the Irish-Americans"، The Journal of American History (باللغة الإنجليزية)، 3 (55): 582–598، doi:10.2307/1891015، JSTOR 1891015.
- Noriko Kawamura (نوفمبر 1997)، "Wilsonian Idealism and Japanese Claims at the Paris Peace Conference"، Pacific Historical Review (باللغة الإنجليزية)، ج. 4 رقم 66، ص. 503–526، doi:10.2307/1891015، JSTOR 3642235.
- Paul Gordon Lauren (Summer 1978)، "Human Rights in History: Diplomacy and Racial Equality at the Paris Peace Conference"، Diplomatic History (باللغة الإنجليزية)، ج. 3 رقم 2، ص. 257–278، JSTOR 24909920.
- Sally Marks (Summer 1978)، "Mistakes and Myths: The Allies, Germany, and the Versailles Treaty, 1918–1921"، Journal of Modern History (باللغة الإنجليزية)، ج. 3 رقم 85، ص. 632–659، doi:10.1086/670825، JSTOR 10.1086/670825.
- Veselin Mintchev (يناير 1999)، "External Migration in Bulgaria"، South-East Europe Review (باللغة الإنجليزية)، ج. 3 رقم 99، ص. 124.
Archived from the original on 17 January 2013. Retrieved 6 August 2018.
- DM. Morens؛ AS. Fauci (أبريل 2007)، "The 1918 influenza pandemic: Insights for the 21st century"، The Journal of Infectious Diseases (باللغة الإنجليزية)، ج. 7 رقم 195، ص. 1018–1028، doi:10.1086/511989، PMID 17330793.
- Lindsay Rogers (يوليو 1964)، "The Inquiry: American Preparations for Peace, 1917-1919 by Lawrence E. Gelfand"، Geographical Review (باللغة الإنجليزية)، 54 (3): 260–462، doi:10.2307/212676.
- Max Rubner (10April 1919)، "Von der Blockde und Aehlichen"، Deutsche Medizinische Wochenschrift (باللغة الألمانية)، Berlin، ج. 15 رقم 45.
{{استشهاد بمجلة}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة)
- Jeffery K. Taubenberger and David M. Morens. 1918 Influenza: the Mother of All Pandemics. CDC:history نسخة محفوظة 03 سبتمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
- Jeffery K. Taubenberger؛ Morens M. David (11 سبتمبر 2012)، "1918 Influenza: the Mother of All Pandemics"، CDC: history (باللغة الإنجليزية).
- نسخة محفوظة 03 سبتمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
- Marc Trachtenberg (1982)، "Versailles after Sixty Years"، Journal of Contemporary History (باللغة الإنجليزية)، ج. 3 رقم 17، ص. 487–506، doi:10.1177/002200948201700305، JSTOR 260557، S2CID 154283533.
- Bernadotte Schmitt، "The Peace Treaties of 1919-1920"، Proceedings of the American Philosophical Society (باللغة الإنجليزية)، ج. 1 رقم 104، ص. 101–110، JSTOR 985606.
{{استشهاد بمجلة}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|قتباس=
(مساعدة) - Zach Shore (يناير 1999)، "Hitler, Intelligence and the Decision to Remilitarize the Rhine"، Journal of Contemporary History (باللغة الإنجليزية)، ج. 1 رقم 34، ص. 5–18.
- Kurt Wimer؛ Sarah Wimer، "The Harding Administration, the League of Nations, and the Separate Peace Treaty"، The Review of Politics (باللغة الإنجليزية)، ج. 1 رقم 29، ص. 13–14، doi:10.1017/S0034670500023706.
{{استشهاد بمجلة}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|قتباس=
(مساعدة) - Lentin, Antony (1992), "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919", History Today, vol. 42 no. 12, ProQuest 1299048769
- Antony Lentin (1992)، "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919"، History Today (باللغة الإنجليزية)، ج. 42 رقم 12.
الموسوعات
- "May Fourth Movement" [حركة 4 أيار]، Encyclopaedia Britannica (باللغة الإنجليزية).
تقارير
- The 'bird flu' that killed 40 million. BBC News. October 19, 2005.
- BBC News (19 أكتوبر/تشرين الأول 2005)، The 'bird flu' that killed 40 million (Technical report) (باللغة الإنجليزية).
{{استشهاد بتقرير فني}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة)، يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|مؤلفون مشاركون=
(مساعدة) - Miller, Vol. IV, 209. Document 246. "Outline of Tentative Report and Recommendations Prepared by the Intelligence Section, in Accordance with Instructions, for the President and the Plenipotentiaries 21 January 1919".
- Miller، "Document 246"، Outline of Tentative Report and Recommendations Prepared by the Intelligence Section, in Accordance with Instructions, for the President and the Plenipotentiaries 21 January 1919 (Technical report) (باللغة الإنجليزية)، ص. 209.
{{استشهاد بتقرير فني}}
: يحتوي الاستشهاد على وسيط غير معروف وفارغ:|مؤلفون مشاركون=
(مساعدة)
مواقع الشابكة
- قسم البحوث والدراسات (24/5/2006)، "معاهدة سيفر 1920" (HTML)، الجزيرة نت، الدوحة: قناة الجزيرة الإخبارية، اطلع عليه بتاريخ 21 مارس 2022.
{{استشهاد ويب}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة) - Why Did World War I Just End? " By Claire Suddath, Monday, Oct. 04, 2010", Time. موقع مجلة "تايم". مؤرشف من الأصل في 17 أغسطس 2013. اطلع عليه بتاريخ 01 مارس/آذار 2021.
- "مؤتمر سان ريمو، بريتانيكا، مؤرشف من الأصل في 8 مايو 2020.
- نص معاهدة سان ريمو، مؤرشف من الأصل في 4 أغسطس 2018 (PDF).
- بوابة عقد 1920
- بوابة السياسة
- بوابة الإمبراطورية الألمانية
- بوابة فرنسا
- بوابة الحرب العالمية الأولى
- بوابة القانون
- بوابة الأمم المتحدة
- بوابة عقد 1910
- بوابة علاقات دولية