الثورة السورية الكبرى
الثورة السورية الكبرى أو ثورة عام 1925، ثورة انطلقت في سورية ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز عام 1925 بقيادة ثوار جبل العرب في جنوب سورية، وانضم تحت لوائهم عدد من المجاهدين من مختلف مناطق سورية ولبنان والأردن تحت قيادة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة العام، وقد جاءت هذه الثورة كرد فعل على السياسات الدكتاتورية العسكرية التي اتبعتها السلطات الفرنسية والمتمثلة في تمزيق سورية إلى عدة دويلات وإلغاء الحريات وملاحقة الوطنيين وإثارة النزعات الطائفية ومحاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد ومحاولة إحلالها بالثقافة الفرنسية، بالإضافة إلى رفض سلطات الانتداب عقد اتفاق مع القوى الوطنية السورية لوضع برنامج زمني لاستقلال سورية.[1]
الثورة السورية الكبرى | |||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
نصب الثورة السورية الكبرى في مجدل شمس. | |||||||||
معلومات عامة | |||||||||
| |||||||||
المتحاربون | |||||||||
فرنسا | المقاومة السورية | ||||||||
القادة | |||||||||
موريس ساراي | سلطان الأطرش | ||||||||
الخسائر | |||||||||
غير معروفة. | 4213 قتيل. | ||||||||
جاءت هذه الثورة امتداداً للثورات السورية التي بدأت منذ أن وطئت قوات الاستعمار الفرنسي الساحل السوري في أوائل عام 1920، واستمرت حتى أواخر حزيران عام 1927، وكان من أبرز نتائجها انتصار سلطات الانتداب الفرنسي عسكرياً إلا أن المقاومة السورية استطاعت زعزعة سياسة الفرنسيين في سورية واقناعهم بأن الشعب السوري لن يرضخ ولا بد من تأسيس حكومة سورية وطنية، وإجبارهم على إعادة توحيد سورية واجراء انتخابات برلمانية، كما مهدت هذه الثورة لخروج الفرنسيين نهائياً من سورية في عام 1946.
المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى
أدت الحرب العالمية الأولى إلى انهيار أربع دول عظمى وهي: إمبراطورية روسيا، وإمبراطورية النمسا والمجر، وألمانيا، والدولة العثمانية التي كانت سورية من ضمن تركتها، وقد شجع انهيار الدولة العثمانية الدول الاستعمارية المنتصرة وهي إنكلترا وفرنسا على تقاسم تركتها من خلال خلق مفهوم استعماري جديد عرف «بالانتداب»، والذي تصورته ووضعته قيد التنفيذ القوى المتحالفة والمنتصرة في ذلك الوقت، أي فرنسا، إنكلترا، الولايات المتحدة، وإيطاليا، وتتلخص هذه الفكرة بأن توضع الممتلكات الجغرافية السابقة للدول المنهارة التي زالت بانتهاء الحرب العالمية الأولى (والمقصود هنا ألمانيا والدولة العثمانية)، تحت إشراف ووصاية عصبة الأمم (وهي المنظمة العالمية السابقة لمنظمة هيئة الأمم الحالية)، فحيث أن ألمانيا خسرت مستعمراتها في أفريقيا فإن على الدولة العثمانية أن تتنازل كذلك عن جميع ولاياتها العربية.[2][3]
وبناءً على هذا الواقع فإن فرنسا ترث سورية ولبنان، بينما ترث إنكلترا العراق وفلسطين، وتوضع هذه البلدان تحت الوصاية المباشرة لهاتين الدولتين بانتداب رسمي من عصبة الأمم، مع مهمة تأمين لهذه الدول الجديدة الوسائل اللازمة التي تمكنها في وقت لاحق من الوصول إلى درجة كافية من الوعي السياسي والتطور الاقتصادي يؤهلها لنيل الاستقلال والسيادة، وتنفيذاً لتلك المخططات جرت المفاوضات بين فرنسا وإنكلترا في تشرين الأول من عام 1915 حول تحديد مناطق نفوذ كلتا الدولتين في حال تقسيم الدولة العثمانية، وتم اتفاق سري حول هذا الموضوع أطلق عليه اتفاقية (سايكس بيكو) تيمناً باسم المفاوضين وهما البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو.[4]
وفي الوقت نفسه، جرت مراسلات منذ العام 1915 بين السير هنري مكماهون والشريف حسين في الحجاز، ونجم عن المفاوضات الميدانية بين الطرفين التزام بريطاني خطي يتضمن الاعتراف باستقلال العرب ومساندتهم، ولكن بريطانيا حصلت في الوقت ذاته على تأجيل المفاوضات الخاصة بترسيم الحدود حتى نهاية الحرب، وفي مقابل هذا الوعد المبدئي يلتزم الشريف حسين بإطلاق نداء الثورة العربية ضد العثمانيين.[5][6]
الثورة العربية الكبرى
في 6 أيار 1916 أقدم جمال باشا على إعدام أربعة عشر رجلاً من وجهاء سورية في بيروت ودمشق فكانت تلك أكبر قافلة للإعدام،[7] وشكّلت محفزًا للشريف حسين لبدء الثورة العربية ضد الحكم العثماني، وهدفت الثورة، كما نصّ عليه في ميثاق دمشق، وفي مراسلات الحسين مكماهون التي استندت إلى الميثاق، على خلع طاعة الدولة العثمانية وإقامة دولة عربية، أو اتحاد دول عربية يشمل الجزيرة العربية ونجد والحجاز على وجه الخصوص وسورية الكبرى عدا ولاياتها أضنة التي اعتبرت ضمن سورية في ميثاق دمشق مع احترام مصالح بريطانيا في جنوب العراق وهي المنطقة الجغرافية التي تبدأ في بغداد وتنتهي في ساحل الخليج.
وفي تاريخ 10 حزيران عام 1916 بدأت الثورة العربية في مكة المكرمة وفي شهر تشرين الثاني عام 1916 أعلن الشريف حسين نفسه «ملكاً على العرب»، بينما كانت الدول العظمى لا تعترف به إلا بصفته ملكًا على الحجاز، وقد كان معه ألف وخمسمائة جندي وعدد من رجال القبائل المسلّحين ولم يكن لجيش الحسين مدافع فقدّمت له بريطانيا مدفعين ساهما في تسريع سقوط جدة والطائف وتوجه منها إلى العقبة حيث بدأت المرحلة الثانية من مراحل الثورة رسميًا أواخر عام 1917 مدعومةً من الجيش البريطاني الذي احتلّ القدس في 9 أيلول عام 1917 وقبل نهاية العام كانت جميع أراضي سنجق القدس تحت الحكم البريطاني،[8] أما جيش الحسين فكان يزداد بوتيرة سريعة إذ انضم إليه ألفي جندي مع أسلحتهم بقيادة عبد القادر الحسيني قادمين من القدس كما انضم أغلب رجال قبائل تلك الأصقاع إلى الثورة.
شُكّل الجيش العربي أو ما يعرف بالقوات العربية بقيادة الشريف حسين وابنه فيصل وبقيادة غير مباشرة من الضابط البريطاني لورنس العرب،[9] وتوجه نحو سورية واشتبك مع القوات العثمانية في معركة فاصلة قرب معان، أسفرت المعركة عن شبه إبادة للجيش السابع والجيش الثاني العثماني، وحررت معان في 23 أيلول عام 1918 تلتها عمان يوم 25 أيلول ثم درعا يوم 27 ايلول، وقبلها بيوم أي في 26 ايلول كان الوالي العثماني وجنده قد غادروا دمشق إيذانًا بزوال الحكم العثماني عنها.[10]
دخلت القوات العربية مدينة دمشق يوم 30 أيلول من عام 1918،[10] وفي 8 تشرين الأول دخل الجيش الإنكليزي إلى بيروت ثم دخل الجنرال البريطاني إدموند ألنبي سورية، والتقى مع الجيش العربي في دمشق، وفي 18 تشرين الأول خرج العثمانيون من طرابلس وحمص، وفي 26 تشرين الأول من عام 1918 توجهت القوات العربية والبريطانية شمالاً حتى التقت بآخر القوات العثمانية الخارجة من سورية بقيادة القائد التركي مصطفى كمال أتاتورك، وقامت معركة عنيفة قرب حلب في منطقة سميت فيما بعد قبر الإنكليز،[11] وفي 30 تشرين الأول عام 1918 أبرمت هدنة مودروس والتي نصت على استسلام جميع القوات العثمانية وقبول الدولة العثمانية تخليها عن بلاد الشام والعراق والحجاز وعسير واليمن نهائيًا.[12]
المملكة السورية العربية
بعد زوال الحكم العثماني أعلن الأمير فيصل تأسيس حكومة عربية في دمشق وكلف الضابط السابق في الجيش العثماني الدمشقي علي رضا الركابي بتشكيلها ورآستها ولقب بالحاكم العسكري، ولقد ضمت ثلاثة وزراء من جبل لبنان، ووزيراً من بيروت ووزيراً من دمشق وساطع الحصري من حلب، ووزير الدفاع من العراق، محاولاً الإيحاء بأن هذه الحكومة تمثل سورية الكبرى وليست حكومة على الأجزاء الداخلية من سورية، كما عين اللواء شكري الأيوبي حاكماً عسكرياً لبيروت وعين جميل المدفعي حاكماً على عمّان وعبد الحميد الشالجي قائداً لموقع الشام وعلي جودت الأيوبي حاكماً على حلب.[13][14]
وقد سعى الأمير فيصل جاهداً إلى بناء جيش سوري قادر على بسط الأمن والاستقرار والحفاظ على كيان الدولة المزمع إعلانها، وطلب من البريطانيين تسليح هذا الجيش ولكنهم رفضوا، وفي أواخر عام 1918 دعي الأمير فيصل للمشاركة في مؤتمر الصلح الذي انعقد بعد الحرب العالمية في فرساي، حيث زار فرنسا وبريطانيا الذين أكدوا له على حسن نواياهم تجاه سورية في حين أنهم كانوا من وراء ظهره يقتسمون ما تبقى منها، ويقومون بتعديل اتفاقية سايكس بيكو، وقد طرح فيصل في المؤتمر قيام ثلاث حكومات عربية في كل من الحجاز وسورية والعراق، وفي المؤتمر اقترح الأمريكيون نظام الانتداب، كما اقترحوا إرسال لجنة لاستفتاء الشعب حول رغباتهم السياسية وعرفت بلجنة كينغ كراين فوافق الفرنسيون والبريطانيون مكرهين على إرسال اللجنة الأمريكية.[15]
عاد الأمير فيصل إلى سورية في 23 نيسان عام 1919 استعداداً لزيارة اللجنة الأمريكية، بعد أن وكل عنه في عضوية مؤتمر الصلح عوني عبد الهادي، حيث عُقد اجتماع شعبي كبير برئاسة محمد فوزي العظم في صالة النادي العربي بدمشق، وألقى الأمير فيصل كلمة الافتتاحية التي وضح فيها هدف اللجنة الأمريكية التي ستصل وطبيعة مهمتها، وزارت اللجنة التي استغرقت مدة تواجدها في المنطقة 42 يوماً 36 مدينة عربية، واستمعت إلى 1520 وفداً من قرى مختلفة، وقدمت إليها 1863 عريضة، جميعها طالبت بالاستقلال والوحدة، وفي 3 تموز 1919، قابل وفد المؤتمر السوري اللجنة الأمريكية، وأبلغوهم بطلبهم باستقلال سورية الكبرى وإقامة نظام ملكي فيها.[16]
بعد انتهاء اللجنة الأمريكية كينغ كراين من عملها جاء في توصياتها «إن بلاد الشام ترفض السيطرة الأجنبية، ويُقترح فرض نظام الانتداب تحت وصاية عصبة الأمم المتحدة حيث أن العرب مجتمعين على أن يكون الأمير فيصل ملكاً على الأراضي العربية دون تجزئتها»، وسلمت اللجنة تقريرها إلى الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في 28 آب عام 1919 الذي كان مريضاً، وأهمل التقرير بعد تغيير ويلسون موقفه بسبب معارضة كبار الساسة الامريكيين في مجلس الشيوخ (الكونغرس) له، لمخالفته السياسة الانعزالية التي تتبعها أمريكا منذ عام 1833، والتي تقضي بعدم التدخل في شؤون أوروبا وعدم تدخل أوروبا بشؤون أمريكا.[15]
قبل الأمير فيصل تحت الضغط عقد اتفاقية مع فرنسا ممثلة برئيس وزرائها جورج كليمانصو وعرفت باسم اتفاق فيصل كليمانصو ومن أبرز بنودها:[17]
- الانتداب الفرنسي على سورية مع احتفاظ البلاد باستقلالها الداخلي، وتعاون سورية مع فرنسا فيما يخصّ العلاقات الخارجية والمالية، وأن يقيم سفراء سورية في الخارج ضمن السفارات الفرنسية.
- الاعتراف باستقلال لبنان تحت الوصاية الفرنسية الكاملة، وبالحدود التي سيعينها الحلفاء من دون بيروت.
- تنظيم دروز حوران والجولان في فيدرالية داخل الدولة السورية.
وفي أواخر حزيران من العام 1919، دعا الأمير فيصل المؤتمر السوري العام إلى الانعقاد، وكان يعتبره بمثابة برلمان بلاد الشام وقد تألف من 85 عضوًا، غير أن فرنسا منعت بعض النواب من الحضور إلى دمشق، فافتتح المؤتمر بحضور 69 نائبًا وكان من أبرز أعضائه:[18]
- تاج الدين الحسيني وفوزي العظم والد خالد العظم ممثلين عن دمشق.
- إبراهيم هنانو ممثلاً عن قضاء حارم.
- سعد الله الجابري ورضا الرفاعي ومرعي باشا الملاح والدكتور عبد الرحمن كيالي ممثلين عن حلب.
- حج فاضل العبود ممثلاً عن دير الزور ومنطقة وادي الفرات.
- حكمت الحراكي ممثلاً عن المعرة.
- عبد القادر الكيلاني وخالد البرازي ممثلين عن حماة.
- أمين الحسيني وعارف الدجاني ممثلين عن القدس.
- سليم علي سلام وعارف النعماني وجميل بيهم ممثلين عن بيروت.
- رشيد رضا وتوفيق البيسار ممثلين عن طرابلس.
- سعيد طليع وإبراهيم الخطيب ممثلين عن جبل لبنان.
وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر، ومرعي باشا الملاح ويوسف الحكيم نائبين للرئيس، وقرر المؤتمر رفض اتفاق فيصل كليمانصو والمطالبة بوحدة سورية واستقلالها وقبول انتداب أمريكا وبريطانيا ورفض الانتداب الفرنسي ولكن على أن يكون مفهوم الانتداب هو المساعدة الفنية فقط.
توترت العلاقة بين فيصل وغورو في أعقاب تراجع فيصل عن اتفاقه مع الفرنسيين وانحيازه للشعب، وطلبت الحكومة السورية ثلاثين ألف بدلة عسكرية لتنظيم الجيش ومن جهة أخرى سقطت حكومة كليمنصو في فرنسا وحلّت حكومة ألكسندر ميلران اليمينية المتطرفة بدلاً منها، فتنصلت فرنسا من الاتفاق فعلياً، وفي منتصف تشرين الثاني من العام 1919 بدأت القوات البريطانية الانسحاب من سورية بعد تواجد دام حوالي عام واحد.
وفي 8 آذار عام 1920، عقد المؤتمر السوري العام بدمشق برئاسة هاشم الأتاسي وبحضور الأمير فيصل وأعضاء الحكومة، واستمر لمدة يومين بمشاركة 120 عضواً من أعضاء المجلس الوطني السوري وخرج المؤتمر بالقرارات التالية:[15][19]
- استقلال البلاد السورية بحدودها الطبيعية استقلالاً تاماً.
- اختيار سمو الأمير فيصل بن الحسين ملكاً دستورياً على البلاد بالإجماع ويلقب صاحب الجلالة.
- النظام السياسي للدولة مدني نيابي ملكي.
- تعيين حكومة ملكية مدنية، وتم تعيين علي رضا الركابي القائد العام للحكومة، ويوسف العظمة وزيراً للدفاع السوري، وتحويل اللغة الرسمية من التركية إلى العربية في جميع المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية المدنية والعسكرية والمدارس، وإلغاء التعامل بالعملة التركية واستبدالها بالجنيه المصري، ثم أصبح التعامل بالدينار السوري.
- رفض وعد بلفور الصهيوني في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود أو وطن هجرة لهم.
- رفض الوصاية البريطانية والفرنسية على العرب.
رفض الحلفاء الاعتراف بالدولة الوليدة وقرروا في نيسان من عام 1920 خلال مؤتمر سان ريمو المنعقد في إيطاليا تقسيم البلاد إلى أربع مناطق تخضع بموجبها سورية ولبنان للانتداب الفرنسي والأردن وفلسطين للانتداب البريطاني، وإن كان لبنان ومعه الساحل السوري وكذلك فلسطين لم تدخل عسكريًا تحت حكم المملكة نظرًا لكون جيوش الحلفاء فيها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
رفضت الحكومة وكذلك المؤتمر العام مقررات مؤتمر سان ريمو، وأبلغوا دول الحلفاء بذلك تباعًا بين 13 و21 أيار من العام 1920، [20] وكانت الأصوات تتعالى في سورية للتحالف مع كمال أتاتورك في تركيا، أو الثورة البلشفية في روسيا، وقد شهدت حلب لقاءات بين وزير الحربية يوسف العظمة، ووفد تركي ممثل لكمال أتاتورك، حول دعم السوريين في نضالهم ضد فرنسا، غير أن تلك اللقاءات لم تؤد إلى نتيجة بسبب أن أتاتورك كان يستغل السوريين لتحسين شروط تفاوضه مع الفرنسيين، فأدار ظهره للسوريين وعقد اتفاقا مع فرنسا عُرف بمعاهدة أنقرة عام 1921، التي شملت تنازل سلطة الاحتلال الفرنسي عن الأقاليم السورية الشمالية وانسحاب الجيش الفرنسي منها، وتسليمها للسلطة التركية الوليدة.[21]
سورية تحت الانتداب الفرنسي
كان لإعلان قيام المملكة العربية السورية تداعياته على المستوى الداخلي، فقد وصل التوتر إلى أوجه في سورية ولبنان، وتعددت الصدامات حيث هاجم بعض المسلمين قرى مسيحية في البقاع رداً على إصرار البطريرك الماروني إلياس الحويك ومعه مجلس إدارة جبل لبنان على استقلال لبنان، وفي 5 تموز عام 1920 أوفد فيصل مستشاره نوري السعيد للقاء الجنرال الفرنسي غورو (Henri Joseph Eugène Gouraud) في بيروت، فعاد السعيد إلى دمشق في 14 تموز عام 1920 مزودًا بإنذار عرف باسم «إنذار غورو» وحددت مدة أربعة أيام لقبوله، وشمل خمس نقاط وهي:[23][24]
- قبول الانتداب الفرنسي.
- التعامل بالنقد الورقي الذي أصدره مصرف سورية ولبنان في باريس.
- الموافقة على احتلال القوات الفرنسية لمحطات سكك الحديد في رياق وحمص وحلب وحماة.
- حل الجيش السوري وإيقاف عمليات التجنيد الإجباري، ومحاولات التسليح.
- معاقبة من تورط في عمليات عدائية ضد فرنسا.
جمع الملك فيصل وزرائه لمداولة الأمر بينهم فكان رأي الكثيرين منهم النزول عند مطالب غورو ومهادنته وقبول الإنذار وهنا برز الموقف الرجولي لوزير الحربية يوسف العظمة الذي عارض قبول الإنذار بشدة وحاول بكل الوسائل ثني الملك فيصل عن الاستجابة لتهديد الفرنسيين بحل الجيش العربي السوري، وبعد أن يئس من تغيير الملك لرأيه أنشد عليه بيت الشعر الشهير للمتنبي:[25]
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى | حتى يراق على جوانبه الدمُ |
وبالرغم من قبول الحكومة السورية للإنذار والعدول عن فكرة المقاومة وقبول مطالب الجنرال غورو والأمر بتسريح الجيش السوري وسحب الجنود من روابي قرية مجدل عنجر مخالفة بذلك قرار المؤتمر السوري العام ورأي الشعب المتمثل بالمظاهرات الصاخبة المنددة بالإنذار وبمن يقبل به، وأرسال الملك فيصل خطاباً إلى الجنرال غورو بالموافقة على الشروط وحل الجيش.
بدأت القوات الفرنسية بالزحف بإمرة الجنرال غوابيه (بأمر من الجنرال غورو) باتجاه دمشق في تاريخ 24 تموز عام 1920 بينما كان الجيش السوري المرابط على الحدود يتراجع منفضًا، ولمّا سُئل الجنرال غورو عن هذا الأمر أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد انتهاء المدة.
لم يكن أمام أصحاب الغيرة والوطنية إلا المقاومة حتى الموت وكان على رأس هذا الرأي وزير الحربية يوسف العظمة، الذي عمل على جمع ما تبقى من الجيش مع مئات المتطوعين والمتطوعات الذين اختاروا هذا القرار واتجهوا لمقاومة القوات الغازية الفرنسية الزاحفة باتجاه دمشق، وقد أراد العظمة بخروجه أن يحفظ لتاريخ سورية العسكري هيبته ووقاره، فقد كان يخشى أن يسجل في كتب التاريخ أن الجيش السوري قعد عن القتال ودخل المحتل عاصمته دون مقاومة، كما أراد أن يسجل موقفاً أمام الشعب السوري نفسه بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى، وإن ذلك سيكون نبراساً للشعب السوري في مقاومته للمحتل، فقد كان يدرك أن من يهن يسهل الهوان عليه، وهوان الجيش قد تكون له عواقب وخيمة على البلاد ومستقبل المقاومة.[26] وقد تألفت قوات الجنرال غوابيه من الآتي:[27][28]
- لواء المشاة (415).
- لواء الرماة الجزائريين الثاني.
- لواء سنغالي من الرماة الإفريقيين.
- لواء من السباهي المغاربة.
- خمس نضائد صحراوية، ومثلها جبلية، ونضيدتين من عيار 515.
وقد بلغ مجموع القوى الفرنسية تسعة آلاف جندي، يظاهرها طيارات ودبابات ورشاشات عديدة، بينما لم يتجاوز الجيش السوري الثلاثة آلاف جندي غالبيتهم من المتطوعين.[29]
في الساعة التاسعة من يوم 24 تموز عام 1920 بدأت المعركة عندما بدأت المدفعية الفرنسية في التغلب على المدفعية السورية، وبدأت الدبابات الفرنسية بالتقدم باتجاه الخط الأمامي للقوات المدافعة، ثم أخذ جنود السنغال الفرنسيين يحملون على ميسرة الجيش السوري المؤلف في معظمه من المتطوعين، وهاجم عدد من الخونة ميسرة الجيش السوري من الخلف وقضى على الكثير من الجنود وسلب منهم أسلحتهم، ولم يعبأ يوسف العظمة بهذه المصائب، وبقي بهمته وثباته وعزيمته، وكان قد زرع الألغام على رؤوس وادي القرن وهو ممر الجيش الفرنسي آملاً بأنه عند صعود الدبابات تنفجر الألغام، إلا أن الخونة قد سبقوا وقطعوا أسلاك الألغام، وقد قُبض على بعضهم وهم ينفذون خيانتهم، ولكن سبق السيف العذل، فلما اقتربت الدبابات أمر العظمة بتفجير الألغام فلم تنفجر وتقدم ففحصها بنفسه فرأى أكثرها معطلة تماماً وأسلاكها مقطوعة، ثم سمع ضجة من خلفه فالتفت فرأى أن الكثيرين من أفراد جيشه والمتطوعين قد ولوا الأدبار على أثر قنبلة سقطت من إحدى الطائرات فلم يسعه إلا أن عمد إلى بندقيته وهي آخر ما لديه من قوة فلم يزل يطلق نيرانه على العدو حتى مقتله يوم الأربعاء 24 تموز عام 1920.[30][31]
السياسة التي اتبعها الفرنسيون خلال انتدابهم لسورية
لجأت فرنسا بعد سيطرتها على كامل التراب السوري أثر انتصارها في معركة ميسلون في تموز 1920 إلى تجزئة سورية إلى عدة دول أو كيانات مستقلة وهي:[33]
- دولة دمشق (1920).
- دولة حلب (1920).
- دولة العلويين (1920).
- دولة لبنان الكبير (1920).
- دولة جبل الدروز (1921).
- لواء الاسكندرون المستقل (1921).
وأعطيت الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية خلال معاهدة أنقرة وترسيم الحدود بين القوة الاستعمارية وتركيا.
ولتمزيق الوحدة الوطنية في البلاد واضعاف المقاومة الوطنية للانتداب الفرنسي لجأ الجنرال غورو إلى السياسة التي اتبعها الجنرال ليوتي في المغرب، وهي سياسة تقوم على عزل الأقليات الدينية والأثنية المتماسكة عن التيار الرئيسي في البلاد بحجة الدفاع عن حقوقها وانصافها، كما تقوم على تأليب الريف ضد المدن والبدو ضد الحضر.
أسباب الثورة
كان لاندلاع الثورة أسباب كثيرة ومن أهمها:[34][35][36]
- رفض السوريون الاحتلال الفرنسي لبلادهم وسعيهم لتحقيق الاستقلال التام.
- تمزيق سورية إلى عدة دويلات صغيرة (حلب - الدروز - العلويين - دمشق).
- الضرر الاقتصادي الكبير الذي لحق بالتجار السوريين نتيجة للسياسة التي اتبعها الفرنسيون في سورية حيث سيطر الفرنسيون على النواحي الاقتصادية فربطوا العملة السورية واللبنانية بالفرنك الفرنسي.
- الدكتاتورية العسكرية التي مارسها الجنرالات الفرنسيون ابان انتدابهم.
- محاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد ومحاولة إحلالها بالثقافة الفرنسية وإسناد المناصب الكبرى للفرنسيين.
- إلغاء الحريات في سورية وملاحقة الوطنيين واثارة النزعة الطائفية الأمر الذي أدى إلى تذمر السوريين.
- فشل اللقاء الذي عُقد بين زعماء جبل الدروز والمندوب السامي الفرنسي في سورية بحيث عبر زعماء الدروز عن استيائهم من سياسة الجنرال الفرنسي كاربييه وطالبوا بتبديله بحاكم آخر إلا أن المندوب السامي أهانهم وهددهم بالعقوبة القاسية إذا تمسكوا بموقفهم فعلى اثر ذلك أعلن سلطان باشا الأطرش أنه لا بد من الثورة لنيل الاستقلال.
وبرأي الدكتور عبد الرحمن الشهبندر أن الأسباب الواردة أعلاه هي الأسباب البعيدة للثورة، أما الأسباب القريبة فهي معاداة الجنرال الفرنسي كاربييه لال الأطرش ومحاولته سحق نفوذهم حيث صار يلقي كل من تردد إليهم ولو بالسلام المجرد البسيط في غياهب السجن مما دفع سلطان باشا الأطرش لإعلان الثورة.[37]
مطالب الثورة
كان من أبرز مطالب لثورة:[35][38]
- وحدة البلاد السورية بساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.
- قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.
- سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتشكيل جيش وطني لحفظ الأمن.
- تأييد مبادئ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.
سير وأحداث الثورة
سعى الكولونيل كاترو الذي أوفده الجنرال غورو إلى جبل العرب إلى عزل الدروز عن الحركة الوطنية السورية، وأبرم في 4 آذار عام 1921 معاهدة مع العشائر الدرزية نصت على أن يؤلف جبل الدروز وحدة ادارية خاصة مستقلة عن دولة دمشق لها حاكم محلي ومجلس تمثيلي منتخبان، مقابل اعتراف الدروز بالانتداب الفرنسي، ونتيجة المعاهدة عين سليم الأطرش كأول حاكم درزي للجبل.[40][41][42]
لم يرتح سكان الجبل للإدارة الفرنسية الجديدة، وحدث أول صدام معها في تموز من عام 1922 باعتقال المجاهد أدهم خنجر الذي كان قادماً إلى سلطان الأطرش حاملاً رسالة إليه، وقد اعتقله الفرنسيون بتهمة اشتراكه في الاعتداء على الجنرال غورو في حوران، وطلب سلطان الأطرش من القائد الفرنسي في السويداء تسليمه أدهم خنجر فأعلمه بأنه في طريقه إلى دمشق، فكلف الأطرش مجموعة من أنصاره بمهاجمة القافلة المسلحة المرافقة للمعتقل، ولكن الفرنسيون تمكنوا من نقله إلى لبنان وفي 30 أيّار عام 1923 أعدموه في بيروت.[39]
وقد أقدم الفرنسيون على تدمير منزل سلطان باشا الأطرش في القريا في أواخر آب عام 1922 رداً على هجومه على قواتهم، وعندها قاد الأطرش الثوار الدروز طيلة عام في حرب عصابات ضد القوات الفرنسية، واستقدمت فرنسا قوات كبيرة للقضاء على الثوار مما اضطر الأطرش إلى اللجوء إلى الأردن في أواخر الصيف من عام 1922، وتحت الضغط البريطاني سلم الأطرش نفسه للفرنسيين في نيسان عام 1923 بعد أن اتفق معهم على عقد هدنة.[43]
توفي سليم الأطرش مسموماً في دمشق عام 1924، [44] وعين الفرنسيون الكابتن كاربييه Carbillet حاكماً على الجبل خلافاً للاتفاق المبرم مع الدروز، حيث راح ينكل بالأهالي ويعرضهم للسجون وأعمال السخرة والملاحقة، كما عمل على تطبيق سياسة فرق تسد بإثارة الفلاحين ضد الاقطاعيين وعلى رأسهم آل الأطرش، وهو ما دفع أهالي مدينة السويداء إلى الخروج في مظاهرة عارمة احتجاجاً على ممارسات السلطات الفرنسية، الأمر الذي سرع موعد اندلاع الثورة.[45][46][47]
ضاق الدروز بممارسات الكابتن كاربييه وهو ما دفعهم إلى إرسال وفد إلى بيروت في 6 حزيران من العام 1925 لتقديم وثيقة تطالب المفوض السامي موريس بول ساراي بتعيين حاكم درزي على الجبل بدلاً من الكابتن كاربييه Carbillet بسبب ممارساته السيئة بحق أهالي الجبل ومن بعض هذه الممارسات حسبما ورد في مذكرات الدكتور عبد الرحمن الشهبندر:[48][49]
- تخصيص عدد من رجال الجندرمة لضرب الناس وإهانتهم تنفيذاً لرغبات الكابتن كاربييه ورجال حاشيته.
- اعتقال حامد قرقوط من أعيان قرية ذيبين خمسة أشهر بدون سبب ولا محاكمة وكان يهان ويضرب صباحاً ومساءاً.
- جلد حسين كابول من قرية كفر اللحف حتى تمزق جلده، لأنه أهمل أن يحيي الكبورال ديوشيل أثناء مروره في الطريق العام.
- اعتقال وهبة العشموش في السويداء وضربه ضرباً مبرحاً لانه رفض تأجير منزله.
- إطلاق الكبورال ديوشيل عدة طلقات من مسدسه على محمد بك الحلبي مدير العدلية العام، ولم يلقى أي عقاب على عمله الجنائي هذا.
- اعتقال حسين صدّيق لمدة خمسة عشر يوماً لأنه لم يذهب لاستقبال الكابتن كاربييه، مع فرض غرامة قدرها 25 ليرة ذهبية على القرية لأنها لم تستقبله أستقبالاً فخماً، وقد فرضت هذه الغرامة على قرية عرمان للسبب ذاته.
- اعتقال فهد بك الأطرش قائمقام صلخد وضربه ضرباً مبرحاً دون تحقيق بناءاً على وشاية بسيطة من أحد الجواسيس.
- فرض غرامة على أهالي السويداء قدرها 10 ليرات ذهبية لضياع قطة الليوتينان موديل زوجة أحد ضباط الحامية الفرنسية.
طرد المفوض السامي ساراي وفد الجبل ورفض مقابلتهم وأخطرهم بوجوب سرعة مغادرتهم بيروت والعودة إلى بلادهم وإلا نفاهم إلى تدمر، [49] فكان ذلك السبب المباشر لاندلاع الثورة السورية، حيث دعا سلطان باشا الأطرش إلى عقد اجتماع في السويداء وطافت المظاهرات أنحاء الجبل وجرى الاتصال مع عدد من الزعماء السياسيين في دمشق وعلى رأسهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر رئيس حزب الشعب للتشاور وتنسيق المواقف، ومع أن حزب الشعب أعلن أنه يسعى لتحقيق مبادئه وبرنامجه بالطرق القانونية المشروعة، فقد تم التعاهد بين عدد من أعضائه بصفة شخصية ووفد من الجبل على إشعال نار الثورة في سورية، واتفق الطرفان على التعاون من أجل طرد الفرنسيين من سورية وتحقيق الاستقلال والوحدة.[43]
في تلك الفترة بدا جلياً للدكتور عبد الرحمن الشهبندر أن سورية تعيش مخاض الثورة وأن الشعب السوري مقدمٌ لا محال على نيل حريته واستقلاله، فبدأ الإتصال بزعماء ووجهاء المدن السورية يحثهم على الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ويشحن هممهم ويعزز شعورهم الوطني ويطلب منهم بدء الكفاح المسلح لنيل الإستقلال، وكان هدف الشهبندر تشتيت القوات الفرنسية جغرافياً لإضعاف قوتها ولتخفيف الضغط عن العاصمة دمشق وجبل العرب.[50][51][52]
ولتحقيق هذا الهدف تواصل عبد الرحمن الشهبندر مع الزعيم إبراهيم هنانو في المنطقة الشمالية، الذي كان سباقاً في مقاومة قوات الاستعمار الفرنسي منذ أن وطئت الساحل السوري في أوائل العام 1920، [53] وقد دامت أعمال المجاهدين في المنطقة الشمالية حتى 15 نيسان 1926 ومن أهم المعارك التي جرت في تلك الفترة معركة تل عمار، والتي كانت آخر معارك الثورة في تلك المنطقة، وجرت في أوائل شهر نيسان 1925.[54]
كما اجتمع الشهبندر مع الوجيه محمد بك العيّاش في دمشق واتفق معه على مد الثورة إلى المنطقة الشرقية، واستطاع العيّاش تشكيل مجموعات ثورية لضرب القوات الفرنسية في مدينة دير الزور، وبالفعل وجه الثوار ضربات مؤلمة للقوات الفرنسية وكان أخرها قتل ضباط فرنسيين في منطقة عين البو جمعة على طريق دير الزور الرقة، ونتيجة الحادثة قامت الطائرات الفرنسية بقصف القرى قصفاً مدمراً وتهدمت البيوت على رؤوس الأطفال والنساء واشتعلت النيران في المزروعات والبيادر، وهلكت الماشية فكان قصفاً مرعباً ومدمراً والخسائر البشرية والمادية جسيمة، كل ذلك من أجل الضغط على الأهالي لتسليم الثوار، وقد قتل نتيجة القصف رجلين وامرأة كانت حاملاً، ومن الجرحى العشرات الذين أصيبوا بالرصاص وبشظايا قنابل الطائرات.[55]
جرت محاكمة الثوار في مدينة حلب، وفي 5 آب عام 1925 أصدر المفوض السامي الفرنسي موريس بول ساراي في بيروت قراراً برقم (49 أس) بنفي جميع أفراد أسرة عياش الحاج من مدينة دير الزور إلى مدينة جبلة، وحكم على محمود العيّاش مع اثنا عشر ثائراً من رفاقه بالإعدام، وتم تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في 15 ايلول عام 1925 في مدينة حلب، كما حكم على محمد العيّاش بالسجن لمدة 20 عاماً في جزيرة أرواد في محافظة طرطوس، [56][57] وإمعاناً بالتشفي والانتقام اغتالت السلطات الفرنسية عميد الأسرة عياش الحاج في أوائل عام 1926 وأقيمت صلاة الغائب على روح هذا المجاهد في كافة البقاع السورية.[55]
وكان الدكتور عبد الرحمن الشهبندر على تواصل مع القائد فوزي القاوقجي الذي كان يتحضر لإضرام الثورة في مدينة حماة على الرغم من أنه كان معروفاً بولائه الشديد للفرنسيين ونال في جيشهم رتبة عالية ومركزاً (قيادة الجيش الوطني في حماة) قلما يناله غيره من السوريين، ولكن القاوقجي حسبما ورد في مذكرات الشهبندر كان مستاءاً من إلقاء وجهاء وعلماء مدينة حماة في السجون وأهانتهم، وتقسيم البلاد إلى حكومات، واستخدام الأسافل في الوظائف، ورفع الضرائب على المكلفين وإذكاء النعرات الطائفية بين أفراد الشعب السوري، [58] وفي 4 تشرين الأول عام 1925 أعلن القاوقجي الثورة في حماة وضواحيها وكاد أن يستولي على المدينة لولا قصف الطائرات العنيف للأحياء الشعبية فخرج إلى البادية لإثارة القبائل ضد الفرنسيين وتخفيف الضغط عن الثوار في المناطق الأخرى، وقد حقق انتصارات مهمة على القوات الفرنسية وحامياتها وثكناتها وأنزل بها خسائر فادحة حتى أسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة ومنحه سلطات واسعة.[59][60]
وفي 11 تموز عام 1925، أرسال المفوض السامي الفرنسي موريس بول ساراي رسالة سرية إلى مندوبه في دمشق يطلب منه أن يستدعي بعضاً من زعماء الجبل بحجة التباحث معهم بشأن مطالبهم ليقوم بالقبض عليهم وإرسالهم منفيين إلى تدمر والحسكة، وقد نفذ المندوب هذه الخدعة الدنيئة فعلاً ومن الزعماء الذين تم نفيهم إلى تدمر (عقلة القطامي، الأمير حمد الأطرش، عبد الغفار الأطرش، نسيب الأطرش)، و (برجس الحمود، حسني عباس، علي الأطرش، يوسف الأطرش، علي عبيد) نفوا إلى الحسكة.[49]
ونتيجةً للسياسات والممارسات الفرنسية أقدم سلطان باشا الأطرش على إعلان الثورة في 21 تموز عام 1925، من خلال إذاعة بيان سياسي وعسكري يدعو الشعب السوري إلى الثورة على الانتداب الفرنسي، وجاء فيه:
أيها العرب السوريون تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وان إرادة الشعب من إرادة الله، وان الأمم المتمدنة الناهضة لن تنالها يد البغي، لقد نهب المستعمرون أموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير وحرية التجارة والسفر حتى في بلادنا وأقاليمنا، إلى السلاح ايها الوطنيون إلى السلاح تحقيقاً لأماني البلاد، إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة، إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم واستعبد بلادكم ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الاماني القومية.[35][61] |
بدأ الأطرش بشن الهجمات العسكرية على القوات الفرنسية وأقدم على حرق دار المفوضية الفرنسية في صلخد ثاني أكبر مدينة في الجبل بعد السويداء واحتلها، وفي أوائل أيلول من عام 1925 هاجم الأطرش قوة فرنسية في بلدة الكفر بقيادة الكابتن نورمان وفتك رجاله بها ولم يفلت من الفرنسيين إلا بضعة أفراد، ولم يزد عدد الثوار عن مئتين بينما تجاوز عدد الجنود المائتين والستين بينهم عدد كبير من الضباط الفرنسيين، وقتل في المعركة أربعون ثائراً منهم مصطفى الأطرش شقيق سلطان باشا الأطرش.[63]
جن جنون ساراي للهزيمة التي وقعت بقواته، وأمر بتجهيز حملة كبيرة لتأديب الثوار يتجاوز عددها الخمسة آلاف جندي وعلى رأسها الجنرال ميشو وهي مجهزة بأحسن العتاد وأحدث الآلات ومدعومة بالطائرات الحربية، وفي اليوم الأول من أب عام 1925 اشتبكت الحملة مع قوات الثوار في بلدة ازرع وكان عدد الثوار يقارب الثلاثة آلاف وانهزم الثوار في المعركة، وما إن حل المساء حتى هاجم الثوار مؤخرة القوات الفرنسية حيث الذخائر والمؤن واستولوا عليها وقتلوا الكثير من الجنود الفرنسيين، وفي صباح اليوم التالي تقدم مئة وسبعة عشر مجاهداً من السويداء ولحق بهم أربعمائة مجاهد من أهالي مجدل ونجران وسليم وغيرها من القرى القريبة، واشتبكوا مع القوات الفرنسية في قرية المزرعة، حيث أبيدت القوات الفرنسية ولم يسلم منها إلا زهاء الألف ومائتي جندي فروا إلى السكة الحديدية في قرية أزرع ليستقلوا القطار الذاهب إلى العاصمة دمشق، وقتل في المعركة المجاهد حمد البربور من قرية أم الرمان وكان اليد اليمنى لسلطان باشا الأطرش.[64]
وفي 20 آب عام 1925 أرسل حزب الشعب وفداً للاجتماع بسلطان باشا الأطرش ومناقشة انضمام دمشق للثورة وضم الوفد توفيق الحلبي وأسعد البكري وزكي الدروبي، وتصادف وجود الوفد مع وجود الكابتن رينو مندوب ساراي الذي كان يفاوض الثوار باسم السلطات الفرنسية لعقد معاهدة سلام واستطاع وفد حزب الشعب اقناع الثوار بعدم التوقيع على المعاهدة، وفي أواخر آب عام 1925 اجتمعت قيادات حزب الشعب ومنهم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر مع سلطان باشا الأطرش في قرية كفر اللحف واتفقوا على حشد خمسمائة مجاهد للهجوم على دمشق من ثلاث محاور ولكن هذا العدد لم يجتمع لدى سلطان باشا كما أن القوات العسكرية التي بدء الجنرال غملان بحشدها على طول السكة الحديدية في حوران جعلت قيادات الثوار تُعرض عن خطة مهاجمة دمشق وتتفرغ للتصدي للحملة الفرنسية، [65][66] واتفق الثوار على الزحف باتجاه قرية المسيفرة للتصدي للحملة الفرنسية الجديدة، وفي 17 أيلول عام 1925 شنو هجوماً ليلياً على القوات الفرنسية المتحصنة فيها وكاد أن يكون النصر حليفهم لولا تدخل الطائرات الفرنسية التي أجبرتهم على الانسحاب، وكانت خسائر الفرنسيين كبيرة تجاوزت التسعمائة جندي علاوة على العتاد والأليات بينما خسر الثوار أقل من مائتي مقاتل، ثم دارت معارك بين الثوار والقوات الفرنسية الزاحفة باتجاه السويداء واضطر الفرنسيون بعد احتلال مؤقت للمدينة إلى الانسحاب بعد أن قررت قيادة الثورة مد نطاقها إلى الشمال لتخفيف الضغط على الجبل.[67]
وفي 4 تشرين الأول عام 1925، قاد فوزي القاوقجي الثوار والبدو من قبيلة الموالي في معرة النعمان وجوارها، وكاد أن يسيطر بقواته على مدينة حماة لولا تدخل الطائرات الفرنسية والتزام أعيان ووجهاء حماة الحياد واختبائهم في منازلهم ليروا ما يكون من أمر الثورة، فإذا نجحت فهم المؤسسون لها وإن فشلت فهم بعيدون عن عواقبها، على أن ذلك لا يعني أن ثورة حماة لم تأتي بثمارها بل على العكس فقد أدت إلى انسحاب القوات الفرنسية من مدينة السويداء بناءاً على طلب من المفوض السامي الفرنسي ساراي لدعم الحامية الفرنسية في مدينة حماة.[68]
وامتدت الثورة إلى غوطة دمشق ودارت فيها معارك ضارية بين الثوار بقيادة المجاهد حسن الخراط والفرنسيين، وكانت أولى المعارك في قرية المليحة أو ما أطلق عليها الثوار معركة الزور الأولى، التي قتل فيها عدد من الجنود الفرنسيون وغنم فيها الثوار 29 حصاناً، وفي 18 أكتوبر عام 1925 دخل الثوار دمشق وكان على رأسهم نسيب بك البكري ثم انضم إليهم ثوار الشاغور وباب السلام بزعامة حسن الخراط وبقي الثوار أربعة أيام كاملة سحقوا بها جميع الجنود المعتصمين في المتاريس في حي الشاغور والميدان واضطر الجنود الفرنسيون إلى اللجوء إلى القلعة مع عوائلهم واحتموا بأبراجها.
أمر ساراي قواته بضرب دمشق بالمدافع من القلاع، وقد دمر القصف ما يزيد عن ستمائة منزل كما نهب الجنود الفرنسيون المخازن والمحال، وقد وصل لمسامع الثوار أن الجنرال ساراي قدم لدمشق لزيارة قصر العظم في البزورية، فقرروا خطفه، ولذلك دخلوا المدينة من جهة الشاغور ووصلوا إلى القصر لكن ساراي كان قد غادره على وجه السرعة، فاشتبك الثوار مع الجنود الفرنسيين واشتعلت النيران في القصر لضراوة المعركة، واستمرت المعارك بين ثوار الغوطة والقوات الفرنسية، فحدثت معركة الزور الثانية في 17 تشرين الثاني 1925، ومعركة يلدا وببيلا في 19 تشرين الثاني 1925، ومعركة حمورة في 17 كانون الأول 1925، ومعركة النبك في 14 و15 أذار 1926.[69]
في أواخر تشرين الأول عام 1925، كان ثوار الجبل يتجمعون في المقرن الشمالي ثم ساروا باتجاه الغرب فاحتلوا اقليم البلان ثم بلدة حاصبيا دون أدنى مقاومة من الحامية الفرنسية التي فضل قائدها الانسحاب عندما علم بوصول الثوار، ثم توجه الثوار إلى بلدة راشيا بعد أن علموا أن معركة قوية وقعت بين دروز البلدة وبين حاميتها الفرنسية، وبعد قتال شديد تمكنوا من دخول قلعتها واحتلالها.[70][71]
دخل الثوار السوريون مرحلة الاستنزاف مع امتداد أمد الثورة، وعانوا من نقص الذخيرة والمؤن، وهو ما ساعد القوات الفرنسية على تشديد الخناق عليهم بجلب المزيد من القوات والنجدات المساندة، مما أضطر الثوار للنزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن، ولم يمكنهم الإنكليز من المكوث طويلاً، فنزح سلطان الأطرش وجماعته من المجاهدين إلى وادي السرحان والنبك في شمال المملكة العربية السعودية، ثم إلى الكرك في الأردن، وقد رفض تسليم سلاحه إلى المستعمِر وحكم عليه بالإعدام.[72]
عاد سلطان الأطرش ورفاقه إلى الوطن بعد أن أصدرت فرنسا عفواً شاملاً عن كل المجاهدين إثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، واستقبل سلطان ورفاقه في دمشق في 18 أيار عام 1937 باحتفالات شعبية كبيرة.[73]
المدن السورية المشاركة بالثورة
تحركت الثورة من كل مناطق ومدن سورية بقياده عدد كبير من الوجهاء والقادة، ومن أبرز المدن السورية المشاركة في الثورة:
جبل العرب وحوران، (سلطان باشا الأطرش)
سلطان باشا الأطرش هو القائد العام للثورة السورية الكبرى، ولد في قرية القريا في محافظة السويداء منطقة صلخد في سورية في العام 1888 لعائلة الأطرش الدرزية، والده «ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني» مؤسس المشيخة الطرشانية عام 1869، كان مجاهداً وزعيماً محلياً قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910، وهي إحدى معارك أبناء الجبل ضد سامي باشا الفاروقي، والتي كانت تشنها السلطنة العثمانية على جبل الدروز لكسر شوكته وإخضاعه لسيطرتها، أعدمه الأتراك شنقاً بسبب تمرده عام 1911، أماّ والدة سلطان فهي «شيخة بنت إسماعيل الثاني».[74]
أعلن سلطان باشا الأطرش تأييده للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين في بيان قال فيه: «لم نتخذ قرارنا بتأييد الشريف حسين عن فورة عاطفية أو هوى، وانما لأننا نستلهم من تاريخ طائفتنا الطويل مواقفها السياسية والحربية المماثلة ضد العناصر الاعجمية التي تمكنت بنا في الداخل، والغزاة الطامعين الذين اتوا لاستعمارنا وسلب خيراتنا من الخارج» [35] وعلى إثرها جند الأطرش مجموعات من شباب بلدته ومن القرى المجاورة في الجبل لتكون طليعة الجيش العربي في تحرير دمشق، وفي 5 ايلول عام 1918، زحف سلطان باشا الأطرش إلى دمشق مع قوات الجيش العربي، واشترك في معركة تلال المانع قرب الكسوة، وكان في طليعة القوات التي دخلت دمشق قبل وصول الملك فيصل ببضعة أيام، ورفعت العلم العربي على دار الحكومة وعلى دار البلدية في ساحة المرجة في بدمشق.
وفي 21 تموز عام 1925، أضرم سلطان باشا الأطرش نار الثورة السورية الكبرى بالبيان الذي أذاعه وجاء فيه: «إلى السلاح ايها الوطنيون إلى السلاح تحقيقا لأماني البلاد، إلى السلاح تأييدا لسيادة الشعب وحرية الأمة، إلى السلاح بعدما سلب الاجنبي حقوقكم واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية»، وخلال الثورة خاض الأطرش معارك كثيرة ومنها معركة الكفر في 20 تموز عام 1925 ومعركة المزرعة في أول آب عام 1925 ومعركة المسيفرة والسويداء، وقد هزت هذه المعارك سلطات الإنتداب الفرنسي، وجدت نفسها أمام مأزق كبير فلجأت إلى إرسال آلاف الجنود إلى سورية ولبنان مزودين بأحدث الأسلحة مقابل قلة مصادر تموين الثوار، مما أدى إلى قلب الميزان لصالح الفرنسيين، فأعادوا سيطرتهم على كثير من المدن التي حررها الثوار.[72]
استمر الفرنسيون بتشديد خناقهم على الثوار وجلبوا حملات متتالية ونجدات جديدة، فاضطر الثوار إلى للنزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن، ولم يمكنهم الإنكليز من المكوث طويلاً، فنزح سلطان الأطرش وجماعته من المجاهدين إلى وادي السرحان والنبك في شمال المملكة العربية السعودية، ثم إلى الكرك في الأردن، وقد رفض تسليم سلاحه إلى المستعمِر وحكم عليه بالإعدام.[72]
عاد سلطان الأطرش ورفاقه إلى الوطن بعد أن أصدرت فرنسا عفواً شاملاً عن كل المجاهدين اثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، واستقبل سلطان ورفاقه في دمشق في 18 أيار عام 1937 باحتفالات شعبية كبيرة.
وفي 26 آذار عام 1982 توفي القائد سلطان باشا الأطرش عن عمر ناهز 91 عاماً، وقد نعاه الرئيس حافظ الأسد، وألقى على جثمانه نظرة الوداع في بيته في القريّا، وكان مأتمه يوماً تاريخياً مشهوداً حشد أكثر من نصف مليون من المشيعين، وحمل نعشه في طائرة مروحية حلّقت فوق مواقع المعارك الخالدة التي خاضها ودفن في قريته القريّا محمولاً على عربة مدفع.[75]
عرف عن سلطان باشا الأطرش تمسكه بالعادات والتقاليد والقيم والشهامة الأصيلة، فكان لا يسكت على ضيم، ولا يقبل اهانة الضيف، ولا يبخل على الوطن والامة بشيء يملكه، وقد قيل فيه كلام كثير، وكان الشاعر القروي رشيد سليم الخوري أحد الذين تأثروا بثورته، فقال يخاطبه:[35]
خففتَ لنجدة العاني سريعاً | غضوباً لو رآك الليثُ ريعا | |
وحولك من بني معروف جمعٌ | بهم وبدونهم تُفني الجموعا | |
وثبتَ إلى سنام التّنكِ ثباً | عجيباً علّم النسر الوقوعا | |
وكهربت البطاحَ بحدّ عضب | بهرتّ به العدى فهووا ركوعا |
دمشق، (عبد الرحمن الشهبندر)
الدكتور عبد الرحمن الشهبندر العقل المدبر للثورة السورية الكبرى، [76] من مواليد دمشق عام 1879، انضم إلى الحلقة الإصلاحية المناهضة للحكم العثماني والتي كان يرأسها الشيخ طاهر الجزائري في سن مبكرة، وقُدم إلى المحاكمة بتهمة الاشتراك في تأليف رسالة موضوعها (الفقه والتصوف) وكاد أن يسجن وربما يعدم بسبب هذا الانضمام وبسبب مقال في صحيفة المقطم المصرية حول خلافة السلطان عبد الحميد الثاني غير أن صغر سنه يومذاك أنقذه من السجن أو مما هو أخطر من السجن.[50][51]
في عام 1922 قدم مستر كراين إلى دمشق على رأس لجنة دولية فاستقبلته الجماهير مطالبة بالاستقلال وحرية الجمهورية العربية السورية من الانتداب الفرنسي ونتيجة لذلك اعتقلت القوات الفرنسية الكثير من الوطنين الأحرار في سورية ولبنان وكان من بينهم عبد الرحمن الشهبندر ثم حكمت عليه الحكومة الفرنسية آنذاك بالسجن لمدة 20 عامًا ثم النفي إلى منطقة بيت الدين في لبنان ومن ثم إلى جزيرة أرواد، بعد عام ونصف صدر عفو عنه فسافر إلى أوروبا وأمريكا بهدف شرح الحقائق وتوضيح الممارسات الفرنسية على كل من سورية ولبنان فكان أول سياسي عربي سافر إلى الغرب لإيضاح الأمور على حقائقها.[77]
ومنذ عودته إلى دمشق في تموز عام 1924 أخذ يعمل على تنظيم العمل السياسي ويدعو إلى الوحدة العربية ويطالب بإلغاء الانتداب، وإقامة جمهورية سورية في نطاق الاتحاد مع جميع البلدان العربية المستقلة، ولتحقيق ذلك ومنذ بدء إرهاصات الثورة بادر الشهبندر إلى الإتصال بزعماء ووجهاء المدن السورية يحثهم على الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ويشحن هممهم ويعزز شعورهم الوطني ويطلب منهم بدء الكفاح المسلح لنيل الإستقلال وتحقيق الحلم الوطني العربي بإقامة الجمهورية العربية السورية، فكان على اتصال بالمجاهد سلطان باشا الأطرش في جبل العرب وحسن الخراط في غوطة دمشق وإبراهيم هنانو في المنطقة الشمالية ومحمد العيّاش في المنطقة الشرقية [55] وفوزي القاوقجي في حماة.[52]
ما إن ترامى إلى سمع الشهبندر عن نية زعماء الجبل وفي مقدمتهم سلطان باشا الأطرش إعلان الثورة ضد الفرنسيين وإنقاذ البلاد من براثن احتلالهم، حتى التحق بصفوف الثوار وقاتل معهم وكان أكثر المقاتلين شهرة وحين تهدأ المعارك يهتم بمعالجة الجرحى، ولكن الفرنسيين أرغموا الثورة على التقهقر إلى الجنوب فانتقل الطبيب عبد الرحمن الشهبندر والقائد سلطان باشا الأطرش إلى منطقة الأزرق، ومن الأزرق غادر الشهيندر إلى العراق من جديد ومن ثم إلى مصر، واستقر في القاهرة عشرة أعوام، بعد أن حكمت عليه السلطة الفرنسية بالإعدام، وكان خلالها يعمل للقضية العربية بالتعاون مع اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني بالإضافة إلى ممارسته مهنة الطب.[78]
بتوقيع معاهدة عام 1936 في باريس بين الوفد السوري والفرنسيين، ألغيت أحكام الإعدام وقرارات النفي، فعاد عبد الرحمن الشهبندر إلى دمشق في 11 أيار عام 1937، ولكنه عاد ليهاجم الاتفاقية في كل مكان، بعد أن قوبل باستقبال ضخم خرجت فيه الآلاف لاستقباله، طاف بعدها في كل المدن السورية يندّد بالتفاوض مع الفرنسيين ويدعو إلى كل أشكال الاحتجاج على الاحتلال، بما في ذلك الاضرابات والمقاطعة والمظاهرات.[79]
في صباح 6 تموز عام 1940 عندما كان الشهبندر في عيادته دخل إليه ثلاثة أشخاص تظاهروا أنهم يحملون مريضاً وأطلق أحدهم النار عليه فأصابه في رأسه وأرداه قتيلاً، وشيع جثمانه في دمشق ودفن أمام قبر صلاح الدين الأيوبي في الجامع الأموي.[80]
غوطة دمشق، (حسن الخراط)
حسن ابن محمد الخراط، من أوائل زعماء الثورة السورية بدمشق، ولد بدمشق في حي الشاغور بزقاق المزار عام 1861، [81] لم يتلق العلم في المدارس، وعمل حارساً في أحد بساتين الشاغور، ثم انتسب إلى سلك الحراس التابع لمديرية شرطة دمشق فكان برتبة نقيب حراس.[82]
وقد كان على توصل مع نسيب البكري (أحد وجهاء دمشق)، الذي اجتمع مع الشهبندر في آب من العام 1925 واتفقا على بدأ الثورة في غوطة دمشق، وعلى أثرها شكل الخراط مجموعة ثورية سميت بالعصابات الشاغورية واشتق اسمها من حي الشاغور الذي اتخذه الخراط منطلقاً لهجماته ضد القوات الفرنسية، وبعد أن ذاع صيته إنضم إليه مقاتلون من مختلف الأحياء والقرى الدمشقية. وشنَّ الثوار بقيادته هجمات ليلية على المنشآت الفرنسية في أحياء الشاغور وسوق ساروجة والجزماتية، واستطاعوا تدمير جميع الأبنية الفرنسية في هذه المناطق، كما كبّدوا القوات الفرنسية خسائر جسيمة في الأرواح واغتنموا اسلحتها واحتجزوا عدداً من جنودها كرهائن.
أحس الفرنسيون بخطر حسن الخراط فجهزوا حملة لتأديبه وحفظ هيبتهم، فخرجت الحملة إلى زور بلدة المليحة في غوطة دمشق، فلقيهم الخراط ومن معه هناك وتمكن من أخذ ما معهم من الخيل والسلاح، وبعد أن أسر رئيس الدرك (رفيق العظمة) أرسله إلى جبل العرب، وعرفت هذه المعركة باسم معركة الزور الأولى (الزور: هو الأرض الكثيفة الشجر)، وبعدها كانت معركة الزور الثانية وهدفها الانتقام من الثوار، فدارت المعركة عنيفة عند جسر الغيضة وتم فيها إسقاط طائرة فرنسية، وأصيب حسن الخراط في كتفه وأُسعف.[82][83]
وفي السادسة مساء من يوم الأحد 18 تشرين أول عام 1925، قاد الخراط هجوماً كبيراً ضد الجيش الفرنسي في دمشق، مستهدفاً مقر الحكم الفرنسي في قصر العظم والذي كان مقراً لإقامة المفوض السامي الفرنسي موريس ساراي، وبعد قتال ضارٍ سيطر على القصر بعد أن دمرت بواباته وغرفه، وكانت ردة الفعل شديدة من الفرنسيين الذين قصفوا دمشق بالمدفعية والطيران، فدمر جزء كبير من أحيائها ومبانيها وهجر أهلها، ثم دخلت المصفحات الفرنسية المدينة لتقتل كل من تراه أمامها، مستعملة سياسة الأرض المحروقة، وهو ما اضطر الثوار للانسحاب منها والتمركز في بساتين الغوطة الشرقية.
بقي الخراط يقضّ مضاجع الفرنسيين ويغير على مراكزهم، فيقتل من جنودهم، ويغنم من أسلحتهم، ثم يلوذ هو وجنوده بالغوطة الشرقية، إلى أن حاصره الفرنسيون في بستان الذهبي في إحدى قرى الغوطة الشرقية، وألقوا عليه وابلاً من الحمم أدت إلى مقتله في 25 كانون الأول عام 1925، فلما علم الفرنسيون بمقتله، فرحوا فرحاً عظيماً، وقاموا بتوزيع الأوسمة على كافة ضباط الجيش الفرنسي الذين شاركوا في القصف والمعارك في ذلك اليوم.[84]
دير الزور، (عائلة عياش الحاج)
تعرضت عائلة عياش الحاج بكاملها لبطش السلطات العسكرية الفرنسية بعد أن اتهمتهم بالتحضير لثورة وادي الفرات تزامناً مع اندلاع الثورة السورية الكبرى، وقد بدأت مسيرة الأسرة النضالية باجتماع محمد العيّاش وهو الابن الأكبر للزعيم عياش الحاج مع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر زعيم حزب الشعب في دمشق واتفقا على مد الثورة إلى منطقة الفرات وفتح جبهة ضد الفرنسيين لتشتيت قواتهم وتخفيف الضغط عن ثوار الغوطة وجبل العرب.[56][57][85]
عاد بعدها العيّاش من دمشق وبدأ يعد العدة بإثارة غيرة وحماسة أهالي مدينة دير الزور، واتفق مع أخيه محمود على أن يذهب إلى قرى عشيرة البو سرايا التي تقطن غربي مدينة دير الزور ويجمعهم علاقة صداقة قوية مع والده عياش الحاج، وأن يشكل معهم مجموعات ثورية لضرب القوات الفرنسية.[86] واستطاع العيّاش تجنيد بعض الأشخاص الذين يعملون مع الفرنسيين في مراكز الترجمة وغيرها ليعلموه بالأخبار عن أوضاع وتحركات الفرنسيين ونشاطاتهم وعن توقيت عملياتهم العسكرية ويقوم العيّاش بتوجيه الثوار لضرب القوات الفرنسية.
واستطاع الثوار توجيه ضربات مؤلمة للقوات الفرنسية وكان أخرها الهجوم على سيارة تقل ضباطاً فرنسيين مع سائقهم في منطقة عين البو جمعة على طريق دير الزور الرقة، وقد ألقى الثوار القبض على الضباط واقتادوهم مع سيارتهم بعد أن غنموا أسلحتهم إلى مكان جنوب مكان الحادثة في البادية يسمى «العكيصية»، وألقوا بهم مع سائقهم في أحد الآبار المهجورة حيث لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وكان ذلك في مطلع شهر حزيران عام 1925 ثم انسحبوا إلى شواطئ الفرات حيث الغابات والجزر النهرية.
جن جنون الفرنسيين بفقدان الاتصال بالضباط وبدأت حملة كبيرة اشتركت بها الطائرات الفرنسية للبحث عنهم، وعندما عثروا على جثثهم واستدلوا من مخبريهم عن أسماء الثوار، تحركت قوة عسكرية كبيرة اشتركت فيها المدافع والطائرات، وطوقت عشيرة البوسرايا، وقامت طائرات فرنسية بقصف منازل العشيرة قصفاً مدمراً، وتهدمت البيوت على رؤوس الأطفال والنساء واشتعلت النيران في المزروعات والبيادر، وهلكت الماشية فكان قصفاً مرعباً ومدمراً والخسائر البشرية والمادية جسيمة، كل ذلك من أجل الضغط على الأهالي لتسليم الثوار، وقد قتل نتيجة القصف رجلين وامرأة كانت حاملاً، ومن الجرحى العشرات الذين أصيبوا بالرصاص وبشظايا قنابل الطائرات.[87]
وعندما اقتنع الفرنسيون بأن القصف لا يجدي لجأوا إلى وسيلة دنيئة فيها الكثير من الخسة والنذالة حيث هددوا باعتقال نساء الثوار وأمهاتهم وأخواتهم حتى يسلَم الثوار أنفسهم للفرنسيين، وعندما وصل الخبر إلى الثوار وقع عليهم كالصاعقة، إلا أن شرف العربي تهون دونه الأرواح، فخرجوا من مخابئهم وسلموا أنفسهم وهم مرفوعي الرأس فسلمت العذارى والنساء من الغدر المبيت.
جرت محاكمة الثوار في مدينة حلب ووكلت أسرة عيّاش الحاج المحامي فتح الله الصقال للدفاع عنها، [57] واستمعت المحكمة إلى الكابتن (بونو) رئيس الاستخبارات الفرنسية بدير الزور الذي قال: «إذا كان كل من الاشقياء، الذين اقترفوا هذا الجرم الفظيع يستحق الموت مرة واحدة فإن محمد العيّاش زعيم العصابة يستحق الشنق مرتين».[55] وفي 5 آب عام 1925 أصدر المفوض السامي الفرنسي في بيروت قراراً برقم (49 أس) بنفي جميع أفراد أسرة عياش الحاج إلى مدينة جبلة وحكم على محمود العيّاش مع أثنا عشر من رفاقه بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في 15 ايلول 1925 في مدينة حلب، كما حكم على محمد العيّاش بالسجن لمدة 20 عاماً في جزيرة أرواد في محافظة طرطوس.[56][57][85]
وعند تنفيذ حكم النفي خرج أهالي دير الزور قاطبةً لوداع الزعيم عيّاش الحاج وكتب شاعر الفرات محمد الفراتي في نفي عيّاش الحاج وعائلته يومها:[88][89]
لئن فارق الليث الهصور عرينهُ | على الرغم منه والزمان يجورُ | |
فقد كان وراداً لكل مخوفةً | له في الأعادي صولةٌ وزئيرُ | |
مريرٌ على الأعداء صعبٌ ممنعٌ | وحلوٌ على المستضعفينَ مزيرُ | |
مهيبٌ كنصل السيفِ، اما فرندهُ | فصافٍ واما حده فأثيرُ |
وإمعاناً بالتشفي والانتقام استغلت السلطات الفرنسية تردد عيّاش الحاج على مقهى خارج مدينة جبلة ودبرت من دس له السم في قهوته، ومانعت السلطات الفرنسية من نقل جثمانه إلى ديرالزور، لأسباب تتعلق بالأمن العام، ودفن في جبلة في مقبرة جامع السلطان إبراهيم الأدهم، ليتنفس الفرنسيون الصعداء بعد وفاته، لأن الحوادث التي كانت تقع في منطقة الفرات، كانت تجري برأيه وأمره وهو في منفاه، وأقيمت صلاة الغائب على روح هذا المجاهد في كافة البقاع السورية. بقيت عائلة عيّاش الحاج في مدينة جبلة حتى صدور قرار العفو الفرنسي عام 1929 وعادوا بعدها إلى مدينة دير الزور.[55]
ادلب، (إبراهيم هنانو)
إبراهيم بن سليمان آغا بن محمد هنانو، من أبرز قادة الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي، ولد في بلدة كفر تخاريم في محافظة إدلب غربي حلب في سورية لأسرة غنية من أصول كردية، وكان والده سليمان آغا أحد أكبر أثرياء مدينة كفر تخاريم.[53]
بدأ إبراهيم هنانو نضاله الثوري منذ أن وطئت قوات الاستعمار الفرنسي الساحل السوري في أوائل عام 1920 وتحركت نحو الداخل السوري، حيث استدعى عدد من أهالي قريته الذين يثق بوطنيتهم وقدراتهم لتشكيل أول مجموعة جهادية في المنطقة الشمالية أطلق عليها اسم «جمعية الدفاع الوطني»، وبدء عدد المقاتلين المنتسبين لهذه المجموعة بالازدياد حتى وصل إلى خمسين رجلاً في قرية كفر تخاريم، وبدأت حركة تجنيد مماثلة في القرى المجاورة حتى أصبح عدد المجاهدين 400 مجاهد، وقامت هذه القوة بالهجوم ليلة 18-19 نيسان عام 1920 على حارم فهزمت الفرنسيين وأجبرتهم على الانسحاب إلى القلعة الرومانية المجاورة قرب القصبة، وبقيت هذه القوة محاصرة حتى دخول القوات الفرنسية دمشق في 25 تموز عام 1920.
انطلق هنانو في شهر آب عام 1920 إلى مدينة مرعش ليقابل قائد الفيلق الثاني التركي، حيث عقد معه اتفاقية كي تمد الحكومة التركية الثورة بالأسلحة والذخيرة، وتم توقيع هذه اتفاقية في 6 أيلول من عام 1920، عاد بعدها هنانو إلى سورية وبدأ ينظم صفوف المجاهدين من جديد وبعد استتباب الأمور التنظيمية قام هنانو بإعلان الثورة في أواسط شهر أيلول عام 1920 بإذاعة خطابه الشهير الذي وجهه لأبناء الشعب السوري وقد قال فيه:
يا أبناء سورية الأشاوس، يا أباة الضيم، من قمة هذا الجبل الأشمّ أستصرخ ضمائركم، وأقول لكم، إن بلادنا العزيزة أصبحت اليوم محتلة، مهددة من قِبَل المستعمرين، أولئك الذين اعتدوا على قدسية استقلالنا وحرياتنا، فيا أبطال الوغى، ويا حماة الديار، إلى الجهاد، إلى النضال عملاً بقوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم}".[90] |
حُكم على هنانو أربع أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، ومع سيطرة الفرنسيون على الطرق، ونقص الدعم العسكري لهنانو، اضطر في أوائل حزيران من عام 1921 إلى مغادرة معاقله إلى الجنوب حيث حاول التفاوض مع الشريف عبد الله، في الطريق إلى شرق الأردن تعرض لكمين قرب جبل الشعر بالقرب من حماة في 16 حزيران عام 1921، في معركة مكسر الحصان حيث فقد معظم من كان معه واستطاع النجاة بنفسه وتم القضاء على ثورته.[90]
لم تكن تطلعات هنانو السياسية ملائمة للشريف عبد الله ولم يتم اللقاء بينهما، فأكمل هنانو طريقه إلى القدس حيث قبض عليه الإنجليز في 13 اب عام 1921 وسلموه إلى الفرنسيين، وبعد القبض علي هنانو قدم إلى محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية بتهمة الإخلال بالأمن والقيام بأعمال إجرامية، وعقدت المحاكمة أول جلساتها في 15 أذار عام 1922 في ظل إجراءات أمن مشددة، وطالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدامه قائلا «لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعاً»، وخوفاً من تصاعد الثورة وخوفاً من غضب الشعب قررت المحكمة براءته.[90]
ولما نشبت الثورة السورية الكبرى عام 1925، اتصل الزعيم إبراهيم هنانو بالثوار من أجل إعداد سرية مجاهدين لدعم الثورة، لكن هذه السرية تم تطويقها في كفر تخاريم من قبل الفرنسيين وفكت الحصار بعد معركة شرسة، وقد دامت أعمال المجاهدين في المنطقة الشمالية في تلك الفترة من 20 كانون الأول عام 1925 وحتى 15 نيسان عام 1926 ومن أهم المعارك التي جرت في تلك الفترة معركة تل عمار، والتي كانت آخر معارك الثورة في المنطقة الشمالية، وجرت في أوائل شهر نيسان عام 1925.[54]
تحول إبراهيم هنانو بعد ذلك للعمل السياسي فأصبح أحد أعضاء الكتلة الوطنية، وتولى زعامة الحركة الوطنية في شمال سورية، وفي عام 1928 تم تعينه رئيساً للجنة الدستور في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور السوري، إلا أن المفوض السامي الفرنسي سعى إلى تعطيل الجمعية التأسيسية والدستور مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بتنفيذ بنود الدستور، وفي عام 1932 وفي مؤتمر الكتلة الوطنية انتخب إبراهيم هنانو زعيما للكتلة الوطنية، وفي عام 1933 لعب دوراً في استقالة حكومة حقي بيك العظم، بسبب نيتها الموافقة على المعاهدة الفرنسية.[91]
توفي إبراهيم هنانو عام 1935 بعد صراع مع المرض، وشيع جثمانه في مدينة حلب حيث سار في موكب التشييع أكثر من 150 ألفاً وامتد التشييع من الجامع الأموي في حلب إلى مقبرة الشيخ الثعلبي في الجهة الغربية من المدينة.[91]
حماة، (فوزي القاوقجي)
ولد فوزي القاوقجي في طرابلس بلبنان عام 1890، التحق بالجيش العثماني وتخرج عام 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة، وكان مقره في مدينة الموصل، وهناك بدأت مواهبه بالبروز فصار بعد وقت قصير معلِّماً للفروسية في كتيبته ثم محاضراً لضباط الفيلق وقواده مما أتاح له فرصة كبيرة للتعرف على أكبر عدد ممكن من الضباط العرب في وقت كان العراق في طليعة المناطق العربية التي تأججت فيها المشاعر القومية.[92]
نظر بشك وريبة إلى الثورة العربية الكبرى التي اعلنها الشريف حسين في الحجاز بسبب معاونة الإنجليز للشريف حسين، لأدراكه أن الإنجليز لا يساعدون الشعوب العربية حرصاً على مصلحتهم في الوقت الذي يساعدون اليهود على انتزاع فلسطين، ويبرمون في الوقت عينه اتفاقية سايكس بيكو التي يقتسمون بموجبها المنطقة مع فرنسا، ولهذا آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وظل يقاتل في صفوف الأتراك رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطتهم وتيقنه من خسارتهم.[93]
عاد القاوقجي فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس عام 1918، وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة، وقد عُين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي وهناك تكشف له غدر الحلفاء فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة، فعُين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي، ولدى دخول الفرنسيين دمشق عام 1920 كان القاوقجي يتولى حراسة قصر الملك فيصل وقلعة دمشق.[93]
آلمه خسارة الجيش السوري لمعركة ميسلون واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة عام 1920 وحزّ في نفسه دخول الفرنسيين دمشق مستعمرين فصمَّم منذ تلك اللحظة على التخطيط للثأر والتحرير مهما بلغت التضحيات، ولهذا بدأ يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا وتواصل مع القائد إبراهيم هنانو في الشمال وبعد قيام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش أعلن القاوقجي من جهته الثورة في حماة وضواحيها وكاد أن يستولي على المدينة لولا قصف الطائرات العنيف للأحياء الشعبية فخرج إلى البادية لإثارة القبائل ضد الفرنسيين وتخفيف الضغط عن الثوار في المناطق الأخرى، وقد حقق انتصارات مهمة على القوات الفرنسية وحامياتها وثكناتها وأنزل بها خسائر فادحة حتى أسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة ومنحه سلطات واسعة.[59]
بقي القاوقجي متنقلاً بين حماة والغوطة والقلمون على مدى ثلاث سنوات خاض عشرات المعارك وكبد الفرنسيين خسائر فادحة، وكان هدفه تخفيف الضغط على الثوار في جنوب سورية، ووصلت أصداؤها إلى طرابلس وجرود عكار والضنية إلى درجة أن الفرنسيين جمعوا أعيان طرابلس وهددوا بقصف المدينة من البحر بعد أن نفوا عبد اللطيف البيسار وعبد الحميد كرامي وآخرين إلى جزيرة أرواد.
وبقي القاوقجي يقاوم من موقع إلى موقع ومن منطقة إلى أُخرى حتى اضطره النقص الهائل في العتاد والسلاح واستشهاد عدد كبير من المجاهدين معه إلى اللجوء إلى جبل العرب، وبقي فترة إلى أن استدعته اللجنة الثورية إلى عمّان والقدس عام 1927، وكلف بالسفر إلى تركيا لإقناعها بمساعدة الثورة السورية وأمام عدم تلقيه أي دعم أدرك أن الثورة لن يكتب لها النجاح في ظل هذا الوضع العربي المتردى حيث الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة، وقلة أو انعدام الدعم للثوار.[93]
أسندت جامعة الدول العربية إلى فوزي القاوقجي عام 1947 قيادة جيش الإنقاذ للدفاع عن فلسطين وقضيتها العادلة وذلك على أثر المعارك الضارية في فلسطين بين العرب واليهود، فأبلى القاوقجي بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها، إلى أن فوجئ بإبرام الهدنة بين الأنظمة العربية يومذاك والصهاينة وأدرك أن التآمر قد فعل فعله في اللحظات الحاسمة، وأمام انقطاع المؤن والنقص في العتاد والذخائر انسحب إلى جنوب لبنان وقدم استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، عاد بعدها القاوقجي إلى دمشق ثم انتقل للعيش في بيروت إلى أن وافته المنية في كانون الأول من عام 1976.[94]
نتائج الثورة
حققت الثورة نتائج كبيرة على صعيد النضال الوطني والسعي لتحقيق الاستقلال التام عن فرنسا، ومن أبرز هذه النتائج:[95][96]
- زعزعت هذه التحركات الكبيرة بشكل كبير سياسة الفرنسيين في سورية وأصبحوا على قناعة تامة بأن الشعب في سورية لن يرضخ ولا بد من تأسيس حكومة سورية وطنية والرضوخ لإرادة الشعب وثورته الكبرى، كما أصبحوا على قناعة تامة بضرورة الجلاء عن سورية ومنحها استقلالها التام، ففي عام 1928م قدم النائب (سيكست كوانتين) اقتراحاً بإرجاع سورية ولبنان إلى عهدة عصبة الأمم تخلصاً من الدم المراق فيهما والمصاريف، فنال اقتراحه مائتي صوت من أصل أربعمائة وثمانين صوتاً.
- أدت الثورة لبعث الحركة الداعية إلى إقامة حكومة ملكية في سورية، حيث يرى أنصار هذا المشروع انه الضمانة الوحيدة لقيام التعاون الصادق المستمر لتنفيذ الانتداب، فكان علي بن الحسين المرشح لهذا العرش إلا إن المشروع فشل بسبب رفض السوريين له.
- أجبرت الثورة فرنسا على إعادة توحيد سورية بعد أن قسمتها إلى أربع دويلات (دمشق، وحلب، وجبل العلويين وجبل الدروز).
- اضطرت إلى الموافقة على إجراء انتخابات فازت فيها المعارضة الوطنية بقيادة إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي.
- اضطرت فرنسا إلى إجراء إصلاحات إدارية من عزل مفوضها السامي وضباطها العسكريين في سورية وتعيين البدائل عنهم، كما حصل مثلاً مع المفوض السامي ساراي بعـد مهاجمة الثـوار لقصر العظـم بدمشق، فعينت مندوباً مدنياً جديداً وهو (دي جوفنيل).
- أجبرت فرنسا على إرسال أبرز قياديها في الحرب العالمية الأولى مثل الجنرال (غاملان) بعد تزايد قوة الثوار وانتصاراتهم.
- مهدت لخروج الفرنسيين نهائياً من سورية عام 1946 حيث استمر النضال بشكله السياسي.
- قصفت دمشق بالطيران لمدة 24 ساعة متواصلة، وخلو بعض القرى في جبل العرب من أهلها نتيجة لتدميرها وحرقها.
- كانت الثورة انتصارا للوعي القومي والوطني على الإقليمية والطائفية حيث كان أهم شعاراتها التي أطلقها قائدها الدين لله والوطن للجميع.
شهداء الثورة السورية الكبرى
بلغ عدد قتلى الثورة السورية الكبرى 4213 قتيل موزعين على المحافظات السورية التالية:[74][97]
صرح الثورة السورية الكبرى
يقع صرح الثورة السورية الكبرى في بلدة القريا على مسافة 15 كم جنوب مدينة السويداء، وهي مسقط رأس قائد الثورة سلطان باشا الأطرش، وقد بدء بناء الصرح عام 1987 وافتتح عام 2010 بمساحة تصل إلى 6200 متر مربع وتشمل بناء الصرح وملحقاته على مساحة 2800 متر مربع.[98] ويضم بناء الصرح في قسمه الأرضي المتحف العام لصرح الثورة السورية الكبرى الذي يعتبر شاهداً حياً يروي مآثر الثوار وبطولاتهم في مواجهة الاستعمار الفرنسي حيث يضم معالم وإنجازات الثورة والمقتنيات والأسلحة الحربية التي كان يستخدمها الثوار خلال مواجهة الاستعمار والبيارق والصور والوثائق الخاصة التي واكبت الثورة السورية الكبرى.[99]
ويقع إلى جانب المتحف في وسط الصرح قاعة مركزية تضم رفاة القائد العام للثورة السورية الكبرى المجاهد سلطان باشا الأطرش إضافة إلى بانوراما من الفسيفساء تجسد معارك الثورة ولوحات توثق أسماء المعارك والشهداء الذين قتلوا فيها إلى جانب غرفة للإدارة ومكتبة ومتحف خاص بالقائد العام للثورة يحتوي على اللباس العربي الكامل الخاص به من عباءة وثوب وصدرية وجاكيت وقنباز وأسلحة وعتاد حربي يشمل بندقية حربية ورشاشاً كان يستخدمه وبندقية صيد وأربعة رشاشات وبندقية فرنسية وحزاماً جلدياً لحفظ الطلقات وعصا خشبية على شكل دبوس وبعض الطلقات إضافة إلى وسام الأرز الوطني الذي حاز عليه وكذلك سيفان فرنسيان أحدهما يعود لقائد حملة الكفر الجنرال نورمان وغمد سيف ثالث وهاتفان ميدانيان ومسدس إشارة وثلاث طلقات ومفجر صاعق ومغلاق بندقية وقذيفة رشاش وعدادات طائرة.[100][101]
انظر أيضاً
المراجع
- العبد الله، علي، دروس من الثورة السورية الكبرى، مقالة منشورة في جريدة المدن الإلكترونية، 17/03/2015. نسخة محفوظة 17 سبتمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- "الحرب العالمية الأولى أدت بعد عشرين عاما إلى الحرب العالمية الثانية التي كرست غياب أوروبا لمصلحة قوة عظمى في العالم هي أميركا، مقالة منشورة في جريدة العرب الإلكترونية، 2014\06\29."، مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
- سورية والانتداب الفرنسي 1920-1946، مقالة منشورة في موقع معابر، 15/3/2003. نسخة محفوظة 29 مايو 2017 على موقع واي باك مشين.
- الحمش، منير، العرب في مواجهة مخاطر التقسيم، مقالة منشورة في موقع حزب البعث العربي الإشتراكي (القيادة القومية)، 1/3/2012. نسخة محفوظة 07 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- حسين بن علي الهاشمي، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- مراسلات الحسين – مكماهون، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- السادس من أيار عيد الشهداء ذكرى أول قافلة للشهداء في سبيل الحرية ما هي قصة هذا اليوم المجيد؟ [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 20 يوليو 2014 على موقع واي باك مشين.
- سورية صنع دولة وولادة أمة، مرجع سابق، ص.241
- تاريخ الاحتلال البريطاني لسورية 1918 نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين. بقلم: المحامي علاء السيد من موقع سيريا نيوز "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 24 سبتمبر 2015، اطلع عليه بتاريخ 28 فبراير 2018.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link) - التسلسل الزمني لعمليات الثورة العربية، مقالة منشورة في صحيفة الرأي، 18/2/2016. نسخة محفوظة 29 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- يوسف، نضال، قصة قبر الانكليزي في حلب، مقالة منشورة في موقع سورية الإلكتروني، 12/8/2010. نسخة محفوظة 31 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- عصر السلطان عبد الحميد، مرجع سابق، ص.287
- الحكومة السورية (أكتوبر 1918)، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- زيدان، رغداء، الحكومة العربية الأولى وأحلام الاستقلال، مقالة منشورة في موقع السورية نت، 1/1/2015. نسخة محفوظة 17 يوليو 2019 على موقع واي باك مشين.
- "المؤتمر السوري العام، مقالة منشورة في موقع الثورة العربية، 20/4/2016."، مؤرشف من الأصل في 10 مايو 2018، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- "صالح، جاسم، فيصل الأول، مقالة منشورة في موقع الثورة العربية، 12/7/2008."، مؤرشف من الأصل في 25 يونيو 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- "وثائق سورية مشروع فيصل _ كليمنصو، مقالة منشورة في موقع الجمل بما حمل، 16/11/2008."، مؤرشف من الأصل في 20 يونيو 2018، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- المؤتمر السوري العام، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- محمد عزة دروزة. 1986. مذكرات وتسجيلات. الجزء الثاني. الجمعية الفلسطينية للتاريخ والآثار. ص 63-65.
- مؤتمر سان ريمون، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- الأقاليم السورية الشمالية، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- هنري غورو، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 3/4/2016.
- "شهداء معركة ميسلون يوثقون بدمائهم إرادة شعب سوري مقاوم للاستعمار لا تنكسر، مقالة منشورة في موقع جريدة الوحدة الإلكتروني."، مؤرشف من الأصل في 3 أغسطس 2014، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- يوسف العظمة الشعلة التي أنارت درب الجلاء الطويل، مقالة منشورة في موقع صحيفة تشرين الإلكتروني، 16/04/2013. نسخة محفوظة 9 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- "الجنابي، أحمد، معركة الشرف العسكري ميسلون، مقالة منشورة في موقع الجزيرة نت."، مؤرشف من الأصل في 21 مايو 2019، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- معركة ميسلون… فاتحة الثورة السورية الكبرى والرد المدوي على أطماع الغزاة الفرنسيين في سورية، مقالة منشورة في موقع سانا، 24/7/2014. نسخة محفوظة 17 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- "العجلاني، شمسس الدين، في ذكرى معركة ميسلون أدق التفاصيل عن الانتداب الفرنسي (غورو لم يحتل دمشق)، مقالة منشورة في موقع رابطة أدباء الشام، 26/6/2010."، مؤرشف من الأصل في 9 مايو 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- "يوسف العظمة، مقالة منشورة في موقع الموسوعة العربية، 16/3/2016."، مؤرشف من الأصل في 18 أبريل 2017، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- اليوم الذكرى 94 لمعركة ميسلون الخالدة بقيادة الشهيد يوسف العظمة، مقالة منشورة في موقع زيم الإخباري، 24/7/2014. نسخة محفوظة 29 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- "يوسف العظمة .. بطل معركة ميسلون، مقالة منشورة في موقع قصة الإسلام، 05/06/2011."، مؤرشف من الأصل في 1 أكتوبر 2017، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- الحافظ، محمد، صفحات مشرقات وحقائق تاريخية عن معركة ميسلون، مقالة منشورة في موقع الألوية الثقافية، 6/10/2014. نسخة محفوظة 16 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
- الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- سلطان باشا الأطرش، موسوعة ويكيبيديا، 20/4/2016.
- البعيني، نجيب، سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى، مقالة منشورة في موقع الخيام، 9/4/2008. نسخة محفوظة 27 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
- البعيني، نجيب، الثورة السورية الكبرى شعارها النبيل اضطهد كثيراً من أحداثها، مقالة منشورة في موقع الرأي، 17/4/2011. نسخة محفوظة 01 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 10.
- شوقي، أيهاب، مقالة منشورة في موقع التجمع القومي الديمقراطي الموحد. نسخة محفوظة 28 أبريل 2017 على موقع واي باك مشين.
- قاسمية، خيرية، أدهم خنجر أبرز آباء المقاومة والاستقلال هكذا أعدمه الحقد الفرنسي في بيروت، مقالة منشورة في موقع السرائر. نسخة محفوظة 24 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- محافظة، علي، حركات المقاومة الوطنية في الوطن العربي - الثورة السورية الكبرى، مقالة منشورة في موقع صحيفة الدستور، 8/8/2010. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 25 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- الشوفي، منهال، صفحات من سفر الثورة السورية الكبرى... بطولات وتضحيات طردت الإنتداب وصنعت الاستقلال، مقالة منشورة في موقع صحيفة الثورة الإلكتروني، 18/4/2006. نسخة محفوظة 07 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- "الشوفي، منهال، الانتداب الفرنسي - قصة وطن، مقالة منشورة في موقع البوصلة، 5/8/2014."، مؤرشف من الأصل في 28 سبتمبر 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- "قاسمية، خيرية، الثورات الوطنية في سورية في عهد الانتداب الفرنسي، مقالة منشورة في موقع الموسوعة العربية، 20/4/2016."، مؤرشف من الأصل في 20 سبتمبر 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- الشوفي، منهال، صفحات من سفر الثورة السورية الكبرى - بطولات وتضحيات طردت الإنتداب وصنعت الاستقلال، مقالة منشورة في موقع جريدة الثورة السورية، 18/4/2006. نسخة محفوظة 07 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- محافظة، علي، حركات المقاومة الوطنية في الوطن العربي (الثورة السورية 1925)، مقالة منشورة في موقع جريدة الدستور، 8/8/2010. نسخة محفوظة 25 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين. "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- الشوفي، منهال، صفحات مجيدة من تاريخنا الوطني (1) معركة الكفر والثأر لميسلون، مقالة منشورة في موقع السويداء اليوم، 1/12/2013. نسخة محفوظة 21 سبتمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- الصحناوي، ضياء، حمد البربور شهيد تل الخروف، مقالة منشورة في موقع سورية الإلكتروني، 20/9/2008. نسخة محفوظة 31 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 120.
- أسباب الثورة السورية الكبرى، مقالة منشورة في موقع سلطان الأطرش. نسخة محفوظة 06 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- الطبيب المناضل عبد الرحمن الشهبندر «1879 ـ 1940»م، مقالة منشورة في موقع صحيفة تشرين الإلكتروني، 30/10/2013. نسخة محفوظة 11 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- رابطة أدباء الشام.نسخة محفوظة 22 يوليو 2019 على موقع واي باك مشين.
- رائد الاستقلال وأول وزير خارجية لسورية.. قاوم المحتل الفرنسي فاغتاله العملاء، مقالة منشورة في موقع ألف ياء الأخبار، 17/04/2013. نسخة محفوظة 08 ديسمبر 2015 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- الراشد، سعد، الزعيم إبراهيم هنانو صفحات نضال ومواقف بطولة، مقالة منشورة في موقع صحيفة الجماهير، العدد: 14431، 2015/12/13. نسخة محفوظة 13 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- "إبراهيم هنانو الآغا الذي أنفق أمواله على قتال المحتل ووضع اللبنة الأولى للدستور ومات فقيراً وحيداً، مقالة منشورة في موقع السوري الجديد، 24/1/2016."، مؤرشف من الأصل في 21 سبتمبر 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- الشاهين، مازن محمد فايز، تاريخ دير الزور، دار التراث، 2009، ص 753. "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 20 فبراير 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link) - الحسين، محمد، ملحمة "البوجمعة"... بطولة زادت اللحمة الوطنية، مقالة منشورة في موقع e-syria، تاريخ 14/4/2011. نسخة محفوظة 09 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- النجرس، محمود، ملحمة البوجمعة - من ملاحم الاستشهاد البطولي في وادي الفرات، جريدة الفرات، 2005. "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 20 فبراير 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link) - الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 6.
- "فوزي القاوقجي، الموسوعة العربية، 14/4/2016."، مؤرشف من الأصل في 31 مايو 2017، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- العنتبلي، أشرف، فوزى القاوقجى صفحات من حياته وجهاده، ويكيبيديا الأخوان المسلمون، 20/4/2016. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 7 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- العماطوري، معين، بيان الثورة السورية الكبرى قوبل بمنشور "فرنسي" عاجز، مقالة منشورة في موقع سورية الإلكتروني، 18/4/2016. نسخة محفوظة 31 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- موريس بول ساراي، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 3/4/2016.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 22.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 26.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 36.
- معركة المسيفرة، مقالة منشورة في موسوعة ويكيبيديا، 23/4/2016.
- حوران، شوقي، معركة المسيفرة كما رواها القائد سلطان باشا الأطرش، مقالة منشورة في موقع الجولان الإلكتروني، 11/04/2010. نسخة محفوظة 31 مايو 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 51.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 70.
- الخطيب، محمد كامل، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة)، الثورة السورية الوطنية - مذكرات عبد الرحمن الشهبندر، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الثانية، 1993، ص 80.
- الشوفي، منهال، صفحات من سفر الثورة السورية الكبرى - بطولات وتضحيات طردت الإنتداب وصنعت الاستقلال، مقالة منشورة في موقع الثورة السورية، 18/4/2006. نسخة محفوظة 07 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- العماطوري، معين، بيان الثورة السورية الكبرى قوبل بمنشور "فرنسي" عاجز، مقالة منشورة في موقع سورية الإلكتروني، 18/4/2009. نسخة محفوظة 31 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- الأطرش، منصور، سلطان باشا الأطرش، مقالة منشورة في موقع اكتشف سورية. نسخة محفوظة 31 مايو 2017 على موقع واي باك مشين.
- سلطان الأطرش، ويكيبيديا، 9/12/2015. نسخة محفوظة 30 ديسمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
- الأطرش، ريم، سيرة حياة سلطان باشا الأطرش، مقالة منشورة في موقع سلطان الأطرش. نسخة محفوظة 01 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
- "الجبين، ابراهيم، عبد الرحمن الشهبندر أول العلمانيين المدافعين عن العروبة والإسلام، مقالة منشورة في موقع صحيفة العرب، 2013\11\30."، مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
- عبد الرحمن الشهبندر المناضل الدمشقي، مقالة منشورة في موقع مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر والتوزيع. نسخة محفوظة 13 مايو 2019 على موقع واي باك مشين.
- عبد الرحمن الشهبندر، مقالة منشورة في موقع مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 23/07/2002. نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- "الجبين، ابراهيم، عبدالرحمن الشهبندر.. أول العلمانيين المدافعين عن العروبة والإسلام، مقالة منشورة في موقع صحيفة العرب الإلكتروني، 2013\11\30."، مؤرشف من الأصل في 08 مارس 2020.
- اسماعيل، لؤي، اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في عيادته في حي الشعلان، مقالة منشورة في موقع الجولان الإلكتروني، 16/01/2010. نسخة محفوظة 08 ديسمبر 2015 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
- Author Sami Moubayed lists the birth year as 1861 (Moubayed, 2006, p. 381,) while author Michael Provence writes al-Kharrat was 50 years old in late 1925 (Provence, 2005, p. 100.)
- حسن الخراط.. اسم يثير الرعب في قلوب الفرنسيين، موقع أزمنة، 31/7/2011. نسخة محفوظة 07 ديسمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
- حسن الخراط، موقع الموسوعة العربية. نسخة محفوظة 24 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
- الشامي، أبو بكر، القائد البطل حسن الخرّاط، موقع رابطة أدباء الشام، 23/4/2011.. نسخة محفوظة 9 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- فتوح عيسى، عبد القادر العياش الباحث والمؤرخ، مجلة المعرفة، وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، العدد 646، ص 153-159، العام 2017. نسخة محفوظة 16 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- الباحث عبد القادر عياش في منتدى فوزية المرعي، مقالة منشورة في موقع جريدة الفرات الإلكتروني، العدد: 1024. نسخة محفوظة 12 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- العرفي، صبحي، ملحمة البطولة - دنشواي في سورية بطلها محمود عيّاش (أبو ستيتة) مناضل من دير الزور، مجلة منارة الفرات، 2008، كانون الأول، ص 46. "نسخة مؤرشفة"، مؤرشف من الأصل في 14 أبريل 2016، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link) - الشاهين، مازن محمد فايز، تاريخ محافظة دير الزور، دار التراث، 2009، ص 753. نسخة محفوظة 9 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- الفراتي محمد، ديوان الفراتي، الجزء الأول، مطبعة بابيل اخوان، دمشق، 1931، ص 157. نسخة محفوظة 9 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
- كنفاني، عدنان، ابن البلد... إبراهيم هنانو، مقالة منشورة في موقع سورية الإلكتروني، 20/8/2008. نسخة محفوظة 14 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
- النعمة، عمار، ابراهيم هنانو حكاية نضال، مقالة منشورة في موقع جريدة الثورة الإلكتروني، 18/4/2016. نسخة محفوظة 07 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- فوزي القاوقجي، ويكيبيديا، 14/4/2016.
- "فوزي القاوقجي، الموسوعة الفلسطينية، 14/4/2016."، مؤرشف من الأصل في 31 أغسطس 2018، اطلع عليه بتاريخ 25 أبريل 2016.
- سليمان، محمود حمد، المجاهد فوزي القاوقجي، مقالة منشورة في موقع ذاكرة طرابلس وتراثها. نسخة محفوظة 14 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، ويكيبيديا، 9/12/2015.
- الموقع الرسمي للمجاهد سلطان باشا الأطرش نسخة محفوظة 06 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
- من هو سلطان باشا الأطرش، مقالة منشورة في موقع اتحاد الديمقراطيين السوريين، 14/10/2015. نسخة محفوظة 25 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
- 10 حاطوم سهيل، 10 لوحات فنية من الفسيفساء تتوسط صرح الثورة السورية الكبرى في القريا، مقالة منشورة في موقع وكالة سانا السورية، 18/5/2015. نسخة محفوظة 17 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- صرح الثورة السورية الكبرى، مقالة منشورة في موقع وزارة الثقافة السورية، 15/4/2010. نسخة محفوظة 12 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
- متحف صرح الثورة السورية الكبرى في السويداء، مقالة منشورة في موقع جريدة تشرين السورية، 16/04/2013. نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- متحف صرح الثورة السورية الكبرى في السويداء يروي مآثر الثوار وبطولاتهم، مقالة منشورة في موقع أكتشف سورية. نسخة محفوظة 17 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
وصلات خارجية
- بوابة فرنسا
- بوابة الحرب
- بوابة آسيا
- بوابة لبنان
- بوابة سوريا
- بوابة التاريخ
- بوابة عقد 1920