الإمبراطورية البرتغالية

الإمبراطورية البرتغالية (بالبرتغالية: Império Português)، وتعرف أيضًا إمبراطورية ما وراء البحار البرتغالية (Ultramar Português)، أو الإمبراطورية الإستعمارية البرتغالية (Império Colonial Português). وهي أول إمبراطورية عبر البحار في التاريخ،[1][2][3] بالإضافة إلى أنها كانت أطول الإمبراطوريات الأوربية الاستعمارية الحديثة عمرا؛ فقد استمرت قرابة الستة قرون، بداية من احتلال سبتة سنة 1415م، إلى تسليم ماكاو سنة 1999م. وقد امتدت رقعة الإمبراطورية البرتغالية في أرجاء واسعة من العالم، وهي تشكل الآن جزءا من أراضي 60 دولة مستقلة.

الامبراطورية البرتغالية
Império Português
امبراطورية
584 سنة
الإمبراطورية البرتغالية
علم البرتغال 
الإمبراطورية البرتغالية
شعار البرتغال 
الشعار الوطني : Vis Unita Maior Nunc et Semper
النشيد :
O Hino da Carta
(1834–1910)
A Portuguesa
(1910–2002)
الامبراطورية البرتغالية ومناطق نفوذها في الخارج.
  مناطق كانت للامبراطورية البرتغالية في أحد الأوقات
  الاكتشافات
  مناطق نفوذ والتجارة
  ادعاءات السيادة
  محطات تجارية
  مناطق نفوذ وطرق الاستكشافات البحرية الرئيسية

عاصمة لشبونة
نظام الحكم
ملكي
(1415–1910)
جمهوري
(1910–2002)
اللغة الرسمية البرتغالية
المجموعات العرقية برتغاليون
التاريخ
غزو سبتة وتأسيس أول مستعمرة 1415
الطريق إلى الهند 1498
اكتشاف البرازيل 1500
ضم البرتغال إلى إسبانيا 1580–1640
الحرب البرتغالية الهولندية 1588–1654
حرب الاستعادة البرتغالية 1640–1668
إعلان استقلال البرازيل 1822
الجمهورية 1910
حروب البرتغال الاستعمارية 1961–1974
ثورة القرنفل 1974–1975
تسليم ماكاو 1999

بدأت الاستكشافات البحرية البرتغالية في الساحل الأفريقي سنة 1419م، واستخدم البحارة البرتغاليون الطرق الحديثة في الملاحة والخرائط والتقنيات البحرية؛ مثل سفن الكارافيل، وذلك من أجل استكشاف طريق بحري يكون مصدرا لتجارة التوابل، وفي سنة 1488م؛ عبر بارثولوميو دياز حول طريق رأس الرجاء الصالح، ثم وصل فاسكو دا غاما إلى الهند سنة 1498م، وفي سنة 1500م، وبطريق الصدفة المحضة، تمكن بيدرو ألفاريز كابرال من الوصول ليابسة أمريكا الجنوبية، ويكتشف البرازيل. وقد استمر البحارة البرتغاليون، على مر العقود التالية، في استكشاف السواحل والجزر في شرق آسيا، مؤسسين حصونًا وطرق تجارة أينما ذهبوا، ولم تمر سنة 1571م حتى كانت هناك سلسلة من المواقع الاستيطانية، تصل لشبونة بناغازاكي، على طول سواحل أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وقد جلبت تلك الشبكة التجارية ثروة كبيرة للبرتغال.

بين 1580م و 1640م؛ اتحدت البرتغال مع إسبانيا لفترة عرفت بالاتحاد الإيبيري، رغم أن الإمبراطوريتين استمرتا في إدارة أراضيهما بشكل منفصل. وقد تسبب ذلك في تعريض المستعمرات البرتغالية للهجمات من قبل ثلاث قوى أوروبية معادية لإسبانيا، وحاسدة للنجاحات الإيبيرية عبر البحار، وهذه القوى الثلاث هي: هولندا (التي اشتركت في حرب الاستقلال ضد إسبانيا)، وإنجلترا وفرنسا. ولم تتمكن البرتغال من الدفاع بكفاءة عن ممتلكاتها، ولا عن شبكتها التجارية الممتدة بصورة أكبر من طاقتها، وذلك بسبب قلة عدد سكانها، لذا فقد بدأت الإمبراطورية في الانهيار الطويل والمنتظم.

جلبت هولندا خسائر كبيرة للهند البرتغالية وجنوب شرق آسيا خلال القرن 17 الميلادي، مما وضع حدًّا لاحتكار التجارة البرتغالية في المحيط الهندي، وأضحت مستعمرة البرازيل، أثمن مستعمرات البرتغال، جزءا من موجات حركات الاستقلال التي اجتاحت الأمريكيتين أوائل القرن 19 الميلادي، حتى انفصلت عنها سنة 1822م. وكانت الإمبراطورية البرتغالية قد قللت من عدد مستعمراتها على الساحل الأفريقي، (بحساب التوسع إلى الداخل أثناء التدافع على أفريقيا أواخر القرن 19 الميلادي)، وتيمور الشرقية، والجيوب الموجودة في الهند وماكاو.

بعد الحرب العالمية الثانية؛ حاول الزعيم البرتغالي أنطونيو سالازار الاحتفاظ على ما تبقى من إمبراطوريته متعددة القارات سليمة، في وقت كانت دول أوروبية أخرى بدأت بالانسحاب من مستعمراتها؛ ففي 1961م لم تستطع القوات البرتغالية القليلة المرابطة في غوا منع القوات الهندية من دخول المستعمرة، ثم بدأ سالازار حربا طويلة ودموية، لقمع الثورات المناهضة للاستعمار في المستعمرات الأفريقية، وقد استمرت الحرب التي لا تحظى بشعبية في البرتغال حتى الإطاحة بالنظام في 1974م، وعلى إثر ذلك بدأت الحكومة الجديدة بتغيير سياساتها والاعتراف باستقلال جميع مستعمراتها، باستثناء ماكاو التي عادت بالاتفاق مع الحكومة الصينية إلى الصين، في عام 1999م، مسجلة بذلك نهاية الإمبراطورية البرتغالية، ولا يرتبط بالبرتغال سياسيا، بالوقت الحالي، سوى أرخبيلي جزر الأزور وماديرا.

البداية (1139–1415)

البرتغال سنة 1415

تعود بدايات الإمبراطورية البرتغالية والبرتغال نفسها إلى حركات الاسترداد: الاسترداد المسيحي التدريجي لشبه الجزيرة الإيبيرية من الموروس المسلمين، بعد تأسيسها باعتبارها مملكة منفصلة في 1139م. واستكملت البرتغال استرداد أراضيها من المسلميين عند وصولهم الغرب في 1249م، ولكن استقلالها لايزال تهدده جارتها قشتالة، حتى التوقيع على معاهدة أيلون في 1411م.

فعندما خلت الأخطار المهددة لوجودها، وعدم وجود اعداء بسبب الحروب التي بين الدول الأوروبية الأخرى، تحول اهتمام البرتغاليين إلى ماوراء البحار، فأرسلوا بعثة عسكرية إلى أراضي المسلمين بشمال أفريقيا.[4] وكان هناك عدة دوافع محتملة للهجوم؛ الأول: إتاحة الفرصة لمواصلة الحملات الصليبية المسيحية على السلطنة المرينية المسلمة، (في المغرب في الوقت الحاضر)، أما الثاني فمتعلق بالطبقة العسكرية؛ فإنه مجد واعد في ساحة المعركة وغنائم حرب،[5] وأخيرا؛ فقد كانت أيضا فرصة لتوسيع التجارة البرتغالية، ومعالجة التدهور الاقتصادي للبرتغال.[4]

وفي 1415 تعرضت سبتة لهجوم، وهي جيب مسلم، وذات موقع استراتيجي شمال أفريقيا؛ تطل على البحر الأبيض المتوسط، وأحد المنافذ النهائية لعبور الذهب والرقيق عبر الصحراء الكبرى، ويعتبر غزوها دليلًا على النجاح العسكري، ومؤشرًا أوليًّا للخطوات الأولى في توسع البرتغاليين خارج الجزيرة الإيبيرية[6]، ولكنه أثبت أنه مكلف جدا في الدفاع ضد القوات المسلمة التي حاصرته بعد ذلك، ولم يكن باستطاعة البرتغاليين استخدام سبتة كقاعدة لمزيد من التوسع في المناطق التي تليها[7]، فتحولت لذلك قوافل الصحراء عن سبتة لتتجاوزها، وبدأت باستخدام موانئ إسلامية بديلة.[8]

عصر الاستكشاف (1415–1542)

الأمير هنري الملاح ويعود إليه الفضل بصفته القوة الدافعة وراء الاكتشافات البحرية البرتغالية.

مع أن سبتة برهنت على خيبة أمل البرتغال اتُّخِذَ قرارٌ بإبقائها في دائرة اهتماماتهم إلى حين استكشاف الساحل الأفريقي المحاذي للأطلسي،[8] وكان الأمير هنري الملاح من أشد المؤيدين لهذه السياسة، وهو من الذين أسهموا في احتلال سبتة، وقد تولى دورا قياديا في تعزيز وتمويل استكشافات البحرية البرتغالية حتى وفاته في 1460م.[9] وفي ذات الوقت لم يكن الأوروبيون يعرفون ما يكمن وراء بوجدور على الساحل الأفريقي، وقد رغب هنري في معرفة إلى أين تنتهي أراضي المسلمين في أفريقيا، وهل من الممكن الوصول إلى آسيا عن طريق البحر، وقد كانت النية هي الوصول إلى مصدر تجارة التوابل المربحة، أو ربما للانضمام إلى جنود مملكة الراهب يوحنا المسيحي المفقودة، والتي يقال إنها موجودة في مكان ما في "الهند"،[5][10] ثم وصل المستكشفون بدعم منه؛ (أي: هنري الملاح)، إلى جزر الأزور (1427م) وماديرا (1420م)؛ حيث شرعوا في استيطانها، والبدء في إنتاج القمح وتصديره للبرتغال.

بدأ الخوف مِمَّا وراء بوجدور، وإن كان من الممكن العودة مرة أخرى بعد تجاوزها، يخف في سنة 1434م، عندما عبرها أحد القادة المقربين للأمير هنري، وهو جيل ايانس؛ فعندما تجاوز هذا الحاجز النفسي، وأصبح من السهل استكشاف المزيد من الساحل الأفريقي،[11] منحه الأمير بيدرو -شقيق هنري- في سنة 1443م حق احتكار الملاحة والحرب والتجارة من الأراضي جنوبا من بوجدور، ثم بعدها ظهرت الأوامر البابوية "Dum Diversas" (1452م)، و"Romanus Pontifex" (1455م)، التي منحت البرتغال حق احتكار التجارة في الأراضي المكتشفة حديثا،[12] وفي منتصف القرن 15 الميلادي حصل تقدم كبير، تسارع مع مشروع الاستكشافات، وهو ظهور المركب الشراعي كارافيل، وهي السفينة التي يمكن أن تكون أقرب مع مسار الرياح من أية سفينة أخرى تعمل في أوروبا في ذلك الوقت؛[13] فتمكن البرتغاليون باستخدام هذه التكنولوجيا البحرية الجديدة من الوصول جنوبا إلى دوائر عرض أبعد من أي وقت مضى، والتقدم بمعدل درجة واحدة سنويا؛[14] فوصلوا إلى السنغال، وشبه جزيرة الرأس الأخضر سنة 1445م.

خريطة القرن 16 في غرب أفريقيا يظهر ادعاءات البرتغال: "Guine" (غينيا) و"أمينا"؛(خليج مينا بالقرب من خليج غينيا).

في سنة 1445م؛ أنشئت أول محطة تجارية خارجية في جزيرة آركين قبالة سواحل موريتانيا، وذلك لجذب التجار المسلمين، واحتكار الحركة التجارية في الطرق المؤدية إلى شمال أفريقيا. وفي 1446م اندفع أنطونيو فرنانديز إلى مدى أبعد؛ حيث وصل إلى ما تسمى حاليا سيراليون، ثم وصل خليج غينيا في الستينيات من القرن نفسه.

وفي سنة 1455م بدأ التوسع في زراعة قصب السكر في ماديرا، وذلك باستخدام مستشارين من صقلية والغالبية من عاصمة جنوة لإنتاج السكر، (ويسمى: "الملح الحلو") النادر في أوروبا، وهي المزروعة بالفعل في الغارف. وقد جذبت سهولة الوصول إلى ماديرا تجار جنوة والفلمنكيين الحريصين على تجنب احتكارات البندقية، واستخدمت تجارة العبيد؛ حيث وصلت نسبة العبيد المستوردين إلى ماديرا حوالي 10 ٪ من إجمالي السكان خلال القرن 16 الميلادي،[15] "ولم تمض سنة 1480م حتى كان لأنتويرب حوالي سبعين سفينة تعمل بتجارة السكر في ماديرا؛ حيث يكرر ويوزع في أنتويرب، ولم تمر تسعينيات القرن الخامس عشر الميلادي حتى تفوقت ماديرا بإنتاجها للسكر على قبرص،[16] وقد دفع نجاح تجارُ السكر مثلَ ماركيوني بارتولوميو إلى الاستثمار فيه في الرحلات بعد ذلك.

بعد وفاة الأمير هنري سنة 1469م، ونتيجة لهبوط عائدات الاستكشافات الأفريقية، منح الملك الفونسو الخامس حق احتكار التجارة في جزء من خليج غينيا إلى التاجر فرناو غوميز؛ فكان غوميز يستكشف مائة ميل من الساحل سنويا، ولمدة خمسة أعوام؛ فاكتشف خلالها جزرا في خليج غينيا، من ضمنها ساو تومي وبرينسيبي، ووجد أيضا تجارة الذهب الغريني مزدهرة بين الأهالي وزوارها من تجار عرب وأمازيغ في ألمينا، حيث أنشأ مركزًا تجاريًّا فيها، فازدهرت التجارة بين ألمينا والبرتغال لعقد من الزمن، وفي سنة 1481م قرر الملك جون الثاني المتوج حديثا بناء قلعة ساو جورج دا مينا من أجل ضمان حماية هذه التجارة التي أبقاها لاحتكار الملك. خلال تلك الفترة؛ أي: سنة 1473م، سار مستكشفون أرسلهم غوميز لعبور خط الاستواء، وعبر ديوغو كاو نهر الكونغو سنة 1482م، وفي سنة 1486م وصلت كاو إلى كيب كروس التي تقع في ناميبيا بالقرب من مدار الجدي.

في سنة 1488م دار بارثولوميو دياز حول رأس الرجاء الصالح، وهي الحافة الجنوبية لأفريقيا، مما أثبت خطأ نظرية بطليموس بأن المحيط الهندي محبوس ولا يتصل بالأطلسي. وفي نفس الوقت سافر بيرو دا كوفيلا بطريق البر سرا حتى وصل إثيوبيا، فبدأت معالم الطريق البحري للهند تتضح أكثر فأكثر.[17]

وبما أن البرتغاليين اكتشفوا سواحل أفريقيا تركوا وراءهم سلسلة من النُصُب المسماة "padrões"، وهي صلبان حجرية نُقش عليها شعار النبالة البرتغالية، ليثبت أحقيتهم في الأرض.[18] وبنوا أيضا الحصون والمراكز التجارية، ومن خلال تلك المراكز عملوا في تجارة الذهب والرقيق المربحة، وقد تنعمت البرتغال باحتكار فعلي للتجارة البحرية للرقيق الأفريقي لأكثر من قرن؛ فقد كانوا يجلبون نحو 800 عبد سنويا، جلب معظمهم إلى العاصمة لشبونة، حتى قدر بأن الأفارقة السود المجلوبين شكلوا 10% من السكان.[19]

تقسيم تورديسيلاس للعالم (1492)

خط تنصيف معاهدة تورديسيلاس 1494م والذي قسم العالم بين البرتغال وقشتالة/إسبانيا (بنفسجي)، وحلت مسألة جزر الملوك (خط تنصيف 180) حسب معاهدة سرقسطة 1529م (أخضر).

كان اكتشاف كريستوفر كولومبوس العالم الجديد لإسبانيا سنة 1492م، والتي اعتقد بأنها آسيا، قد أجج الخلافات بين الإسبان والبرتغاليين، حتى استقر في النهاية على معاهدة تورديسيلاس في 1494م، والتي قسمت العالم خارج أوروبا، في إطار احتكار ثنائي حصري بين البرتغاليين والإسبان، على طول خط الطول بين الشمال والجنوب 370 فرسخ، أو 970 ميل (1,560 كـم)، غربي جزر الرأس الأخضر، ومع ذلك لم يكن من الممكن قياس خط الطول قياسا دقيقا في ذاك الوقت، فاستمر النزاع على تفاصيل الحدود بين البلدين حتى 1777م.[20]

كانت المفاوضات مع إسبانيا واحدة من أسبابٍ عدة اعتقد المؤرخون أنها سببُ تأجيل المستكشف البرتغالي بارتولوميو دياز متابعة رحلته إلى رأس الرجاء الصالح لمدة تسع سنوات، مع أنه تردد بأن هناك رحلات أخرى قد حصلت، وإن كان بالسر خلال تلك الفترة.[21][22] ومهما يكن من أمر تلك الحالة فإن هدف البرتغاليين الطويل هو العثور على أي طريق بحري يصلهم بآسيا، وقد تحقق هذا الهدف في الرحلة الرائدة بقيادة فاسكو دا غاما.

دخول البرتغاليين المحيط الهندي

وصول فاسكو دا غاما إلى كاليكوت 20 مايو 1498

غادر أسطول فاسكو دا غاما البرتغال سنة 1497م، ودار حول رأس الرجاء الصالح، واستمر بمحاذاة ساحل أفريقيا الشرقية، واستعان بابن ماجد كمرشد له في ترحاله، وبخاصة في رحلته من ماليندي على ساحل أفريقيا الشرقية، إلى كاليكوت في الهند في مايو 1498م.[23][24][25] غادرت الرحلة الثانية إلى الهند سنة 1500م، بقيادة بيدرو ألفاريز كابرال، وكانت وجهة الأسطول الثاني نفس طريق دا غاما، ولكن جهة جنوب-غرب وعابرا الأطلسي، ولكن كابرال وجد نفسه فجأة على الساحل البرازيلي؛ ربما كان هذا الاكتشاف مفاجئا، ولكن قيل إن البرتغاليين يعلمون بوجود البرازيل، ولكنهم أبقوا الأمر سرًّا حتى رسموها إلى جانبهم في خط تورديسيلاس،[26] وقد أوصى كابرال، ملك البرتغال، بأن تسكن تلك الأراضي. وقد استمرت الحملات متتابعة في 1501 و 1503م، وعثر فيها على وفرة من أشجار تسمى "pau-brasil" أو brazilwood التي ورثت منها التسمية فيما بعد، ولكن الفشل في العثور على ذهب أو فضة بالبرازيل يعني أنه يجب أن تتركز جهود البرتغاليين في ذلك الوقت على الهند.[27]

الهند

استفاد البرتغاليون من التنافس بين مهراجا كوتشي وسامري (حاكم) كاليكوت؛ حيث استقبلوا استقبالا حسنا، ونظر إليهم المهراجا بأنهم حلفاء، وأعطاهم تصريحا لبناء (حصن مانويل)، ومركز تجاري، وهي أول مستوطنة أوروبية في الهند. وفي سنة 1505م عين الملك مانويل الأول فرانسيسكو دي ألميدا كأول نائب له في الهند البرتغالية، التي أصبحت ملكا ل: شركة الهند الشرقية البرتغالية، ومنشأَ حكومةٍ في الشرق. في تلك السنة غزا البرتغاليون كانور، وأسسوا حصن سانت انجلو، ثم وصل لورنسو دي ألميدا إلى سيلان؛ حيث اكتشف مصدر القرفة.

استولى البوكيرك على غوا من سلطنة بيجابور سنة 1510م، بمساعدة القرصان الهندوسي تيموجي؛ حيث ثارت شهيتهم عليها، لكونها أفضل ميناء بالمنطقة، وخصوصا في تجارة الخيول العربية إلى سلطنة ديكان، فانتقل إليها من مقره القديم في كوتشي، وعلى الرغم من كثرة الهجمات التي تتعرض لها غوا أصبحت مقرا لحكومة البرتغال في الهند. وبعد إخضاعه لغوا بدأت إشارات المسايرة من ممالك مجاورة؛ أرسل كلٌّ من غوجارات وكاليكوت السفارات، يعرضون فيها التحالف والمساعدة لإقامة الحصون، وفي تلك السنة أصبح البوكيرك أول برتغالي يسك عملة غوا في الهند، واستغل تلك الفرصة للإعلان عن هذا الإنجاز.[28]

وفي سنة 1509م دارت رحى معركة ديو البحرية بين الأسطول البرتغالي وأسطول مشترك يتكون من المماليك وسلطان كوجرات والعثمانيين وراجا سامري كاليكوت، بالمساعدة البحرية التقنية من جمهورية البندقية وجمهورية راجوسا (دوبروفنيك)، وقد انتصر فيها البرتغاليون انتصارا حاسما، ساعد في استراتيجيتهم للهيمنة على بحر الهند، ونتيجة لذلك سحب الأتراك والمصريون أساطيلهم من الهند، تاركين البحر للبرتغال، مما أدى إلى هيمنتهم على تجارة المحيط الهندي لقرن من الزمان، فنمت ثروات إمبراطورية البرتغال نموا هائلا. وقد كانت تلك المعركة علامة فاصلة؛ حيث أضحت بداية الهيمنة الاستعمارية الأوروبية في آسيا.

في سنة 1534م ضغط المغول لاحتلال غوجرات، فاضطر السلطان بهادر شاه سلطان غوجارات للتوقيع على معاهدة باسين (1534م) مع البرتغاليين، مكونا بذلك تحالفا لاستعادة البلاد، فأعطى مقابل ذلك مدن: دمان ومومباي وديو وباسين.[29] ودارت رحى معركة ديو الثانية، عندما أحاطت السفن العثمانية قلعة ديو مرة أخرى سنة 1538م، ولكن لسبب ما فك العثمانيون الحصار ورحلوا، ثم قاموا بعد ذلك في سنة 1547م بضرب حصار آخر على قلعة ديو، ولكنهم لم يتمكنوا من احتلالها، وهي آخر محاولات العثمانيين لمد نفوذهم إلى المحيط الهندي؛ فانتهت الطموحات العثمانية في الهند، وتأكدت الهيمنة البرتغالية في المحيط الهندي.

في البداية حاول الملك مانويل الأول ومجلسه الاستشاري في لشبونة توزيع سلطة المحيط الهندي، وتكوين ثلاث إدارات حكومية؛ حيث يرسل البوكيرك إلى البحر الأحمر، وديوغو لوبيز دي سكويرا إلى جنوب شرق آسيا، فيسعى إلى اتفاق مع سلطان ملقا، ويرسل جورج دي أغيار وخليفته دوارتي دي ليموس إلى المنطقة الواقعة بين رأس الرجاء الصالح وغوجارات،[30] ولكن تلك المهام تمركزت بيد ألفونسو دي البوكيرك، وظلت كذلك لمن خلفه في الحكم.

سفن الغليون البرتغالية تنزل حمولتها من الذهب والتوابل في لشبونة سنة 1593.

سيلان

وصل التجار البرتغاليون سيلان في 1505م؛ واستهلت أولى غزواتهم بكوتي [الإنجليزية]، التي تتمتع باحتكار مربح في تجارة التوابل، وهو أيضا له أهمية عند البرتغاليين.[31] وقد أثارت مملكة جفنة اهتمام البرتغاليين، بعد مقاومتها للأنشطة التبشيرية، ولأسباب لوجستية أخرى؛ أحدها هو قربها من ميناء ترينكومالي، مع أن الملك كانكيلي الأول حاكم جفنة قد قاومهم في البداية، إلا أنه صالحهم في النهاية.[31]

وفي سنة 1560م قاد نائب الملك الدوم كونستانتينو دي براغانزا بعثة إلى جزيرة جفنا، وإن كان فشل في إخضاعها، ولكن تمكن من السيطرة على جزيرة منار.[32] ثم أرسل الرتغاليون حملتين إلى جفنا في يونيو 1619م، إحداهما بحرية والأخرى برية؛ أما البحرية فقد صدها قراصنة ماليبار وهزموها، وأما الحملة البرية، وعددها 5000، بقيادة فيليب دي أوليفييرا، فقد هزمت كانكيلي، على الرغم من المقاومة الشرسة التي أبداها، وتمكنوا من الاستيلاء على جفنا، وقد عزز ذلك سيطرة البرتغال على طرق الشحن عبر مضيق بالك.[33]

الخليج العربي

احتل أسطول برتغالي بقيادة ترستاو دا كونها وألفونسو دي البوكيرك كلا من سقطرى عند مدخل البحر الأحمر سنة 1506م، ثم مسقط سنة 1507م، واحتل هرمز، ولكنه فشل في إخضاعها لفترة طويلة، بعد وضع إستراتيجية تهدف إلى إغلاق مداخل المحيط الهندي.

توسعت الإمبراطورية البرتغالية في الخليج العربي، في محاولة للتنافس في السيطرة على تجارة التوابل مع الإمبراطورية العثمانية؛ فغزا البوكيرك سنة 1515م الهولة التابعة لهرمز، على رأس الخليج العربي، وجعلها خاضعة له. أما عدن فقد قاومت توسع البوكيرك عندما غزاها في السنة نفسها، وأيضا محاولة خليفته لوبو سوارس في 1516م، قبل الاستيلاء على البحرين سنة 1521م، عندما وصلت قوة بقيادة أنطونيو كوريا، فهزم أمير الجبريين مقرن بن زامل،[34] وفي سلسلة من التحالفات المتغيرة، هيمن البرتغاليون على معظم الأراضي جنوب الخليج العربي لقرن من الزمان، وتمكنوا من الحفاظ على خط بحري منتظم، يربط بين لشبونة وغوا منذ 1497م، وفي السنة 1507م شيدت القلاع في جزيرة موزامبيق ومومباسا على الساحل الكيني. وقد استكشف تريستان دا كونها مدغشقر جزئيا، وفي نفس العام اكتشفت موريشيوس، أما في جزر الأزور فإن الأسطول المسلح قد حمى السفن المتجهة إلى لشبونة.

جزر إندونيسيا

وفي أبريل 1511م أبحر البوكيرك إلى ملقا في ماليزيا،[35] والتي تعتبر نقطة مهمة لشبكة تجارة الشرق؛ حيث يلتقي تجار المالايو مع تجار الغوجارات والصين، واليابان والجاوية والبنغال، والفرس والعرب وغيرهم، ووصفها بيريس تومي بالثراء الفاحش. وفي أثناء حكم البرتغاليين وعاصمتهم غوا، تمكنوا من جعل شبه جزيرة ملقا قاعدة إستراتيجية، في توسعهم التجاري مع الصين وجنوب شرق آسيا. ولحماية المدينة أقيمت بوابة قوية تسمى فاموسا (بالبرتغالية: Famosa)، والتي لاتزال قائمة. ولمعرفة طموحات السياميين لملقا، أرسل البوكيرك بسرعة دوارتي فرنانديز على رأس بعثة دبلوماسية لمملكة سيام لإقامة علاقات ودية بين المملكتين.[36] ولكي يستدل على موقع "جزر التوابل"، وهي جزر الملوك، أرسل البوكيرك بعثة في نوفمبر من نفس العام، بقيادة أنطونيو دي ألبريو للعثور عليها، فوصلت المنطقة أوائل 1512م، وقد استمر البريو مبحرا إلى امبون، بينما توجه نائبه سيرياو مباشرة إلى تيرنات؛ حيث سمح له ببناء حصن. وفي إندونيسيا من نفس العام احتل البرتغاليون مكسر، ووصلوا إلى تيمور سنة 1514م.

بعد بعثة فرديناندو ماجلان (1519-1522م)، أرسل كارلوس الخامس ملك إسبانيا سنة 1525م حملة بقيادة غارسيا جوفري دي لويسا لاحتلال جزر الملوك، مدعيا أنها تحت المنطقة الخاضعة له، وفق معاهدة تورديسيلاس، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك حد معلوم لحدود الشرق. وقد وصلت الحملة بصعوبة إلى جزر الملوك، ورست سفنهم في تيدور، وقد كان هناك مناوشات دائرة بين البرتغاليين وتيرنات المجاورة ومستمرة منذ عشر سنوات، في محاولة للاستحواذ عليها، ثم توصلا إلى اتفاق في معاهدة سرقسطة، الذي وقعته إسبانيا والبرتغال سنة 1529م، فأعطى جزر الملوك إلى البرتغال، والفلبين لإسبانيا.

الصين

وصل جورج الفاريز إلى جنوب الصين منطلقا من ملقا في 1513م، وجاءت تلك الرحلة بعد الوصول إلى قوانغتشو، وبداية من سنة 1516م؛ حيث أنشأ التجار البرتغاليون قاعدة في جزيرة شانغ خوان حتى سنة 1557م، عندما أعطت حكومة مينغ الموافقة على وجود قاعدة رسمية تجارية دائمة للبرتغال في ماكاو، مقابل رسم سنوي، فجعلوها أشبه بمستودع للتجارة بين كل من الصين واليابان وأوروبا.

طرق تجارة البرتغال الشرقية من لشبونة إلى ناجازاكي (أخضر)، وطرق تجارة الإسبان المسماة غاليون مانيلا (ذهبي)(القرنين 16-17)

أساء المستكشف البرتغالي سيماو دي اندرادي العلاقات مع الصين، وذلك بسبب أنشطته بالقرصنة والإغارة على سفن الشحن الصينية، وهاجم مسؤولا صينيا رفيعا، ثم خطفه الصينيون، وأقام لنفسه حصنا في جزيرة تاموا. وادعى الصينيون أن سيماو يخطف الصبية والبنات لأجل المتعة، ونتيجة لذلك أصدرت الصين مرسوما يحظر على رجال لهم ميزات قوقازية دخولَ كانتون،[37] فكانت ردة فعل الصينيين هي قتل العديد من البرتغاليين في كانتون، ورد الآخرين مرة أخرى إلى البحر،[38] واعتقل سلطان بنتان عددا من البرتغاليين، وأعدم الصينيون 23 برتغاليا، وألقوا الباقي في السجن؛ حيث أقاموا في ظروف بائسة، وقد مات الكثير منهم، وذبح الصينيون جميع البرتغاليين المقيمين في المراكز التجارية في نينجبو وفوجيان في سنة 1545م و 1549م، وذلك بسبب غارات البرتغاليين الواسعة والمدمرة على طول ساحل الصين، والذي أثار حفيظة الأهالي.[39] لكن، وبما أن البرتغال قد كثفت من وجودها على طول الساحل الصيني، استفاد الطرفان من ازدهار تجارة الرقيق؛ حيث بيع العديد من الصينيين كرقيق إلى البرتغال.[40][41] وقد ظهر الرق الصيني في البرتغال منذ القرن 16 الميلادي، ومعظمهم جلبوا أطفالا، وغالبية هؤلاء أعيد شحنهم إلى جزر الهند.[42] وكذلك كان حال السجناء الصينيين الذين أرسلوا إلى البرتغال؛ فقد بيعوا في الأسواق، وكانت النظرة إليهم أنهم أفضل من رقيق المغرب والأفارقة، لذا كانت أسعارهم أعلى.[43] ويعود توثيق أول وجود لشخص صيني في أوروبا إلى 1540م، عندما اقتيد باحث صيني كرقيق خلال إحدى الغارات البرتغالية على مكان ما في الساحل الصيني الجنوبي؛ حيث أرسل إلى البرتغال فاشتراه المؤرخ جواو دي باروس، فعمل مع المؤرخ البرتغالي على ترجمة النصوص الصينية إلى اللغة البرتغالية،[44] وذكر أيضا أن أميرة برتغالية اسمها دونا ماريا دي فلهينا من يابرة قد امتلكت عبدا صينيا في 1562م.[45][46][47] وغيرهم كثير ممن أسروا في الصين وجلبوا إلى البرتغال كرقيق، وقد أرسل بعضهم إلى البرازيل كبرى مستعمرات البرتغال.[48][49][50]

اليابان

في 1542م وصل إلى غوا المبشر اليسوعي فرنسيس كسفاريوس لخدمة الملك البرتغالي جون الثالث، ومسؤولا عن السفارة البابوية، وفي نفس الوقت وصل اليابان فرانسيسكو زيموتو ومرافقوه من التجار لأول مرة، ووفقا لفرناو منديس الذي ادعى أنه كان في تلك الرحلة، فإنهم قد وصلوا تانيغاشيما؛ حيث أعجب السكان المحليون بالأسلحة النارية، التي من شأنها أن يصنعها اليابانيون على نطاق واسع.[51] وفي سنة 1570م اشترى البرتغاليون ميناءً يابانيًّا؛ حيث أسسوا مدينة ناغازاكي،[52] وهو ما خلق مركزا تجاريا قويا، وغدت المدينة ميناء اليابان للعالم على مدى سنوات عدة.

تمكن البرتغاليون من إنشاء الموانئ التجارية في المواقع النائية؛ مثل غوا، هرمز، ملقا، كوتشي، جزر الملوك، مكاو، وناغازاكي، واستطاعوا حراسة تجارتهم من منافسيهم؛ سواء في ذلك الأوروبيون والآسيويون. وهيمنة البرتغال التجارية لم تكن فقط بين آسيا وأوروبا؛ فإنها هيمنت على التجارة بين العديد من مناطق آسيا المختلفة، مثل الهند وإندونيسيا والصين واليابان، وخلال حملات البرتغاليين رافقهم المبشرون اليسوعيون؛ مثل فرنسيس كسفاريوس الباسكي لنشر المسيحية الكاثوليكية الرومانية في آسيا، وبدرجات متفاوتة من النجاح.

الجهود الأولى للاستعمار في البرازيل

خريطة برتغالية سنة (1574), تظهر الزعامات الوراثية ال15 في البرازيل.

للتغلب على الحاجة في الدفاع عن البرازيل أمر جون الثالث سنة 1534م بتنظيم الاستعمار فيها بزيادة الاستيطان ومنح الأراضي؛ فقد أدرك البرتغاليون منذ سنة 1520م أن البرازيل مرشحة أن تكون منطقة متنازعا عليها، حيث تحدى ملك فرنسا فرانسوا الأول معاهدة توردسيلاس ودعم القراصنة، ثم إن زيادة تهريب الأخشاب البرازيلية المسماة "brazilwood" قد أسهم في الضغط على الجهود في سبيل احتلال حقيقي للإقليم، ومع أن الرحلة الاستكشافية بقيادة غونزالو كويلهو سنة 1503م قد أفادت بوجود غارات فرنسية على ساحل البرازيل، وفي نفس السنة قام مارتم أفونسو دي سوزا بدوريات على كل السواحل البرازيلية، وطرد الفرنسيين منها، وأنشأ بعضَ المدن الأولى؛ مثل: ساو فيسنت (1532) وساو باولو (1554).

ثم أنشأ خمسة عشر مسارا طوليا، تبدأ من الساحل إلى حد تورديسيلاس، وقد منحت تلك الأراضي الشاسعة حسب الزعامات الوراثية (بالبرتغالية: Capitanias Hereditárias) إلى أناس لديهم الثراء الكافي لدعم المستوطنات السكنية فيها، شبيهة بالنجاح الذي حدث في ماديرا والرأس الأخضر؛[53] فكل قائد قبطان (بالبرتغالية: Capitão do donatário) ينبغي عليه بناء المستوطنات، ويمنح المخصصات وإدارة القضاء، وهو المسؤول عن وضع وتدبير تكاليف الاستيطان، ومع أنه ليس المالك، ولا يستطيع بيعها، يمكنه إحالة الإدارة إلى ذريته. وقد استلم منصب قائد قبطان اثنا عشر نبيلًا برتغاليًّا، ممن كان لهم دور بارز في أفريقيا والهند، وكذلك كبار المسؤولين في البلاط؛ مثل جواو دي باروس ومارتم أفونسو دي سوزا.

من بين الزعامات الأصلية الخمس عشرة، (وتبعد شهرين عن البرتغال)، اثنان منها قد ازدهرتا؛ وهما بيرنامبوكو وساو فيسنت، فكلاهما كُرِّسا لمحصول قصب السكر، وتمكن المستوطنون من المحافظة على العلاقات الطيبة مع السكان الأصليين؛ فإنشاء صناعة قصب السكر يستدعي عمالة كثيفة، وهو ماحصل مع الأهالي الأصليين، ثم بعد ذلك مع العبيد الأفارقة.

بعد أن رأى الملك أن نظام الزعامات غير فعال، قرر العمل بمركزية حكومة المستعمرة، من أجل "إعطاء العون والمساعدة" لمن منحت لهم الأراضي؛ فأنشأ أول حكومة عامة سنة 1548م، وأرسل تومي ديسوزا كأول حاكم عام، ولينقذ زعامة خليج جميع القديسين، جاعلا منها زعامة ملكية ومقرا للحكومة، ولم يستلزم هذا الإجراء إنهاء الزعامات الأخرى، وقد بنى تومي ديسوزا السلفادور عاصمة للبرازيل في خليج جميع القديسين، وقد وصلت أول بعثة تبشيرية يسوعية في نفس السنة. وخلال الفترة من 1565-1567م، وبنجاح، تمكن المسؤول الاستعماري البرتغالي، وثالث حاكم عام للبرازيل ميم ديسا من تدمير مستعمرة فرنسية عمرها عشر سنوات، تسمى القطب الجنوبي الفرنسي [الإنجليزية] في خليج غوانابارا، ثم أسس مع ابن أخيه إيستاسيو ديسا مدينة ريو دي جانيرو في مارس 1567م.

الاتحاد الإيبيري والتنافس مع الهولنديين (1580–1663)

خريطة الإمبراطورية الإسبانية-البرتغالية في 1598.
  مناطق يديرها مجلس قشتالة
  مناطق يديرها مجلس أرغون
  مناطق يديرها مجلس البرتغال
  مناطق يديرها مجلس إيطاليا
  مناطق يديرها مجلس الإنديز

في سنة 1580م غزا ملك إسبانيا فيليب الثاني البرتغال، عقب أزمة خلافة ظهرت بعد مقتل ملكهم سيباستيان سنة 1578م، في كارثة الهجوم على القصر الكبير بالمغرب، وفي كورتيس دي تومار نصب الملك فيليب نفسه، باسم فيليب الأول البرتغالي سنة 1581م، موحدا تاجين ملكيين وإمبراطوريتين عالميتين، تحت حكم هابسبورغ الإسبانية في سلالة الفيليبيين. وقد تعهد الملك فيليب بالمحافظة على الإمبراطورية متميزة قانونيا، على أن تكون إدارة شؤون الإمبراطورية البرتغالية للمواطنين البرتغال، مع وجود نائب الملك للبرتغال في لشبونة لمتابعة الاهتمامات.[54] وقد قبلت جميع المستعمرات البرتغالية بالشكل الحديث للدولة، باستثناء جزر الأزور التي أذعنت لأحد الأمراء المدعين بالعرش البرتغالي، وحظي بدعم من كاترين دي ميديشي الفرنسية، مقابل وعد بالتخلي عن البرازيل، ولكن الجيوش الإسبانية تمكنت من الاستيلاء على الجزيرة سنة 1583م.[55]

لقد أورثت الوحدة مع إسبانيا مزايا وعيوبا تتعلق بالإمبراطورية البرتغالية؛ فقد فتحت شبكة التجارة الإمبريالية الإسبانية للتجار البرتغاليين، وخصوصا تجار الرقيق البرتغاليين، وصارت تدر عليهم أرباحا أكثر من ذي قبل؛ إذ أصبح يمكنهم بيع الرقيق في أمريكا الإسبانية بسعر أعلى مِمَّا كانوا ينالونه في البرازيل.[56]

ثم بدأ البرتغاليون يهملون تماما حدود تورديسيلاس التي كانت بين الإسبان والبرتغاليين في أمريكا الجنوبية؛ فبدؤوا بالولوج في أعماق البرازيل[54]، وسمحوا بتوسيع المقاطعات غربا، وجرت بعثات استطلاعية، سواء أمرت بها الحكومة، وتسمى (بالبرتغالية: entradas) أم لم تأمر؛ أي بمبادرات شخصية تسمى (أعلام)، أو (بالبرتغالية: bandeiras)[57]، وقد استمرت تلك الرحلات الشخصية، خلال القرنين 16 إلى 18 الميلاديين، بالمغامرة في مناطق لم تكتشف؛ كانت بدايتها هي سرقة الأهالي وبيعهم، ثم ركزت بعد ذلك في العثور على مناجم للذهب والفضة والألماس.

ومع كل تلك الفوائد التي جناها البرتغاليون، قامت إسبانيا بجرِّ البرتغال في صراعاتها مع إنكلترا وفرنسا والجمهورية الهولندية، وقد بدأت تلك البلدان بالتو في إنشاء إمبراطورياتها العالمية.[58] كان التهديد الأساسي من هولندا التي دخلت في نضال لأجل الاستقلال ضد إسبانيا منذ 1568م، وفي 1581م نالت المقاطعات السبع عشرة استقلالها من حكم هابسبورغ، فحظر فيليب الثاني التجارة مع السفن الهولندية، بما فيها البرازيل؛ حيث استثمر الهولنديون مبالغ ضخمة في تمويل إنتاج السكر.

وخلال حرب إنجلترا مع إسبانيا تمكن الأسطول الإنجليزي، في سنة 1592م، من الاستيلاء على سفينة برتغالية كبيرة من نوع كراك، قبالة جزر الأزور، واسمها (بالبرتغالية: Madre de Deus)، محملة ب900 طن من بضائع الهند والصين، وتقدر قيمتها بنصف مليون جنيه؛ (ما يقرب من نصف موجودات الخزانة الإنجليزية ذاك الوقت).[59] وقد أعطت تلك الفكرة المستقبلية عن ثروات الشرق صدمة كهربائية للإنجليز بضرورة تحويل اهتمامهم إلى تلك المناطق،[60] وفي السنة ذاتها أرسل التجار الهولنديون مستكشفا لهم، واسمه كورنيليس دي هوتمان، إلى لشبونة لجمع مايمكن من المعلومات عن جزر التوابل. وفي 1595م، نشر التاجر والمستكشف يان هيجن فان لنشتن، الذي عمل بخدمة البرتغاليين وسافر بكثرة إلى المحيط الهندي، تقريرا في أمستردام عن رحلاته: "قصة رحلة خلال ملاحة البرتغاليين إلى الشرق"[61]، وشملت توجيهات واسعة في كيفية التنقل بين البرتغال وجزر الهند الشرقية ثم إلى اليابان. كما قادت المعلومات الجديدة، التي تَغَذَّى منها الهولنديون والإنجليز، إلى حركة التوسع التجاري، وتأسيس شركة الهند الشرقية الإنجليزية سنة 1600م، وشركة الهند الشرقية الهولندية (VOC) في 1602م، والسماح بدخول الشركات المستأجرة في ما يعرف بجزر الهند الشرقية.

بادر الهولنديون إلى القتال في ماوراء البحار، وهاجموا المستعمرات الإسبانية والبرتغالية وسفن شحنهم، وتحالفوا مع منافسيهم من الزعماء المحليين، وفككوا احتكار تجارة البرتغال في آسيا؛ فقد تعرضت مستوطنات الإمبراطورية البرتغالية الساحلية والمكشوفة للسقوط الواحدة تلو الأخرى، مما أثبت أنها هدفا أسهل من الإمبراطورية الإسبانية.[62]

مشهد لسالفادور بعيد تحرير البرتغاليون لها من الهولنديون، رسمت سنة 1631

بدأت الحرب الهولندية البرتغالية بالهجوم على ساو توميه وبرينسيب سنة 1597م، واستمرت حتى 1663م، وكانت الحرب التي شنها كل من شركة الهند الشرقية الهولندية ونظيرتها الهند الغربية، (أُنشِئَت سنة 1621م)، جزءًا من مشاريع تجارية تهدف إلى السيطرة على الشبكات التي أنشأها البرتغاليون لتجارة توابل آسيا، ورقيق غرب أفريقيا، وسكر البرازيل؛[63] ففي آسيا تمكن الهولنديون من احتلال جزر التوابل (1605م)، وملقا (1641م)، ثم كولومبو (1656م)، وسيلان (1658م)، وناجاباتينام (1660م)، وأخيرا؛ كرانجانور مع كوتشي (1662م).[64] ومع أن غوا كانت عاصمة البرتغال في آسيا تمكنت مع ديو وماكاو من صد الهولنديين، وإخراج البرتغاليين من اليابان في 1639م منعهم من الاستفادة من خط التجارة المربح جدا بين الصين واليابان. أما في البرازيل، ومع أنهم نجحوا في منع الفرنسيين من الحصول على موطئ قدم في مستعمرة فرنسا الاستوائية في 1615م، استولت هولندا منهم على سلفادور دي باهيا سنة 1624م، (وإن كانوا قد استعادوها في السنة التالية بمساعدة الإسبان)، وبيرنامبوكو في 1630م. وبسبب حاجتهم للعبيد في إنتاج السكر بمناطق البرازيل التي استولوا عليها، هاجم الهولنديون مراكز البرتغال التجارية على طول ساحل أفريقيا الغربي، فنجحوا في الاستيلاء على المينا (1638م)، ثم لواندا (1641م)، وأكسيم (1642م)،[65] ولم تأتِ سنة 1654م إلا وكانت البرتغال قد نجحت في طرد الهولنديين من البرازيل ولواندا، ولكنها فقدت مكانتها البارزة في آسيا وللأبد.

الانحطاط (1663–1822)

أورو بريتو, مدينة استيطانية في القرن 18 وتقع في ميناس جيرايس بالبرازيل.

كانت خسارة المستعمرات أحد الأسباب التي أسهمت في انهيار الاتحاد المنفرد مع إسبانيا؛ ففي سنة 1640م أُعلِنَ بجون الرابع ملكا على البرتغال، فبدأت الحرب. وفي 1661م عرضت البرتغال على إنجلترا بومباي وطنجة كهبة، وعلى مدى القرن التالي أصبح الإنجليزُ تدريجيا هم التجارَ المهيمنين في الهند، ثم بدؤوا تدريجيا في إبعاد تجارة الدول الأخرى عنها. وفي سنة 1668م أقرت إسبانيا بنهاية الاتحاد الإيبيري مقابل تنازل البرتغال عن سبتة إلى التاج الإسباني.

تمكنت البرتغال من المحافظة على غوا بعد انتهاء الحرب مع هولندا، وكذلك على بعض القواعد الصغيرة بالهند، واستطاعت أن تسترد أراضيها في البرازيل وأفريقيا، لكنها لم تستطع استرداد مكانتها البارزة في آسيا، بسبب تحول التجارة عنها، وازدياد أعداد المراكز التجارية الإنجليزية والهولندية والفرنسية، وبالتالي اكتسبت البرازيل أهمية متزايدة إلى الإمبراطورية طوال قرن من الزمان، التي صدرت إليها الخشب البرازيلي والسكر.

وابتداء من سنة 1693م ازداد الاهتمام في منطقة برازيلية عرفت باسم ميناس جيرايس؛ حيث تم اكتشاف الذهب فيها، ثم ظهر بعدها الألماس، فقادت تلك الاكتشافات الكبرى للذهب والألماس في ميناس جيريس وماتو غروسو وغوياس إلى ماسمي "باندفاع الذهب"، فتدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين،[66] فأصبحت القرية التي تأسست في سنة 1696م مركز جذب اقتصادي جديد للإمبراطورية، مع ازدياد العمران السريع وظهور المشاكل. كما أدت دورة الذهب تلك إلى إنشاء سوق داخلي، وجذب أعداد غفيرة من المهاجرين، ونما عدد السكان 750٪ بين 1650 و 1770م، وسرعان ما أصبحت أكبر مدينة في البرازيل، كما أسهمت في الاستقرار الداخلي. 78٪ من سكانها هم من فئة السود والمستيزو، وأيضا من المسيحيين الأجِدَّاء القادمين من شمال البرتغال وجزر الأزور وماديرا، وقد استقروا كوكلاء تجاريين مهمين في القرى المحيطة بقرية أورو بريتو وماريانا.

ازدادت عائدات التاج البرتغالي بسبب اندفاع الذهب زيادة كبيرة، حتى قيمت بأنها تحتوي خُمسَ ركاز المعادن الخام، مما أدى لحدوث عمليات تسريب وتهريب متكررة، وتجنبا لذلك أقيم جهاز إداري متكامل للضبط. وقد ازداد إنتاج الذهب من 2 طن سنويا في 1701م إلى 14 طن في 1750م، لكن بدأ في الانخفاض بعدها انخفاضا حادا، حتى استنفد كله قبل نهاية القرن. لقد تجاوزت عائدات ذهب البرازيل عائدات منتجات المستعمرات الأخرى، وجلبت تلك التجارة الازدهار لريو دي جانيرو، بل والمملكة بأكملها.

في 1755م أصاب لشبونة زلزال مدمر، أعقبه تسونامي كبير قتل أكثر من 100,000 شخص من إجمالي السكان الذي يقدر ب 275000، مما أضعف وبشدة طموحات البرتغال الاستعمارية في أواخر القرن 18 الميلادي.

الامبراطورية البرتغالية سنة 1822

وعلى عكس إسبانيا؛ فإن البرتغال لم تقسم أراضيها الاستعمارية في أمريكا، فالزعامات التي أنشئت فيها كانت تخضع لإدارة مركزية في سلفادور؛ حيث تُقدَّم التقارير مباشرة إلى الحكومة في لشبونة. واتسم القرن 18 الميلادي بزيادة مركزية السلطة الحاكمة في جميع أنحاء الإمبراطورية البرتغالية، مع سلطة اليسوعيين لحماية الهنود ضد العبودية، والتي قمعها بوحشية الحاكم، (ويلقب باسم ماركيز بومبال)، مما أدى إلى تفكك أرضية هذا النظام الديني في البرتغال 1759م.

بدأ المستوطنون في التعبير عن سخطهم على الحكومة في لشبونة، بسبب تراجع التعدين الذي جعل دفع الضرائب التي تطالب بها الدولة صعبا؛ فاندلعت ثورة في أورو بريتو سنة 1789م عندما أعلنت ضريبة 20٪ على الذهب المستخرج، وشجعها على ذلك ظهور الولايات المتحدة الأمريكية التي نالت استقلالها من بريطانيا (1776-1781م)، وتركزت المحاولة في محافظة ميناس جيريس لتحقيق نفس الهدف، ولكن الثورة المسماة بمؤامرة ميناس (بالبرتغالية: Inconfidência Mineira) فشلت، واعتقل قادتها المشاركون في التمرد وأعدم زعيمهم.

نفي العائلة المالكة

في سنة 1808م غزا نابليون بونابرت البرتغال، فأمر الدوم جواو الوصي على عرش والدته دونا ماريا الأولى حاشيته والعائلة المالكة آنذاك أسرة براغانزا بنقل البلاط الملكي إلى البرازيل، ثم ارتقت البرازيل في 1815م إلى مرتبة مملكة، فأصبح اسم البرتغال رسميا هو المملكة المتحدة للبرتغال والبرازيل والغرب (Reino Unido de Portugal, Brasil e Algarves)، ونقلت العاصمة من لشبونة إلى ريو دي جانيرو، وتلك هي الحالة الوحيدة التي حكمت فيها دولة أوروبية من إحدى مستعمراتها؛ فأصبح هناك أيضا ممثلون برازيليون منتخبون في المحكمة الدستورية البرتغالية "Cortes Constitucionais Portuguesas".

تصعد الأمير الوصي إلى الحكم بعد وفاة والدته تحت مسمى جواو السادس، وانتهت الحروب النابليونية عام 1815م، وتم إعادة تنظيم أوروبا من خلال معاهدة فيينا؛ حيث شاركت فيها البرتغال مع جارتها، وقد تم اقتراح بقاء العائلة مع المقربين منهم في البرازيل، وقد وافق عليها الملك الجديد.

أصبح البرتغال بعد انتهاء الحرب في اضطرابات سياسية واقتصادية؛ تأزمت في عام 1820م من خلال ثورة الليبيرالية، التي بدأت في بورتو وسرعان ما وصل تيارها إلى جميع مدن البرتغال، وكان من أهم مطالبهم رجوع العائلة المالكة إلى البرتغال، وعلى إثر ذلك اقترح الملك جواو أن يذهب ابنه الوريث بيدرو إلى البرتغال لإدراة شؤونها، ولكن رُفِض الاقتراحُ بشدة فعادت العائلة المالكة إلى البرتغال في 1821م، بينما بقي الأمير في البرازيل. إلا أن فترة وجودهم بالبرازيل ساعد على زيادة رغبة الاستقلال بين البرازيليين؛ فأعلن ابن الدوم جواو (بيدرو الأول بعد التتويج) استقلال البرازيل في 7 سبتمبر 1822م، فتوج إمبراطورا عليها، وعلى عكس مستعمرات إسبانيا في أمريكا الجنوبية حققت البرازيل الاستقلال دون إراقة دماء كثيرة.

لم يعترف والده بهذا الاستقلال، ولكنه بعد ذلك اعترف به بضغط من الإنجليز عام 1825م، على أن يحتفظ بلقب إمبراطور البرازيل، ولكنه توفي عام 1826م، وأصبح وريثه السابق بيدرو الأول ملكَ البرتغال، تحت اسم: بيدرو الرابع، ولكنه تخلى عنه فيما بعد لصالح ابنته الكبرى ماريا دا غلوريا.

الاندماج في أفريقيا (1822–1951)

حصن عيسى, بناه البرتغاليون في القرن 16, كينيا

خسرت البرتغال أراضيها في أمريكا الجنوبية في ذروة الاستعمار الأوروبي في القرن 19 الميلادي، وخسرت أيضا معظم قواعدها في آسيا، ولم يتبق لها إلا القليل. ولكن خلال تلك المرحلة ركز الاستعمار البرتغالي على توسيع البؤر الاستيطانية في أفريقيا، لتصل بها إلى مقاطعات بحجم الدول لتتنافس مع القوى الأوروبية الأخرى هناك. وشملت الأراضي البرتغالية أمما حديثة؛ مثل الرأس الأخضر وساو توميه وبرينسيب وغينيا بيساو وأنغولا وموزامبيق.

الخريطة الوردية - مطالبات البرتغال بالسيادة على أراضي بين انغولا البرتغالية وموزمبيق البرتغالية.

دخلت البرتغال المناطق النائية من أنغولا وموزامبيق، ويعتبر المستكشفون سيربا بينتو وهرمنغيلدو كابلو وروبرتو ايفنز من أوائل الأوروبيين الذين قطعوا من غرب أفريقيا إلى شرقها؛ فمشروع لربط المستعمرتين أو مايسمى بالخريطة الوردية كان هدف البرتغال الرئيسي في النصف الثاني من القرن 19 الميلادي، ولكن لم يتقبل البريطانيون الفكرة؛ فقد كانت لهم تطلعاتهم الخاصة لأراضٍ بريطانية متجاورة، تمتد من القاهرة إلى كيب تاون، ففرض الإنذار البريطاني على كارلوس الأول ملك البرتغال سنة 1890م، مما أنهى مشروع الخريطة الوردية. وقد استغل الجمهوريون ردة فعل الملك لهذا الإنذار؛ فقُتِل كارلوس الأول ملك البرتغال وولي عهده الأمير لويس فيليبي في لشبونة سنة 1908م، فأصبح شقيق لويس فيليبي ملكا باسم مانويل الثاني، وبعد ذلك بعامين أصبحت البرتغال جمهورية.

في الحرب العالمية الأولى هددت الجيوش الألمانية موزامبيق، فاضطرت البرتغال إلى دخول الحرب لحماية مستعمراتها.

التحرر من الاستعمار (1974–1999)

المستعمرات البرتغالية في القرن ال20، وتظهر المستعمرات وبجوارها تاريخ الإستقلال.

بدأت حركات التحرر من الاستعمار تكتسب زخما في الإمبراطوريات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، فجاءت الحرب الباردة التي هيأت مناخا من عدم الاستقرار في أوساط سكان المستعمرات البرتغالية، فتنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على زيادة مناطق نفوذهم؛ ففي الهند، وبعد أن منحتها بريطانيا الاستقلال سنة 1947م، ثم القرار الذي اتخذته فرنسا للسماح ب: (الجيوب الاستيطانية في الهند) إلى أن تندمج في الدولة المستقلة حديثا، مما هيَّأ ضغوطا على البرتغال أن تفعل نفس الشيء[67]، ولكن أنطونيو سالازار الذي استولى على السلطة سنة 1933م قد قاوم ذلك، ورفض طلب رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو سنة 1950م لعودة تلك الجيوب؛ حيث اعتبرها جزءا لا يتجزأ من البرتغا،.[68] ثم عدل الدستور البرتغالي في العام التالي لتغيير الوضع من المستعمرات إلى مقاطعات ماوراء البحار، وفي سنة 1954م أدت انتفاضة محلية إلى الإطاحة بالسلطات البرتغالية في القطاع الهندي من دادرا وناغار هافيلي، فتزايدت بذلك الصعوبات في الدفاع عن المستعمرات البرتغالية المتبقية في الهند، وبما أن نهرو يحظى بتأييد معظم الأحزاب السياسية الهندية، إضافة إلى الاتحاد السوفياتي وحلفائه، تحين الفرصة حتى سنة 1961م، عندما اندلعت انتفاضة في أنغولا ضد البرتغاليين؛ فأمر الجيش الهندي بدخول غوا ودامان وديو فاستولى عليها بسرعة، وضمها رسميا في السنة التالية. وقد رفض سالازار الاعتراف بنقل السيادة، معتبرا أن الأراضي محتلة فقط، واستمر تمثيل مقاطعة غوا في الجمعية الوطنية البرتغالية حتى 1974م.[69]

كانت بداية النهاية للإمبراطورية البرتغالية في أفريقيا عندما اندلعت أعمال العنف في أنغولا في فبراير 1961م؛ فأشار ضباط الجيش البرتغالي في أنغولا برأي مفاده أنهم لن يكونوا قادرين على التعامل عسكريا عند اندلاع حرب عصابات، ومن ثَمَّ عليهم البدء بالمفاوضات مع حركات الاستقلال، ولكن سالازار قد أعلن قراره علنا بالمحافظة على الإمبراطورية سليمة، وبحلول نهاية العام كان هناك 50000 جندي متمركزٍ فيها. في العام نفسه ضمت الحكومة الجديدة في داهومي الحصن البرتغالي ساو جواو بابتيستا دي أويدا في أويدا، وهو من بقايا تجارة الرقيق في غرب أفريقيا، وكانت قد نالت استقلالها توا من فرنسا، فانتشرت بذلك الاضطرابات من أنغولا إلى غينيا التي ثارت في سنة 1963م، ثم موزامبيق في 1964م.[69]

وإثر صعود النفوذ السوفياتي على حركة القوات المسلحة (بالبرتغالية: Movimento das Forças Armadas) العسكرية (MFA) والطبقة العاملة، وكذلك كلفة وعدم شعبية الحرب الاستعمارية البرتغالية (1961-1974) التي قاومت فيها البرتغال حرب العصابات للحركات القومية الناشئة في بعض الأقاليم الأفريقية، انهار نظام استادو نوفو سنة 1974م في الثورة المسماة بثورة القرنفل، وكان أول عمل ل (MFA) -وهو المجلس العسكري للخلاص الوطني، الذي قاد الحكومة التي جاءت إلى الحكم بعد ذلك- هو وضع حد للحروب، والتفاوض على انسحاب البرتغاليين من مستعمراتها الأفريقية، وقد دفعت تلك الأحداث إلى نزوح جماعي للمواطنين البرتغاليين من الأراضي البرتغالية الأفريقية، (وكان معظمهم في أنغولا وموزامبيق)، وقدر عددهم بأكثر من مليون لاجئ برتغالي،[70] واعترفت الحكومة البرتغالية الجديدة بجميع الأراضي التي استولت عليها الهند؛ مثل غوا وغيرها، وقبلت أيضا بمطالب بنين بحصن ساو جواو بابتيستا دي أويدا، وأعيدت العلاقات الدبلوماسية مع الهند وبنين.

اندلعت الحروب الأهلية في كل من موزامبيق وأنغولا بمجرد استقلالهما؛ فالحكومات الشيوعية التي شكلها الثوار السابقون، (وقد لقيت الدعم من الاتحاد السوفياتي وكوبا وغيرها من دول الكتلة الشيوعية)، قد كونت جبهة قتال ضد جماعات متمردة مدعومة من زائير وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة.

أما تيمور الشرقية، التي أعلنت الاستقلال في نفس العام (1975م)، ونزح منها العديد من اللاجئين البرتغاليين، عائدين إلى موطنهم البرتغال، وعرفوا باسم: (العائدون) (بالبرتغالية: retornados)، فقد تعرضت بمجرد استقلالها إلى غزو من إندونيسيا المجاورة، التي احتلتها إلى سنة 1999م؛ إذ جرى استفتاء برعاية الأمم المتحدة أدى إلى اختيار التيموريين الاستقلال، وقد نالوه في سنة 2002م.

ويمثل نقل السيادة من ماكاو إلى الصين يوم 20 ديسمبر 1999م، بموجب شروط اتفاق تم التفاوض بشأنها بين جمهورية الصين الشعبية والبرتغال، العلامة الفارقة بنهاية إمبراطورية البرتغال لما وراء البحار. ومع ذلك ظلت اللغة البرتغالية هي اللغة الثانية في الكانتون الصيني مكاو.

التراث

أعضاء مجموعة البلدان المتحدثة بالبرتغالية

هناك سبع من مستعمرات البرتغال السابقة لغتهم الرسمية هي البرتغالية، وهم جميعا الآن بالإضافة إلى البرتغال أعضاء في مجموعة البلدان المتحدثة بالبرتغالية، ومساحة تلك الدول مجتمعة 10,742,000 كم2، أو ٪7,2 من مساحة الأرض (148,939,063 كم2).[71] وقد اعتمدت غينيا الاستوائية اللغة البرتغالية لغة رسمية ثالثة سنة 2007، وهي حاليا مراقب في مجموعة البلدان المتحدثة بالبرتغالية CPLP إضافة إلى موريشيوس والسنغال. وهناك اثنا عشر بلدا أو منطقة قدموا طلباتهم للانضمام إلى عضوية تلك المجموعة، وتنتظر الموافقة عليها.

وتعتبر اللغة البرتغالية في الوقت الحالي إحدى لغات العالم الرئيسية، وترتيبها السادس، ويتحدث بها حوالي 240 مليون شخص حول العالم.[72] وهي اللغة الثالثة انتشارا في الأمريكتين، وخصوصا في البرازيل، على أنه يوجد هناك أيضا مجتمعات كبيرة من الناطقين بالبرتغالية في دول مثل كندا والولايات المتحدة وفنزويلا. وبالإضافة إلى ذلك هناك بعض اللغات المحلية التي تأثرت بالبرتغالية؛ مثل شعب الكريستانغ في ملقا.

وتقدر اللغة البرتغالية بأنها اللغة السابعة استخداما في الفضاء الإلكتروني والإنترنت، أما في الويكيبيديا فهي الويكيبيديا التاسعة من حيث عدد المقالات المنشورة.[72][73] وتقود البرتغال والبرازيل حملة لجعل اللغة البرتغالية إحدى اللغات الرسمية المستخدمة في الأمم المتحدة.[74]

مصادر

  1. Melvin Eugene Page, Penny M. Sonnenburg, p. 481
  2. Liam Matthew Brockey, p. xv
  3. Richard M. Juang, Noelle Anne Morrissette, p. 894
  4. Newitt, p. 19
  5. Boxer, p. 19
  6. Abernethy, p. 4
  7. Newitt, p. 21
  8. Diffie, p. 55
  9. Diffie, p. 56
  10. Anderson, p. 50
  11. Diffie, p. 68
  12. Daus, p. 33
  13. Boxer, p. 29
  14. Russell-Wood, p. 9
  15. Godinho, V. M. Os Descobrimentos e a Economia Mundial, Arcádia, 1965, Vol 1 and 2, Lisboa
  16. Ponting, Clive (2000) [2000]، World history: a new perspective، London: Chatto & Windus، ص. 482، ISBN 0-7011-6834-X.
  17. Anderson, p. 59
  18. Newitt, p. 47
  19. Anderson, p. 55
  20. Diffie, p. 174
  21. Diffie, p. 176
  22. Boxer, p. 36
  23. قطب الدين النهروالي، المتوفى سنة 988هـ، "البرق اليماني في الفتح العثماني"
  24. جابرييل فراند، "الربان العربي عند فاسكو دي غاما والملاحة العربية في القرنين الخامس عشر، بالفرنسي، دورية الجغرافية، 1922.
  25. Scammell, p. 13
  26. McAlister, p. 75
  27. McAlister, p. 76
  28. DeSouza, p. 220
  29. Singh, Sarina (2003)، India، Lonely Planet، ISBN 1-74059-421-5، مؤرشف من الأصل في 17 ديسمبر 2019.
  30. Diffie, p. 245–247
  31. Abeysinghe, T. Jaffna Under the Portuguese, p. 2
  32. Abeysinghe, T. Jaffna Under the Portuguese, p. 3
  33. Kunarasa, K The Jaffna Dynasty, p. 115
  34. Juan Cole, Sacred Space and Holy War, IB Tauris, 2007 p 37
  35. Ricklefs, M.C. (1991). A History of Modern Indonesia Since c. 1300, 2nd Edition. London: MacMillan, p. 23. ISBN 0-333-57689-6.
  36. Donald Frederick Lach, Edwin J. Van Kley, "Asia in the making of Europe", p. 520–521, University of Chicago Press, 1994, ISBN 978-0-226-46731-3
  37. Carlos Augusto Montalto Jesus (1902)، Historic Macao، Kelly & Walsh, limited، ص. 5، مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2013، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  38. Richard Stephen Whiteway (1899)، The rise of Portuguese power in India, 1497-1550، A. Constable، ص. 339، مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2013، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  39. Ernest S. Dodge (1976)، Islands and Empires: Western Impact on the Pacific and East Asia، U of Minnesota Press، ص. 226، ISBN 0816608539، مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2013، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  40. José Yamashiro (1989)، Chòque luso no Japão dos séculos XVI e XVII، IBRASA، ص. 103، ISBN 8534810680، مؤرشف من الأصل في 1 أكتوبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  41. Maria do Rosário Pimente (1995)، Viagem ao fundo das consciências: a escravatura na época moderna، Edições Colibri، ص. 49، ISBN 9728047754، مؤرشف من الأصل في 26 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  42. Julita Scarano، "MIGRAÇÃO SOB CONTRATO: A OPINIÃO DE EÇA DE QUEIROZ"، Unesp- Ceru، ص. 4، مؤرشف من الأصل في 5 أكتوبر 2018، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  43. Paul Finkelman, Joseph Calder Miller (1998)، Macmillan encyclopedia of world slavery, Volume 2، Macmillan Reference USA, Simon & Schuster Macmillan، ص. 737، ISBN 0028647815، مؤرشف من الأصل في 25 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 أكتوبر 2010.
  44. David E. Mungello (2009)، The great encounter of China and the West, 1500-1800، Rowman & Littlefield، ص. 81، ISBN 0742557987، مؤرشف من الأصل في 23 يونيو 2016، اطلع عليه بتاريخ 14 أكتوبر 2010.
  45. Alberto da Costa e Silva (2002)، A manilha e o libambo: a África e a escravidâo, de 1500 a 1700، Editora Nova Fronteira، ص. 849، ISBN 8520912621، مؤرشف من الأصل في 28 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 أكتوبر 2010.
  46. Hugh Thomas (1999)، The slave trade: the story of the Atlantic slave trade, 1440-1870، Simon and Schuster، ص. 119، ISBN 0684835657، مؤرشف من الأصل في 24 يونيو 2016، اطلع عليه بتاريخ 14 أكتوبر 2010.
  47. Jorge Fonseca (1997)، Os escravos em Évora no século XVI، Câmara Municipal de Évora، ص. 21، ISBN 9729696535، مؤرشف من الأصل في 29 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  48. José Roberto Teixeira Leite (1999)، A China no Brasil: influências, marcas, ecos e sobrevivências chinesas na sociedade e na arte brasileiras، Editora da Unicamp، ص. 20، ISBN 8526804367، مؤرشف من الأصل في 28 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  49. José Roberto Teixeira Leite (1999)، A China no Brasil: influências, marcas, ecos e sobrevivências chinesas na sociedade e na arte brasileiras، Editora da Unicamp، ص. 20، ISBN 8526804367، مؤرشف من الأصل في 28 سبتمبر 2014، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  50. José Yamashiro (1989)، Chòque luso no Japão dos séculos XVI e XVII، IBRASA، ص. 101، ISBN 8534810680، مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2013، اطلع عليه بتاريخ 14 يوليو 2010.
  51. Arnold Pacey, "Technology in world civilization: a thousand-year history", ISBN 0-262-66072-5
  52. Yosaburō Takekoshi, "The Economic Aspects of the History of the Civilization of Japan", ISBN 0-415-32379-7.
  53. Diffie, p. 310
  54. Boyajian, p. 11
  55. Anderson, pp. 104–105
  56. Lockhart, p. 250
  57. Boxer, pp. 386
  58. Anderson, p. 105
  59. Smith, Roger (1986)، "Early Modern Ship-types, 1450–1650"، The Newberry Library، مؤرشف من الأصل في 27 سبتمبر 2011، اطلع عليه بتاريخ 08 مايو 2009.
  60. The Presence of the "Portugals" in Macau and Japan in Richard Hakluyt's Navigations", Rogério Miguel Puga, Bulletin of Portuguese/Japanese Studies, vol. 5, December 2002, pp. 81–116. نسخة محفوظة 5 فبراير 2012 على موقع واي باك مشين.
  61. Van Linschoten, Jan Huyghen. Voyage to Goa and Back, 1583–1592, with His Account of the East Indies : From Linschoten's Discourse of Voyages, in 1598/Jan Huyghen Van Linschoten. Reprint. New Delhi, AES, 2004, xxiv, 126 p., $11. ISBN 81-206-1928-5.
  62. Boxer1969, p. 109
  63. Boxer1969, p. 110
  64. RussellWood, p. 24
  65. Davies, p. 124
  66. Boxer, p. 168
  67. Pearson, p. 158
  68. Pearson, p. 160
  69. Anderson, p. 153
  70. Dismantling the Portuguese Empire, مجلة التايم (Monday, July 7, 1975) نسخة محفوظة 23 يوليو 2013 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  71. "CPLP"، مؤرشف من الأصل في 4 يناير 2015، اطلع عليه بتاريخ 12 أغسطس 2010.
  72. "língua portuguesa"، مؤرشف من الأصل في 12 أكتوبر 2010، اطلع عليه بتاريخ 12 أغسطس 2010.
  73. "Wikipedia homepage"، مؤرشف من الأصل في 25 مايو 2019، اطلع عليه بتاريخ 12 أغسطس 2010.
  74. "ONU: Petição para tornar português língua oficial"، Diario.iol.pt، 17 نوفمبر 2005، مؤرشف من الأصل في 9 يناير 2009، اطلع عليه بتاريخ 21 أبريل 2010.

وصلات خارجية

  • بوابة أفريقيا
  • بوابة استكشاف
  • بوابة الإمبراطورية البرتغالية
  • بوابة الإمبراطورية الفرنسية الأولى
  • بوابة البرتغال
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.