الفرزدق

الفرزدق بن غالب بن صعصعة المجاشعي التميمي (20 هـ / 641م - 110 هـ / 728م)[3] شاعر عربي من النبلاء الأشراف ولد ونشأ في دولة الخلافة الراشدة في زمن عمر بن الخطاب عام 20 هـ في بادية قومه بني تميم قرب كاظمة، وبرز وإشتهر في العصر الأموي وساد شعراء زمانه، واسمه همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، وكنيته أبو فراس، ولقبه الفرزدق وقد غلب لقبه على اسمه فعرف وأشتهر به، كان عظيم الأثر في اللغة، حتى قيل «لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس» ، وهو صاحب الأخبار والنقائض مع جرير والأخطل، واشتهر بشعر المدح والفخرُ وَشعرُ الهجاء، ووفد على عدد كبير من الخلفاء كعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وابنه يزيد، وعبدالملك بن مروان، وابنائه الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، ووفد أيضاً على الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعدد من الأمراء الأمويين، والولاة، وكان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، وكان أبوه من الأجواد الأشراف، وكذلك جده من سادات العرب وهو حفيد الصحابي صعصعة بن ناجية التميمي ، وكان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء إلا قاعداً لشرفه، وله ديوان كبير مطبوع، وتوفي في البصرة وقد قارب المائة عام.[4][5]

همام بن غالب المجاشعي التميمي
معلومات شخصية
الميلاد 20 هـ / 641م
بادية بني تميم قرب كاظمة،  دولة الخِلافة الرَّاشدة الكاظمة
الوفاة 110 هـ / 728م
البصرة،  الدولة الأموية
مواطنة  دولة الخِلافة الرَّاشدة
 الدولة الأموية
الكنية أبو فراس
اللقب الفرزدق، شاعر عصره.[1]
الديانة الإسلام، أهل السنة والجماعة.
الحياة العملية
المهنة شاعر 
اللغات العربية[2] 
مؤلف:الفرزدق  - ويكي مصدر
بوابة الأدب

نسبه ونشأته

نسبه

  • هو همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن مُحَمد بن سفيان بن مُجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر المجاشعي الدارمي الحنظلي التميمي[6] من بني مجاشع أحد أكبر قبائل بني تميم والتي تُعد من أكبر وأشرف قبائل العرب، ويكنى أبا فراس ولقبه الفرزدق وقد غلب عليه.[7]
  • وكان والده غالب سيداً شريفاً من سادات العرب، وكذلك كان جده صعصعة بن ناجية سيداً مُطاعاً ووفد إلى النبي وأسلم، وهو محيي الوئيد قبل الإسلام، وفيه يقول الفرزدق مفتخراً:[8]
وجدي الذي منع الوائداتوأحيا الوئيد فلم توأدِ

وكان جده ناجية بن عقال من أهل الرأي والحكمة من رجالات بني تميم[9]، وكذلك جده محمد بن سفيان كان سيداً شريفاً، وهو أول من سُمي محمداً من العرب[10]، أما جده سفيان بن مجاشع فقد كان زعيماً من زعماء بني تميم في يوم الكلاب الأول[11]، فكان الفرزدق من بيت شرف وسيادة وأبائه وأجداده جميعهم من الأعلام، وليس له جد غير معروف، إنما كانوا جميعهم من السادة والأشراف المعروفين المشهورين.[12]

  • وأمه لينة بنت قرظة الضبية التميمية من بني ضبة من تميم، وأخوه الأخطل بن غالب وهو أسن من الفرزدق، وله أخت واحدة هي جعثن بنت غالب، وجدته لأبيه هي ليلى بنت حابس المجاشعية التميمية وهي أخت الصحابي الجليل الأقرع بن حابس[13] الذي حكم العرب في الجاهلية حتى جاء الإسلام، وقد إفتخر الفرزدق بخؤلة الأقرع له فقال:[14]
إن الأقارع والحتات وغالباًوأبا هنيدة دافعوا لمقامي

وقال يفخر بنسبه وبأخواله:[15]

وأنا ابن تميم الأغر وإنني في آل ضبة للمعمُ المخوِلُ
فرعان قد بلغ السماء ذُرَاهماوإليهما من كل خوف يعقل

نشأته

ولد الفرزدق عام 20 هـ في خلافة عمر بن الخطاب في بادية قومه بني تميم ونشأ بينهم حياته الأولى في منعة وقوة، في أُسرةٍ شريفة كريمة ذات سيادة ورئاسة، وأخذ منهم صفاته التي منها قوة الشكيمة، والفصاحة، والجفاء، والغلظة[16]، ووفد الفرزدق مع أبيه غالب بن صعصعة إلى علي بن أبي طالب في البصرة وهو أول خليفة وفد الفرزدق عليه وذلك بعد معركة الجمل عام 37 هـ، فقال غالب: يا أمير المؤمنين إن إبني هذا من شعراء مضر فأسمع منه، فقال علي علمه القرآن، قال الفرزدق فوقع ذلك في قلبي، وذكر الأصفهاني عن الفرزدق أنه قال: «كنت أجيد الهجاء في أيام عثمان».[17]

ورؤى أبو عبيدة عن الفرزدق قال: «دخلتُ مع أبي على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبين يديه سيوف، فقال لأبي: من أنت؟ فقال غالب بن صعصعة قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال نعم. قال فما فعلت؟ قال: ذعذعتها النوائبُ والحُتُوف فقال: ذاك خير سُبُلها، فمن هذا معك ؟ فقال: هذا ابني همام، وهو يقول الشعر، فقال علي: علمهُ القران فهو خير له».[18][19]

  • أما عن بدايته الشعرية: فقد ذكر البلاذري : «كان سبب قول الفرزدق الشعر أن الأشهب بن رميلة النهشلي كان يهجو غالباً أبا الفرزدق، وكان غالب يطلب مصالحته فيأبى الأشهب، وكان الفرزدق يقول: بكيت من الجزع لأن الأشهب يهجو أبي وقومي فأريد إجابته فلا يأتي الشعر، فقلت أبياتاً فأنشدتها أبي فقال: أئت فلاناً فأنشده، فأنشدته فقال لأبي: يا أبا الأخطل إن عاش ابنك كان أشعر العرب، وجعل الفرزدق يهجو الأشهب، فلما أعيا الأشهب، طلب الأشهب الصلح بعد أن كان يُعرض عليه فيأباه» وهكذا إنتصر الفرزدق في أول معركة شعرية له وهو غلام صغير.[20]

نماذج من شعره

  • برع الفرزدق في جميع أنواع الشعر، في الهجاء، والفخر، والمديح، والغزل، والنسيب، والرثاء، والزهد وغيرها.

شعر الفخر

من شعره في الفخر بكثرة قومه بني تميم:[21]

لَنا عَدَدٌ يُربي عَلى عَدَدُ الحَصىوَيُضعِفُ أَضعافاً كَثيراً عَذيرُها
وَما حُمِّلَت أَضغانُنا مِن قَبيلَةٍفَتَحمِلَ ما يُلقى عَلَيها ظُهورُها
إِذا ما اِلتَقى الأَحياءُ ثُمَّ تَفاخَرواتَقاصَرَ عِندَ التميمي فُخورُها
وَإِن عُدَّتِ الأَحسابُ يَوماً وَجَدتَهايَصيرُ إِلى حَيَّي تَميمٍ مَصيرُها
وَإِن نَفَرَ الأَحياءُ يَومَ عَظيمَةٍتَحاقَرَ في حَيَّي تَميمٍ نُفورُها
تَميمٌ هُمُ قَومي فَلا تَعدِلَنَّهُمبِحَيٍّ إِذا اِعتَزَّ الأُمورَ كَبيرُها
هُمُ مَعقِلُ العِزِّ الَّذي يُتَّقى بِهِضِراسُ العِدى وَالحَربُ تَغلي قُدورُها

ومن شعره في الفخر في قومه بنو دارم من تميم أيضاً قوله:[22][23]

مقطع صوتي
أبيات الفخر في قومه بنو دارم مسجلة صوتياً.
معلومات الملف · مساعدة
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنابَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ
بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنىحَكَمُ السَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ
بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِوَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ
يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوابَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ
لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُمأَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ
مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَهازَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ
ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِهاوَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ
أَينَ الَّذينَ بِهِم تُسامي دارِماًأَم مَن إِلى سَلَفي طُهَيَّةَ تَجعَلُ
يَمشونَ في حَلَقِ الحَديدِ كَما مَشَتجُربُ الجِمالِ بِها الكُحَيلُ المُشعَلُ
وَالمانِعونَ إِذا النِساءُ تَرادَفَتحَذَرَ السِباءِ جِمالُها لا تُرحَلُ
حُلَلُ المُلوكِ لِباسُنا في أَهلِناوَالسابِغاتِ إِلى الوَغى نَتَسَربَلُ

وقال يفتخر بقبائل مضر والتي منها قومه بنو تميم ومنها وقريش الذين منهم رسول الله :[24][25]

أَبَت مُضَرُ الحَمراءُ إِلّا تَكَرُّماًعَلى الناسِ يَعلو كُلَّ جَدٍّ جُدودُها
إِذا غَضِبَت يَوماً عَرانينُ خِندِفٍوَإِخوَتُهُم قَيسٌ عَلَيها حَديدُها
حَسِبتَ بِأَنَّ الأَرضَ يُرعَدُ مَتنُهاوَصُمُّ الجِبالِ الحُمرُ مِنها وَسودُها
إِذا ما قَضَينا في البِلادِ قَضِيَّةًجَرى بَينَ عَرضِ المَشرِقَينِ بَريدُها
لَنا البَحرُ وَالبَرُّ اللَذانِ تَجاوَراوَمَن فيهِما مِن ساكِنٍ لا يَؤودُها
لَقَد عَلِمَ الأحياءُ في كُلّ مَوْطِنٍبِأنّ تَميماً لَيْسَ يُغْمَزُ عُودُها
وَيَوْما تَميمٍ: يَوْمُ حَرْبٍ وَنَجدَةٍ وَيَوْمُ مَقَامَاتٍ تُجَرُّ بُرُودُها
كَأنّكَ لمْ تَعرِفْ غَطارِيفَ خِندِفٍإذا خَطَبَتْ فَوْقَ المَنَابِرِ صِيدُها
وَإنّ امرأ يَرْجُو تَميماً وعِزّهَاكَبَاسِطِ كَفٍّ للنّجومِ يُريدُها
وَمِنّا نَبيُّ الله يتلُو كتابهُبِهِ دُوّخَتْ أوثانهَا وَيَهُودُها
وماباتَ مِنْ قَوْمٍ يُصلّونَ قِبلةًولا غيرُهمْ إلاّ قُريشٌ تَقُودُها

شعر الهجاء

عُرف الفرزدق بقوته وشدة لسانه، لذلك كان الخلفاء والأمراء وعامة الناس يخافون من شر لسانه، ولم ينجوا أحد من لسان الفرزدق، فهجا القبائل والشعراء كجرير، والأصم الباهلي، والطرماح بن حكيم وغيرهم، وهجاء الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وتناول في هجائه أيضاً الكثير من عمال وولاة بنو أمية كالحجاج بن يوسف، والمهلب بن أبي صفرة، وابنه يزيد بن المهلب، وخالد بن عبدالله القسري وغيرهم.[26]

ومن هجائه قوله يهجو المهلب بن أبي صفرة من ولاة الدولة الأموية، ويعرض بقومه الأزد:[27]

وَجَدنا الأَزدَ مِن بَصَلٍ وَثومٍوَأَدنى الناسِ مِن دَنَسٍ وَعار
وَكائِن لِلمَهَلَّبِ مِن نَسيبٍتَرى بِلَبانِهِ أَثَرَ الزِيارِ
بِخارَكَ لَم يَقُد فَرَساً وَلَكِنيَقودُ الساجَ بَالمَرَسِ المُغارِ
وَكَيفَ وَلَم يَقُد فَرَساً أَبوكُموَلَم يَحمِل بَنيهِ إِلى الدَوارِ

وقال يهجو الطرماح بن الحكيم الطائي وقومه طيئ:[28]

لَقَد هَتَكَ العَبدُ الطِرِمّاحُ سِترَهُوَأَصلى بِنارٍ قَومَهُ فَتَصَلَّتِ
سَعيراً شَوَت مِنهُم وُجوهاً كَأَنَّهاوُجوهُ خَنازيرٍ عَلى النارِ مُلَّتِ
وَجَدنا قِلادَ اللُؤمِ حِلفاً لِطَيِّءٍمُقارِنُها في حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ
فَما أَنجَبَت أُمَّ العَلافِيَّ طَيِّءٌوَلَكِن عَجوزٌ أَخبَثَت وَأَقَلَّتِ

وذكر ابن سلام الجمحي أن القبائل كانت تتقي هجائه، ومن ذلك أن شويعراً من بني حرام هجا الفرزدق، فأخذه قومه، وأتوا به الفرزدق، وقالوا هذا بين يديك فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، فلا عدوى عليك ولا قصاص، قد برئنا إليك منه، فخلى سبيله الفرزدق وقال:[29]

فمن يك خائفاً لأذاة شعريفقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافواقلائد مثل أطواق الحمام

شعر المدح

قال الفرزدق يمدح الخليفة عمر بن عبد العزيز الأموي ثامن خُلفاء الدولة الأموية:[30]

أليس مروان والفاروق قد رفعاكفَّيه والعودُ ماءَ العرق يعتصر
ما اهتزَّ عود له عرقان مثلهماإذا تروَّح في جرثومه الشجر
ألفيت قومك لم يُترك لأثلتهمظلٌّ وعنها لحاء الساق يُقتشر
فأعقب الله طَلًّا فوقه ورقمنها بكفَّيك فيه الريش والثمر

وقال الفرزدق يمدح القائد هلال بن أحوز المازني التميمي وكان أوقع ببني المهلب في قندابيل في خلافة يزيد بن عبد الملك:[31]

يُقيمُ عصا الإسلام منا ابن أحوزإذا ما عصا الإسلام لأنت كعوبها
لقد قاد جرد الخيل من جنب واسطٍيثورُ أمام السرائحين عكوبها

شعر الرثاء

قال الفرزدق يرثي وكيع بن حسان بن أبي سود الغداني التميمي أمير خراسان:[32]

ليَبكِ وكيعًا خيل حرب مُغيرةٌتساقي المنايا بالرُّدينية السمر
لقوا مثلهم فاستهزموهم بدعوةدعوها وكيعًا والجياد بهم تجري
وبين الذي نادى وكيعًا وبينهممسيرة شهر للمقصَّصة البتر
وكم هدَّت الأيام من جبل لناوسابغة زغف وأبيض ذي أثر
أصيبت به عمرو وسعد ومالكوضبَّة عمُّوا بالعظيم من الأمر

يمدح علي زين العابدين ويهجو هشام بن عبد الملك

حج هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد بن عبد الملك (86 هـ-96 هـ) ومعه الفرزدق ووجوه أهل الشام، وكان البيت الحرام مكتظاً بالحجيج في تلك السنة ولم يُفسح لهشام ليستقبل الحجر الأسود، فنصب له منبر، وجلس عليه ينظر إلى الناس، واقبل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين[33] وهو من أحسن الناس وجهاً، وأنظفهم ثوباً، وأطيبهم رائحةً، فطاف في البيت، ولما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم، وأخلوا له الحجر ليستلمه، هيبةً وإحتراماً له، فغاظ ذلك هشام بن عبد الملك وبلغ منه، فقال له رجل من أهل الشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ فقال: لا أعرفه، وكان به عارفاً وقد خاف أن يرغب به أهل الشام ويسمعوا منه[34]، فقال الفرزدق وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرفه، فسلني عنه يا شامي، قال الشامي ومن هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق:[35][36]

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُوَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُهَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ
هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُبِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا
وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِالعُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ
كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُمايُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ
سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُيَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ
حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحواحُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ
ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِهِلَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحسانِ فَاِنقَشَعَتعَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ
إِذا رَأَتهُ قُرَيشٌ قالَ قائِلُهاإِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ
يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِفَما يُكَلَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ
بِكَفِّهِ خَيزُرانٌ ريحُهُ عَبِقٌمِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ
يَكادُ يُمسِكُهُ عِرفانُ راحَتِهِرُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ
اللَهُ شَرَّفَهُ قِدماً وَعَظَّمَهُجَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

فغضب هشام بن عبد الملك وأمر بحبس الفرزدق في سجن عسفان بين مكة والمدينة، وبلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال: أعذرنا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر منها لوصلناك به، فردها الفرزدق إليه وقال يابن رسول الله ماقلت الذي قلته إلا غضباً لله ورسوله، وماكنت لأرزاً عليه شيئاً، فردها عليه علي مرة أخرى وأقسم عليه أن يقبلها، وقال له: قد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، وشكر لك، ونحن أهل بيتٍ إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه، فقبلها الفرزدق، وقال يهجو هشام بن عبد الملك وهو في سجن عسفان:[37][38][39]

أتحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأساً لم يكن رأس سيدٍوعيناً له حولاء بادٍ عيوبها

فبعث إليه هشام وأخرجه.[40]

فخره بقومه عند سليمان بن عبد الملك

دخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك في خلافته في دمشق، وكان سليمان يبغضه لكثرة فخره بأباه وأجداده، فتنكر له سليمان وقال من أنت وكانه لا يعرفه، فقال الفرزدق: أما تعرفني يا أمير المؤمنين ! أنا من قومٍ هم أوفى العرب، وأحلم العرب، وأسود العرب، وأجود العرب، وأشجع العرب، وأشعر العرب، فغضب سليمان وقال: والله لتحتجن لما ذكرت أو لأوجعن ظهرك، وأبعدن دارك، فقال الفرزدق: بلى، أما أوفى العرب فحاجب بن زرارة رهن قوسه عن العرب كلها ووفى، وأما أحلم العرب فالأحنف بن قيس يُضرب به المثل حِلماً، وأما أسود العرب فقيس بن عاصم سيد أهل الوبر، وأما أشجع العرب فالحريش بن هلال، وأما أجود العرب فخالد بن عتاب بن ورقاء، وأما أشعر العرب فها أنا عندك، فقال سليمان: فما جاء بك؟ لا شيء لك عندنا، فأرجع، وغمه ماسمع من عزه، ولم يستطع له رداً.[41][42][43]

وقد كان الفرزدق لا يُنشد بين يدي الخُلفاء إلا قاعداً، عكس بقيت الشعراء، وذلك لشرفه، وكثرة قومه، فدخل مرةً على الخليفة سليمان بن عبد الملك، وأنشده شعراً يفخر فيه بأجداده وقومه:[44]

ما حملت ناقةُ من معشر رجلاًمثلي إذا الريحُ لفتني على الكور
أكرم قوما وأوفى عند مضلعةٍلمُثقل من دماء القوم مبهور

فقال سليمان: هذا المدح لي أم لك؟ قال: لي ولك يا أمير المؤمنين! فغضب سليمان وقال: قم فأتمم ولاتنشد بعده إلا قائماً، فقال الفرزدق: لا والله أو يسقط إلى الأرض أكثري، فقال سليمان: ويلي على الأحمق وأرتفعت الأصوات، وسمع سليمان صوت ضوضاءٍ ببابه فقال: ما هذه الأصوات؟ فقيل له: إنهم بني تميم قوم الفرزدق على الباب ويقولون لا يُنشد الفرزدق قائماً وأيدينا على مقابض سيوفنا، فقال سليمان فلينشد قاعداً[45]

مكانته

  • قال يونس بن حبيب : «لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس»[46]
  • قال أبو عبيدة : «عاش الفرزدق تسعين سنة كان منها خمسة وسبعين سنةً يُباري الشعراء، ويهجو الأشراف فيضعهم، وماثبت له أحد قط إلا جرير»[47]
  • قال أبو الفرج الأصفهاني : «الفرزدق مقدّم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، ومحلُه في الشعر أكبر من أن يُنبّه عليه بقول، أو يدل على مكانه بوصف، لأن الخاص والعام يعرفانه بالإسم، ويعلمان تقدٌمه بالخبر الشائع»[48]
  • قال الشاعر الحطيئة لما سمع شعر الفرزدق وهو غلام صغير : «هذا والله الشعر، فقيل له أتفضله على نفسك ! فقال: بلى والله، أفضله على نفسي وعلى غيري، وقد أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ثم قال الحطيئة للفرزدق: يا غلام لئن بقيت لتبرزن علينا»[49]
  • قال الشاعر جرير : «الفرزدق نبعة الشعر»[50]
  • قال مالك بن الشاعر الأخطل التغلبي : «الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر، فقال الأخطل الذي ينحت من صخر أشعرهما»[51]

مؤلفات عن الفرزدق

اهتم العلماء المتقدمون في القرون الأولى بشعر الفرزدق وأخباره، كونه أحد أبرز شعراء العرب، وأكثرهم شعراً، وقد ألف علماء متقدمون مؤلفات كاملةً عن الفرزدق ومنهم:[52]

وفاته

أسنّ الفرزدق حتى قارب المائة فأصابته الدبيلة وهو في البادية، ومالبث إلا أن مات في سنة 110 هـ في خلافة هشام بن عبد الملك[53]، وصلى عليه بلال بن أبي بردة والي البصرة لهشام[54]، ودفن في البصرة في مقابر بني تميم.[55]

انظر أيضًا

المصادر

  1. تهذيب سير أعلام النبلاء، المجلد الأول ص 167.
  2. المؤلف: المكتبة الوطنية الفرنسيةhttp://data.bnf.fr/ark:/12148/cb13562407p — تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2015 — الرخصة: رخصة حرة
  3. لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، المجلد السادس ص 198.
  4. الأعلام، خير الدين الزركلي، المجلد الثامن ص 93 .
  5. مرأة الزمان في تاريخ الأعيان، ابن الجوزي، المجلد السابع ص 26.
  6. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، أبو عبدالله الذهبي، المجلد الثالث ص 325.
  7. طبقات الشعراء، ابن قتيبة الدينوري ص 290.
  8. معرفة الصحابة، أبو نعيم الأصبهاني، المجلد الثالث ص 58.
  9. معجم الشعراء, المبرزباني ص 553.
  10. عيون الأثر، ابن سيد الناس ص 39.
  11. النقائض، أبو عبيدة التيمي، ص 360.
  12. الفرزدق حياته وشعره، محمد رضا ص 9-11.
  13. أنساب الأشراف، البلاذري، المجلد السابع ص 445.
  14. النقائض، أبو عبيدة التيمي، ص 193.
  15. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 400.
  16. شرح ديوان الفرزدق، علي فاعور ص 8.
  17. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 287.
  18. تصحيفات المحدثين، أبو هلال العسكري ص 110.
  19. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، المجلد الرابع والسبعون ص 50.
  20. أنساب الأشراف، البلاذري، المجلد الثالث ص 65.
  21. ديوان الفرزدق، علي فاعور ص 197.
  22. معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، أبو الفتح العباسي، المجلد الأول ص 104.
  23. شرح المفصل، أبو البقاء الزمخشري، المجلد الرابع ص 131-132.
  24. ديوان الفرزدق، المجلد الثاني ص 241.
  25. فحولة الشعراء، الأصمعي ص 46.
  26. الفرزدق حياته وشعره، محمد رضا ص 51.
  27. ديوان الفرزدق، علي فاعور ص 184.
  28. فحولة الشعراء، الأصمعي ص 29.
  29. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 299.
  30. الخليفة عمر بن عبدالعزيز والشعر، عبدالحميد المعيني ص 14.
  31. ديوان الفرزدق، عمر الطباع ص 54.
  32. ديوان الفرزدق ص 220 - 221. نسخة محفوظة 2021-06-07 على موقع واي باك مشين.
  33. تاريخ الإسلام، الذهبي، المجلد السادس ص 438.
  34. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، المجلد الثالث والعشرون ص 136.
  35. ديوان الفرزدق، علي فاعور ص 511.
  36. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 378.
  37. الأمالي، المرتضى، المجلد الأول ص 69.
  38. الجليس الصالح، ابن طرار النهرواني ص 681.
  39. الإكتفاء في أخبار الخلفاء، ابن الكردبوس، المجلد الأول ص 360.
  40. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الثامن ص 317.
  41. العقد الفريد، ابن عبدربه، المجلد الأول ص 281.
  42. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، المجلد الثامن ص 77.
  43. مرأة الزمان في تاريخ الأعيان، ابن الجوزي، المجلد السابع ص 27.
  44. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، المجلد السادس عشر ص 129.
  45. الخلق الكامل، محمد أحمد، المجلد الرابع ص 158.
  46. الوافي بالوفيات، الصفدي، المجلد الواحد والعشرون 256.
  47. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الواحد والعشرون ص 398.
  48. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 396.
  49. معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ص 2786.
  50. طبقات الشعراء، ابن سلام الجمحي ص 147.
  51. ديوان الأخطل ص 7.
  52. كتاب الفهرست، ابن النديم، ص 255.
  53. معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ص 2788.
  54. إتحاف السادة، المرتضى الزبيدي، المجلد الرابع عشر ص 255.
  55. كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، المجلد الحادي عشر ص 392.

وصلات خارجية

  • بوابة الشعراء: ديوان الفرزدق
    • بوابة الإسلام
    • بوابة أدب عربي
    • بوابة شعر
    • بوابة أعلام
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.